مقالات

دلالات الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية وزيارة ترامب للعراق

محمد بن سعيد الفطيسي

الزيارة المفاجئة والسرية للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق في ذات الشهر الذي تؤكد فيه الإدارة الأميركية سحب قواتها من الأراضي السورية له العديد من الدلالات السياسية والعسكرية والأمنية، بالرغم من أن البيت الأبيض قد أكد على أن هدف الزيارة هو تقديم الشكر إلى القوات الأميركية هناك على “خدماتهم وإنجازاتهم وتضحياتهم”، ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه كدلالات سياسية وجيوسياسية من وراء تلك الزيارة التالي:-
أولا : نجاح الضغوط والسياسات “الروسية التركية الإيرانية السورية “في توجيه بوصلة تركيز المصالح والاهتمام السياسي والعسكري الأميركي بعيدا عن سوريا بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية سحب قواتها من سوريا، بالرغم من أن هذا الانسحاب هو أقرب إلى رفع اليد المؤقت أو يمكن أن يسمى تحركا تكتيكيا وليس انسحابا كاملا من وجهة نظري، وهو ما يتأكد من خلال تصريحات ترامب إمكانية استخدام العراق كقاعدة في حال أرادت الولايات المتحدة الأميركية أن تفعل شيئا في سوريا كتوجيه ضربة عسكرية أو عملية محددة، مدافعا عن قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا بعد هزيمة تنظيم “داعش” على حسب تعبيره .
ثانيا:- يعد الانسحاب التكتيكي للقوات الأميركية من سوريا أشبه بإعادة توزيع المهام على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، خصوصا في مناطق النزاع والصراع والاضطراب، وهو ما يدل على احتمال تحول تكتيكي قادم في العقيدة العسكرية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، يضاف إلى ذلك أن هذا التقاسم للمهام والمصالح يقابله توزيع آخر للصراع مع التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، كما يعد من جهة أخرى إشارة واضحة إلى تخلي الولايات المتحدة الأميركية ضمنيا عن القضية الكردية.
ثالثا :- من ضمن ما تشير إليه مجمل تلك التحولات والأحداث السابقة قرب استعادة الدولة السورية سيادتها واستقلالها على كامل أراضيها، وهو دليل آخر على بداية انسحابات قادمة لتلك القوى من الأراضي السورية، فمن المتوقع أن تتوالى الانسحابات كالتالي” القوات الإيرانية ومن ثم القوات التركية ” وبقاء القواعد الروسية القديمة.وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في مقابلة له مع وكالة بلومبيرغ الأميركية يوم الخميس الموافق 27/12/2018م.
رابعا : تحويل ذلك التركيز والاهتمام في المستقبل إلى العراق، فالزيارة على ما يبدو تؤكد استمرار تواجد قوات الولايات المتحدة الأميركية على الأراضي العراقية إلى أمد ليس بالقصير، وهو ما أكده الرئيس الأميركي ترامب أثناء الزيارة بقوله: إنه ليس لديه أي خطط لسحب قوات بلاده من العراق. أما من جهة أخرى فهو يعني ارتفاع سقف الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية للعراق في مقابل سوريا، خصوصا أن العراق يعد من وجهة النظر الأميركية الدائرة الأكثر سخونة واضطراب بالنسبة لها سواء أكان ذلك لما يشكله من خطورة على أمنها القومي بسبب ما تسميه بالتدخل والنفوذ الإيراني الصريح وما يتبعه من تصرفات وسلوكيات وأفعال قائمة وقادمة، أو بما يمثله العراق من أهمية جيواستراتيجية لمصالحها في الشرق الأوسط.
خامسا:- عدم لقاء الرئيس الأميركي بأي من القيادات العراقية يؤكد الخلافات الواضحة بين القيادة السياسية العراقية والقيادة الأميركية حول الكثير من القضايا المشتركة وهو ما أكده مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في بيان له قائلا: (إن اجتماعا بين القيادة العراقية والرئيس الأميركي دونالد ترامب أُلغي بسبب خلافات وتباين في وجهات النظر أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع)، وهو ما يؤكد من ناحية أخرى على تحول في البناء الهيكلي للإدارة السياسية العراقية .
سادسا: إن الولايات المتحدة الأميركية تستعد لإعادة غربلة مشاريعها السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، سواء من حيث تشكيل تحالفاتها أو إعادة بناء توجهاتها المستقبلية، وإعادة تسليط الضوء على العراق دليل واضح على أن هذه الأخيرة ستكون القاعدة المركزية للعديد من التوجهات والمشاريع المستقبلية للولايات المتحدة الأميريكية في هذه البقعة من العالم، خصوصا أن الرئيس ترامب أعلن من العراق عن نيته إنشاء قاعدتين عسكريتين جديدتين.