كشف اغتيال الجنرال الإيراني البارز، سيد رضا موسوي، عن ارتفاع حدّة التصعيد بين إسرائيل وإيران، حيث يُتوقع أنّ الحرب السرّية بين الطرفين قد تكون دخلت مرحلة جديدة مع تعمّد تل ابيب استهداف قيادات عسكرية تعمل في سوريا تحت ستار دبلوماسي، كردّ على استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر بطائرات مسيّرة من قِبل إيران أو جماعات محسوبة عليها في اليمن والعراق. لكنّ اغتيال رضا موسوي قد يكون كشف أيضاً عن وجود تباين سوري – إيراني حول السياسة التي ينبغي التعاطي بها في ما يتعلق بتداعيات حرب غزة، حيث تتعرّض دمشق لضغوط عربية من أجل النأي بنفسها عن هذه التداعيات وعدم الانخراط في توسيع الصراع، بينما هناك رغبة لدى طهران في استغلال ما يجري في غزة من أجل كسب نقاط في عدد من الملفات، لا سيما ملف علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى إخراج قواتها من غرب آسيا، كما أنّها تدين لها بانتقام بسبب مقتل الجنرال قاسم سليماني في العراق.
وقد أوقع اغتيال موسوي السلطات السورية في حرج واضح، لأنّه يعمل رسمياً بصفة مستشار دبلوماسي في السفارة الإيرانية في دمشق، وهذا يلقي عليها التزاماً دولياً بتأمين حمايته. كما أنّ إيران التي قد لا تكون مقتنعة بمبررات دمشق للانكفاء إقليمياً عمّا يجري في غزة، ربما وجدت الفرصة مؤاتية بعد اغتيال موسوي من أجل دفع السلطات السورية إلى الانخراط أكثر في التصعيد ضدّ القواعد الأميركية في سوريا أو حتى في نشاطات إطلاق الصواريخ من الجولان نحو الأراضي المحتلة. ولعلّ هذا الغطاء الدبلوماسي الذي حظي به موسوي هو ما دفع كبار المسؤولين السوريين للمشاركة في تأبينه وتشييعه قبل نقل جثمانه من سوريا إلى العراق وثم إلى إيران. لكن المشاركة الرسمية الواسعة لم تواكبها تغطية إعلامية من المستوى نفسه، بل ساد الصمت في وسائل الإعلام السورية الرسمية حول الحدث وكأنّه كان يجري خارج سوريا. ونشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً وتسجيلات مصورة لوزير خارجية سوريا فيصل المقداد، ورئيس “مكتب الأمن الوطني” علي مملوك، في مراسم تأبين رضا موسوي الذي اغتالته إسرائيل قبل أيام في قصف جوي قرب دمشق، إضافة إلى عدد كبير من المسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم، على غرار الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي هلال الهلال، وأعضاء من مجلس الشعب (البرلمان)، والأمين العام للقيادة الفلسطينية لحزب البعث محمد قيس، إضافة إلى قيادات من الحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” وشخصيات عسكرية سورية. وأعرب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد خلال حضوره إلى سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سوريا عن تعازيه باستشهاد السيد رضا موسوي، وأكّد أن اغتيال الشهيد جريمة دبلوماسية تتعارض مع القوانين الدولية، وفق ما ذكرته قناة “إيراني بالعربية” في تقرير لها. وذكر أنّ هذه الجريمة لم تكن لتُرتكب لولا مشاركة الولايات المتحدة؛ وأكّد أنّ “أميركا جزء لا يتجزأ من العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الشعب السوري وما يحدث في شماله وشماله الشرقي، وكذلك المؤامرات التي تُحاك في المنطقة وخارجها”. وربما يشير هذا الحشد الرسمي السوري في تشييع موسوي إضافة إلى إقامة مراسيم تشييع له في العراق، إلى محاولة تضخيم حادثة مقتل الجنرال الإيراني بهدف الاستناد إليها من أجل تغيير قواعد اللعبة بين إسرائيل وإيران في سوريا على الأقل. وفي هذا السياق، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، عن سقوط طائرة مسيّرة ملغّمة في الجولان المحتل، قالت إنّها أُطلقت من سوريا. وأضافت: “للمرة الاولى منذ بدء الحرب (على غزة) سقطت طائرة مسيّرة ملغمة انطلقت من سوريا في جنوبي الجولان”، لافتةً إلى أنّ المسيّرة خلّفت أضراراً في أحد المباني، من دون تسجيل إصابات. من جانبها، تبنّت ما تُسمّى “المقاومة الإسلامية في العراق” الاستهداف، وذكرت في بيان أنّ القصف استهدف “هدفاً حيوياً” في الجولان إلى الجنوب من “مستوطنة إلياد” بالأسلحة المناسبة، من دون الإشارة إلى إطلاق طائرة مسيّرة. وقال سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، إنّ إيران تحتفظ بحقها “المشروع والأصيل” استنادًا إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بالردّ على مقتل موسوي في الوقت المناسب الذي تراه ضرورياً، بحسب ما نقلت وكالة “إرنا” الإيرانية. سبق ذلك خلال منشور لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عبر “إكس” قال فيه: “على تل أبيب أن تنتظر عداً تنازلياً قاسياً”. غير أنّ عدم اهتمام وسائل الإعلام الرسمية السورية بنقل مجريات التشييع التي أقيمت في مقام السيدة رقية في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، ربما يشير إلى أنّ السلطات السورية رغم استشعارها الحرج، فإنّها قد لا تكون مستعدة لتلبية الرغبة الإيرانية في اتخاذ حادثة الاغتيال منصّة لرفع مستوى التصعيد.