منذ دخولها إلى جانب الدولة السورية، وشنّها غارات على بعض أراضيها، كان هدفها قض مضاجع تنظيم داعش الإرهابي، والقضاء عليه. ولأنها كانت تعلم أن عددا كبيرا من أفراد التنظيم الإرهابي، قدموا من دول آسيا المركزية، القوقاز، وبعض جمهوريات الإتحاد الروسي، كداغستان والشيشان وغيرها، كان من مصلحتها العمل على أن لا تعود تلك القوات إلى بلادها.
وترى روسيا من الإرهاب والتطرف تهديدا للجمهوريات في آسيا الوسطى والقوقاز، والتي تواجه تحديات أمنية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ويمكن القول أن التهديدات التي تواجه تلك الأماكن قادمة من أفغانستان وداعش. وحسب كلام رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية والنائب الأول لوزير الدفاع، فاليري جيراسيموف، أن حوالي الألفين إلى ثلاثة آلاف داعشي كانوا متواجدين في أفغانستان العام 2015، ومن البديهي أن هذا العدد قد تضاعف بعد هزيمة التنظيم في العراق وسوريا.
لحل هذه الأزمة، تعمل روسيا على تقوية علاقتها مع بيض الجماعات الأفغانية من جهة، والسعي إلى تحسين قدرات القوات المسلحة في آسيا الوسطى لتستطيع مواجهة التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، هادفة للتخفيف من خطر تلك المجموعات والحدّ من أماكن الضعف التي تعتبر هدفا للإرهاب.
لذلك سعت روسيا مرّات عديدة لعمل مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي الأفغانية، لكنها لطالما واجهت عدم تعاون من قبل واشنطن. فلماذا لا تسعى واشنطن للتعاون مع روسيا في هذا المجال؟ سؤال لا بد من الإجابة عليه.
خلال العام الماضي أكدت التقارير أن للولايات المتّحدة اليد الطولى في تأسيس داعش، وعلى الرغم أن قادة البيت الأبيض يدعون أن أمريكا تعمل على محاربة التنظيم، وهي من قضى عليه في سوريا، إلا أن الحقيقة واضحة وقليل من يجهلها، فواشنطن لم تسعى يوما لمحاربة داعش، ولو تقم بأي خطوة جديّة حتى يومنا هذا.
هذا وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعترف بأن سلفه باراك أوباما ووزير الخارجية هيلاري كلينتون مسؤولان عن إنشاء داعش، إلا أنه لم يقدم على عمل للوقوف أمام ذلك التنظيم.
ومع نجاحات الجيش السوري وحلفائه والقوى الجوية الروسية في حربهم على الإرهاب، وتحرير المناطق والمدن من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي بدأت بعض الدول الغربية والولايات المتحدة بتصعيد لهجتها ضد روسيا التي تحارب الإرهاب وتوجه له ضربات قاتلة في سوريا، وربما هذا أحد أسباب التصعيد الغربي ضد روسيا إذ من المعروف أن من صنع الإرهاب وخاصة تنظيم داعش هي الولايات المتحدة ودعمتها بعض الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا التي تكيل الاتهامات المختلفة إلى روسيا بين فترة وأخرى، فعندما تصطدم الحكومة البريطانية بمشاكل داخلية تسعى لإيجاد عدو خارجي من أجل لفت الأنظار عنها.
ونشرت وزارة الدفاع الروسية مجموعة من الصور تظهر تحرك مسلحي داعش خلال الانسحاب من مدينة البوكمال بمحافظة دير الزور.وبدت فيها قافلة للإرهابيين تتحرك في اتجاه الحدود السورية العراقية. وأكد العسكريون الروس على أن التحالف الأمريكي رفض قصف مواقع داعش وبرر ذلك بأن الإرهابيين الذين يسلمون أنفسهم طوعا يقعون تحت حماية اتفاقية جنيف.
ونتيجة لذلك، تمكن الإرهابيون من تنفيذ عملية إعادة تجميع داخل أراضي خاضعة لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن.
ولطالما اشتكى المسؤولون العراقيون والسوريون والأفغان من تقديم مساعدات أمريكية للإرهابيين وتنظيم داعش، بما في ذلك الأسلحة والدعم اللوجستي ونقل قواتهم بطائرات الهليكوبتر، والضربات جوية ضد مواقع القوات العراقية والسورية، التي ادعوا أنهم كانوا مخطئين فيها، لكنهم أسدوا من خلالها خدمة كبيرة لداعش. ومن جهتها صرّحت السلطات الروسية مرارا بأن الأمريكيين يدعمون الإرهابيين وداعش في سوريا.
وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي للأمريكيين من خلق ودعم الإرهابيين وتنظيم داعش، هو ضرب محور المقاومة والدول والحركات المعارضة لهم في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم يرون أنهم من المناسب أيضا استخدامها ضد منافسيهم، بما في ذلك روسيا والصين.
وعلى هذا الأساس، وضعوا في برنامجهم مخطط تعزيز “داعش” في أفغانستان، البلد الذي يعدّ مكانا مناسبا لذلك، للأسباب التالية:
1- موقعه الجغرافي، حيث تقع أفغانستان بالقرب من آسيا الوسطى، وبالتالي الصين وايران.
2- وجود أجواء ثقافية وإقتصادية مناسبة لتلك المجموعات، والتي تساعدها على استقطاب عدد كبير من الأفراد.
3- طبيعة الأرض وتضاريسها، حيث تعد الجبال أماكن مناسبة للإرهابيين.
4- ضعف الحكومة الافغانية وحكومات آسيا الوسطى في مكافحة الارهاب.
تستطيع الولايات المتحدة عبر هذه المجموعات أن تخلق توتّرات كبيرة لهذه الدول، وهم يريدون توسيع وجودهم وتأثيرهم في هذا الجزء من العالم بحجة وجود الإرهابيين وانعدام الأمن في أفغانستان والمنطقة، بل والاستفادة من منافعها الاقتصادية وتسعى للتأثير على التطورات فيها.
لذلك فإن الأمريكيون في الأساس يحتاجون إلى وجود ونشاط الإرهابيين وتنظيم داعش في أفغانستان لتحقيق أهدافهم. وليس لديهم أي نية لمحاربة داعش، وبالتالي لن يقفوا إلى جانب روسيا. فالقضية من المنظار الأمريكي ليست الإرهاب ولا داعش، بل روسيا نفسها، ولهذا السبب لم تستجب واشنطن لطلب موسكو ولن تستجيب يوما.