مقالات

دروس المصريين فى الانتخابات.. الصعيد نموذجاً

يوسف أيوب
 
 
المحصلة النهائية للانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن المصريين استطاعوا أن يسطروا ملحمة جديدة تضاف إلى سلسلة طويلة من الأدوار الوطنية التى أبهروا بها العالم طيلة السنوات الماضية، خاصة فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، حينما قرروا الانتفاضة لكرامتهم فى مواجهة الفاشية الإخوانية.
بالورقة والقلم يمكننا القول إن المصريين كسروا كل التابوهات بمشاركتهم وتصويتهم فى الانتخابات الأخيرة والتى تجاوزت نسبة المشاركة بها الـ%40، فى وقت كانت هناك أموال تنفق فى وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها لترهيب المصريين ودفعهم لمقاطعة الانتخابات إما بالتهديد أو بالقول إن نتيجة الانتخابات معروفة سلفًا بفوز الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكن الشعب أدرك أن مشاركته تعبر عن وعى وطنى وإدراك أيضًا أن المشاركة تمثل فى حد ذاتها دعمًا للحرب التى تقودها الدولة ضد الإرهاب، فكلنا كنا نعلم منذ البداية أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فوق أى منافسة أيا كان المنافس، لأن هذا الرجل أوجد لنفسه مكانة خاصة لدى كل مصرى، حتى الغاضبين منهم من بعض الإجراءات خاصة الاقتصادية، لكنهم فى نفس الوقت يعلمون يقينًا أن السيسى أنقذ مصر من براثن الإرهاب، كما أنه يملك مشروعًا وطنيًا لاستعادة مكانة الدولة المصرية، وأن وفاءه لمصر ووطنيته جعلته وتجعله دومًا صاحب رصيد كبير لدى جموع الشعب، ممن يدركون حقيقة الوضع حينما تسلم السيسى الرئاسة، وما آلت إليه الأوضاع تحديدًا بعد 25 يناير 2011، وما حدث من تحولات جذرية فى الدولة الآن، نلمسها جميعًا، سواء أمنيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا، وهى تحولات إيجابية لم يكن لأحد أن يقوم بها إلا شخص واحد وهو الرئيس السيسى، الذى أدرك منذ البداية أين يكمن الداء، فبحث له عن الدواء ووجده لدى أبناء مصر المخلصين والوطنيين، خاصة فى مؤسسات الدولة الوطنية وتحديدًا القوات المسلحة والشرطة، وغيرهم ممن آمنوا بحتمية التغيير الفورى فى البلد وإلا سقطت.
هذه الانتخابات أنتجت لنا الكثير من الدروس المستفادة، ولعل أهمها على الإطلاق وقفة المصريين فى الصعيد، فوفقًا لأرقام المؤشرات الأولية لنسب التصويت، ومقارنتها بالتصويت فى انتخابات الرئاسة فى 2014، وجدت أن محافظات الصعيد، خاصة المنيا وأسيوط وسوهاج والأقصر والبحر الأحمر كانت هذه المرة أكثر مشاركة من الانتخابات الماضية، وكذلك كانت نسبة تصويتهم للرئيس السيسى أعلى من 2014، وإذا راجعنا الوضع الاقتصادى والاجتماعى لهذه المحافظات سنجد أنهم كانوا الأكثر تضررًا من قرارات الإصلاح الاقتصادى، كما أنهم ليسوا مثل محافظات الوجه البحرى فى الاستفادة من المشروعات الوطنية، صحيح أن الدولة والرئيس السيسى لم يهملوا الصعيد كما فعل السابقون، لكن ما يحتاجه الصعايدة يتطلب الكثير من الوقت والجهد لأن الإهمال امتد لسنوات طويلة، والعلاج لن يأتى فى أربع سنوات، بل يحتاج الكثير، لكن رغم ذلك وقف الصعايدة خلف الدولة والرئيس واصطفوا، كبارًا وشبابًا، أمام اللجان، ليؤكدوا للجميع أنهم رغم تضررهم لكنهم فى المقابل يدركون حتمية الموقف الذى جعل الرئيس يلجأ لهذه القرارات، وأنهم سيظلون مساندين للرئيس حتى النهاية.
سمعنا كثيرًا عن أسباب يعتبرها البعض مبررًا للمقاطعة، وأغلبها كانت مرتكزة على قرارات الإصلاح الاقتصادى وتأثيرها على المواطن البسيط، لكن ها هم أهلنا فى الصعيد يردون على هؤلاء الكاذبين والمشوشين، ويلقنونهم درسًا فى كيف يكون دعم الدولة فى معاركها.
أهلنا فى الصعيد حينما ذهبوا إلى اللجان للإدلاء بأصواتهم لم يكونوا مدفوعين بأى دعاية أو تأثير كما قالت بعض وسائل الإعلام التى حاولت خلق صورة مغايرة للواقع الجميل الذى عاشته مصر طيلة أيام الانتخابات الثلاثة، بل ذهبوا لأنهم مقتنعون بأن هذا هو الواجب عليهم، فهم يدركون أن مشاركتهم فى الانتخابات لا تقل أهمية عن الدور الوطنى الذى يقوم به جنودنا على الجبهة، ولا ننسى أيضًا أن أهلنا فى الصعيد فقدوا الكثير من أبنائهم شهداء فى معركة مصر ضد الإرهاب، ولم يزدهم ذلك إلا إصرارًا على مساعدة الدولة والرئيس ومؤسسات الدولة فى استكمال خطة التنمية وتطهير أرض مصر من آخر إرهابى، كلما فقدت أسرة شهيدًا دفعت بابن آخر ليستكمل ما بدأه الشهيد.
أهلنا فى الصعيد كان ردهم على الكاذبين والمشوهين قويًا، مثلهم مثل كل الشعب المصرى الذى أدرك منذ البداية أننا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن نكون أو لا، فاختاروا لمصر البقاء والاستقرار.