اقتصادي

دراسة حيوية لمبادرة “السلام الأزرق”: البصمة المائية لمعالجة النقص الكبير في المياه في المنطقة

من ندوات "السلام الأخضر"

تركيا – سارة مطر تتّخذ البصمة المائية منحى تصاعديًّا حول العالم، إذ باتت معيارًا محوريًّا يندرج ضمن خطط العديد من الحكومات والمنظمات، تمامًا كما حرصها على التزام البصمة الكربونية والمسؤولية المجتمعية. وفي وقت لا تزال البصمة المائية في منطقة الشرق الأوسط مجرد مفهوم متداول بين المعنيين والخبراء والناشطين البيئيين، تبرز نتائج دراسة أعدّتها مبادرة “السلام الأزرق”، لتشكّل دليلًا إلى أهمية تعزيز الوعي بالبصمة المائية. وتقدّم بالتالي حقائق علمية لدول المنطقة حول كميات المياه المستخدمة في إنتاجهم الزراعي وغير الزراعي، ما يقود إلى تفكير أعمق بشأن كفاءة استخدام المياه والاستفادة من الأساليب والتقنيات المبتكرة، بهدف خفض البصمة المائية، والحفاظ على مصادر المياه المحدودة في المنطقة.إلمام الدول بالبصمة المائية يعزّز القدرة على التكيّففي حديث إلى “النهار العربي”، تعدّد رئيسة لجنة الإدارة في مبادرة “السلام الأزرق” والخبيرة في قطاع المياه، ميسون الزعبي، إنجازات المبادرة التي انطلقت قبل 15 عاماً لتعزيز التعاون المائي والتفاهم بين الدول الشريكة الست، وهي تركيا، إيران، لبنان، سوريا، الأردن والعراق. وتقول الزعبي إنّ “استمرار المبادرة لهذا اليوم وتوسّعها، يُعدّان بحدّ ذاتهما إنجازاً. فقد وفّرت منصّة للحوار والتفاهم بين الدول الست الشريكة في المبادرة، وهذا بدوره إنجاز لناحية تعزيز الترابط والانفتاح، خصوصًا أنّنا نتعامل مع دول تعتبر المعلومات حول المياه في غاية السرّية”. وتضيف: “أولينا الاهتمام لمسألة التشارك والترابط، اذ بدأت المبادرة بمشاركة استشاريين، وتطورت وصولًا إلى مشاركة صنّاع القرار. كما أنّها تطرح مواضيع حيوية، من كفاءة استخدام الزراعة والتعليم وتمكين الشباب باعتبارهم جيل المستقبل”. وتتابع الزعبي: “من هذا المنطلق، ستنطلق في عمان زمالة للخرّيجين الشباب من الدول الست الشريكة، ومن خلفيات متعلقة بالمياه ودبلوماسية المياه. ويتمحور الهدف حول إعداد مفاوضين متمكنين يفاوضون في قضايا المياه مستقبلًا، ويكونون بمثابة سفراء السلام الأزرق. لذلك، سيتمّ إطلاعهم على أساسيات التفاوض والمياه المشتركة. فالتفاوض لا يقف عند حدود الإلمام بالقوانين فحسب، إنما معرفة فنون المياه. وسيترتب على المشاركين في الزمالة طرح فكرة مشروع مشترك يتعلق بالترابط بين المياه والطاقة”.  وتلفت الخبيرة في مجال المياه إلى أنّ “الإعلاميين شركاء أساسيون في المبادرة المدعومة من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون “SDC”. وقد وضعنا استراتيجية جديدة للإعلام. كما أطلقنا خلال الاجتماع الثاني عشر للجنة الإدارية للمبادرة، والذي عُقد في إزمير في تركيا، نتائج دراسة خاصة بالبصمة المائية، تكمن أهميتها في معرفة كمية استهلاك المياه في أي نشاط أو في الدورة الإنتاجية للمنتج ونوعية المياه، لتعزيز القدرة على التكيّف وضمان الأمن الغذائي والمائي، واكتساب الخبرات لناحية كفاءة استخدام المياه في الزراعة والإنتاج، والأساليب الكامنة خلف الحصول على منتج بمعدل استهلاك أقل للمياه. وقد ركّزنا على قطاع الزراعة، لاحتساب كمية المياه المستهلكة لكل منتج منذ زراعته وحتى تصنيعه”. الزراعات المرتبطة بمياه الأمطار هشّة أمام التغيّر المناخيوتميّز الزعبي بين “المياه الخضراء وهي التي تعتمد على الأمطار، والمياه الزرقاء المخصّصة للريّ”. وتقول: “اكتشفنا أنّ المنتج المرتبط بالمياه الخضراء هشٌّ أمام التغيّر المناخي، خصوصًا مع تناقص كمية المتساقطات في الشرق الأوسط وما نشهده من ارتفاع في درجات الحرارة، فأي مزروعات بعلية ستصبح هشّة في المستقبل. الأمر الذي يجب أن يحثّ صنّاع القرار على فهم الإشكالية واعتماد الآليات الأنسب للحفاظ على الإنتاج الزراعي في بلادهم، سواءً من خلال اعتماد الري التكميلي أم التخفيف من عملية التبخّر أم اعتماد مزروعات تعتمد على الجفاف. وإذا كانت الزراعة تعتمد على المياه الزرقاء، وبحال كانت مياهاً مشتركة، فعلى المعنيّين التنبّه إلى أنّه وفي حال ازداد حجم استهلاك المياه من قبل دول المنبع، ستتأثر زراعة البلد الآخر. وقد أنذرتنا جائحة كوفيد – 19، وما رافقها من تقييد لحركة الاستيراد، حول ضرورة التزام كل دولة من دول المنطقة بكفاءة الإنتاج وكفاءة استخدام الموارد الطبيعية، من أجل ضمان الأمن المائي والغذائي”. وخلال الشهر الماضي (آذار/مارس 2024)، أفاد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أنّ “ما لا يقل عن 50 في المئة من سكان الكوكب – 4 بلايين نسمة – يعانون من نقص المياه لمدة شهر واحد على الأقل في السنة. وبحلول عام 2025، من المرجح أن يواجه 1،8 بليون شخص ما تسمّيه منظمة الأغذية والزراعة “شح المياه المطلق”. وفي مواجهة هذه المشكلة، أصدرت جمعية الأمم المتحدة للبيئة قراراً في وقت سابق من الشهر الماضي، يدعو البلدان إلى إدارة النظم البيئية المائية بشكل أفضل، وتعزيز تعاونها في مجال المياه لدعم التنمية المستدامة”. وأفادت ليتيسيا كارفاليو، المنسقة الرئيسية لفرع المياه العذبة والنظم الإيكولوجية البحرية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأنّ “الحلول في متناول أيدينا… لكننا بحاجة إلى تفكير مبتكر، وإلى المزيد من الالتزام السياسي والتعاون، وزيادة التمويل، حتى لا يتخلف أحد عن الركب عندما يتعلق الأمر بالمياه”. ضرورة تطبيق التجارب الناجحةالى ذلك، تعرب المهندسة المدنية في رئاسة مجلس الوزراء اللبناني، زينة مجدلاني، عن أهمية “الجولات الميدانية والحصص التدريبية التي نظّمتها مبادرة السلام الأزرق، والتي ساهمت في اطّلاع عدد كبير من صنّاع القرار والخبراء والمهندسين والإعلاميين والمعنيين بقطاع المياه، على قصص النجاح في هذا القطاع في أكثر من دولة، مع طرح إمكان تطبيقها في دول المنطقة”. وتوضح أنّ الدراسات والأبحاث والنقاشات والخلاصات التي تتوصل اليها المبادرة ترافقنا دائمًا لدى إعدادنا استراتيجيات معيّنة أو  مشاركتنا في جلسات نقاشية على مستوى الحكومة، إذ تمكننا من إبداء الرأي والملاحظات بناءً على نتائج علمية موثوقة”. وتركّز مجدلاني على “الدور المهم لكل من الصحافيين والإعلاميين، لا سيما بعد تعزيز معرفتهم بقضايا المياه”. البصمة المائية قاعدة بيانات ويشدّد معاون مدير عام الهيئة العامة للسدود في وزارة الموارد المائية العراقية، ليث عبد الستار، على أنّ “البصمة المائية مهمّة، ومن الضروري تبادل المعلومات والمعطيات والاطلاع على التجارب النموذجية الناجحة والتقنيات والحلول النوعية. وفي هذا الإطار، يمكن لكل دولة أن تساهم في الابتكار والاستفادة معاً. فالتعاون وسيلة مهمّة جدًّا لتقييم الواقع المائي والزراعي والإنتاجي. وتشكّل البصمة المائية قاعدة بيانات للانطلاق منها”.