مقالات

حول احتجاجات السودان

 
 
أيمن حسين
 
مفكرو نظرية العقد الاجتماعي عندما وضعوا تصوراتهم عن حالة “الغوغاء” انصب تركيزهم على أنها نابعة من الداخل لإنشاء عقد اجتماعي جديد للمجتمع أو تحرير عقد جديد يحدد الصلاحيات بين الحاكم والمحكوم، لكن تطور أنظمة الحكم فيما بعد وتداخل العلاقات الدولية وتشابك المصالح أوجد مفهوما حديثا في العلوم السياسية وهو “التدخلات” والتي تبلورت في أشكال عديدة، بل وتحولت من معلنة إلى سرية لتصحب معها مفاهيم أخرى مثل “الطابور الخامس” وعزز ذلك المؤسسات والأجهزة المخابراتية في دول العالم.
ووفق خبراء العلوم السياسية يعتبر نظام الحكم في أي دولة هو حائط الصد الأول للدفاع عن الدولة وحماية مؤسساتها ومنع سقوطها، بل ومن ضمن المبادئ المرسومة لقيام نظام حكم ما أنه قابل للتضحية بنفسه من خلال الزوال أو السقوط لمنع انهيار الدولة وحماية هيبتها ودرء محاولات تدميرها.
ربما تدرك النخب ذلك جيدا، فمنهم من يفعل كل ما بوسعه لمنع سقوطه، ومنهم من يستخدم كل ما أوتي من قوة وشدة وبطش لحماية الدولة، ومنهم من يدافع عن بقاء النظام حتى لو زالت الدولة، ومنهم من يترك الحكم طواعية، ومنهم من يكون مجبرا على الخروج من سدة الحكم، وقليل منهم يعمل لصالح شعبه؛ لكن حتما لا تدرك الشعوب، وربما لا يدرك المحتجون ما ستؤول إليه بلدانهم حال خرجوا على الحاكم وتبنوا سقوط نظام الحكم، فبينما ستتقاسم النخب غنيمة الحكم ويختلفون بعدها على نسب كل فصيل، سيتأثر البسطاء أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، فالوضع في سوريا يعرفه القاصي والداني، وحال اليمن ليس ببعيد، ولا تختلف عنهم ليبيا، وتئن تونس اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، بينما لا يخفى على أحد ما دفعه المصريون من دمائهم وأوضاعهم الاقتصادية وما تكبدته بلادهم عقب 25 يناير.
ربما يدفعني هذا إلى مراقبة الاحتجاجات السودانية وينتابني شعور بأن هناك شيئا غريبا في الاحتجاجات السودانية ضد نظام حكم الرئيس عمر البشير، فهذه الاحتجاجات تلامس موجة “الربيع العربي” التي انطلقت في ديسمبر 2010 وطالت 5 دول هي تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، بل وأشعر أنها تقترب كثيرا من نمط الاستنساخ لانتفاضة المصريين في الـ25 من يناير ضد حكم الرئيس حسني مبارك.
في بداية انطلاقة ثورة الـ25 من يناير رفع المحتجون المصريون شعارات “عيش حرية عدالة اجتماعية” ونادوا في مختلف المحافظات المصرية معا عبارات “سلمية” و”الشعب يريد إسقاط النظام”، وكان تعامل الأمن معهم قاسيا لتتزايد أعداد المحتجين بعدها، وارتفعت حدة المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين، ثم عين الرئيس المصري الأسبق رجل مخابراته الأول نائبا له، لكن المظاهرات زادت وارتفع معها سقف المطالب، حتى ترك نظام مبارك الحكم، ودخلت مصر في مرحلة وهن اقتصادي ما زالت تعاني من تبعاتها رغم حالة الاستقرار السياسي التي وصلت لها فيما بعد.
الغريب أن الاحتجاجات السودانية اندلعت للتنديد برفع أسعار الخبز، وردد المتظاهرون نفس العبارات التي رددها المصريون قبل ما يقرب من ثماني سنوات، وارتفعت وتيرة المواجهات بين المتظاهرين والأمن السوداني، بل وعين الرئيس البشير واليا جديدا لمنطقة القضارف (550 كيلو شرق العاصمة الخرطوم) وهي منبع انطلاقة التظاهرات، وهو بالمناسبة رجل أمن مخابراتي.
فبينما ظهر وسط المتظاهرين المصريين رجل يحمل رمزية لثورتهم في ميدان التحرير بوسط القاهرة أسماه المتظاهرون وقتها “أبو الثوار” ويرتدي ملابس مجردة من التعبير عن التوجهات أو الانتماءات أو المحافظة التي جاء منها فيما عدا علم مصر، فإذ بي أشاهد رجلا في مظاهرات السودان ويحمل رمزية متقاربة مع الحالة المصرية وتعبر ثيابه عن السودان جملة من خلال علمها وشعاراتها.
المعارضة المصرية تأخرت في دخول الاحتجاجات وظهرت فيما بعد حالة الزخم الشديد من كافة أطيافها، وكلها ثقة في أنها ستنجح في إسقاط نظام مبارك، وهو ما فعلته المعارضة السودانية التي لم يكن لها سبق المبادرة بل أوجدت لنفسها متكئا فسيحا وسط المتظاهرين، لتنادي بإضراب عام في البلاد، وعادت رموز معارضة من الخارج لقيادة التظاهرات في البلدين.
الزخم الشديد الذي أحدثته الثورة المصرية دفع النظام لقطع خدمات الإنترنت، وحجب مكالمات الجوال في القاهرة والمحافظات وكل المناطق التي تشهد احتجاجات، لمنع عمليات التواصل بين المتظاهرين، وحجب الوسائل التي تمنح الشباب قوة في مواصلة المشوار، أو تمنحهم الأمل والعزيمة، وبنفس المنطق قامت الحكومة السودانية بحجب مواقع التواصل الاجتماعي.
قد تبدو احتجاجات السودان أنها “شعبوية” خالصة تهدف للإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ لكن حالة التلاصق النمطي المصري في المواجهة، وفي التعامل مع الأزمة، يدفع إلى القول إن المؤشر الذي استنسخ الحالة التونسية ونقلها إلى مصر ومنها إلى اليمن وسوريا وليبيا ليس بعيدا عليه أن يميل على السودان قليلا ليستنسخ موجة الاحتجاجات المصرية بسبب التقارب الثقافي الكبير بين الشعبين المصري والسوداني، ومتواريا في احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا كدافع قوي لعملية التصعيد.
لو كانت الأيادي خفية قد نجحت في استنساخ الثورة المصرية في السودان؛ فيجب على الشعب السوداني أن يستلهم نتاج التجربة من الشعب المصري، ويعمل وفق مقولة “الوقاية خير من العلاج”.