عدنان حاج عمر
صور من أي مدينة سورية في عام 2018 تظهر مدى الضرر من الحرب الدائرة في سوريا, ولم يتم تدمير المنازل والشركات الخاصة فحسب، بل شملت البنية التحتية الحيوية كالكهرباء، وإمدادات المياه، والاتصالات، والمدارس، والمرافق الصحية. في حين أن الأثر الاقتصادي للحرب مفهوما إلى حد ما، فإن الفوائد المحتملة من التخفيف من العنف قد أغفلت.
والأهم من ذلك أن البعض يعتقد أن تحقيق السلام سيضيف المزيد من التكاليف إلى الاقتصاد العالمي من خلال ميزانيات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية و إعادة الإعمار إن كان هذا صحيح إلى حد كبير على المدى القصير، لكن هناك جزء مغفل من تلك المعادلة التي لا تنطوي فقط على الفوائد الإيجابية التي يمكن أن يحققها النشاط التجاري للسلم، ولكن أيضا الفرص المفاجئة للأنشطة التجارية المربحة في المناطق الهشة والمتأثرة بالنزاع على المدى المتوسط.
وكثيرا ما تكون الدول الهشة و التي تعاني من نزاعات هي من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. وأكثر من نصف البلدان التي يتوقع أن تحقق نموا اقتصاديا بأكثر من خمسة في المائة في عام 2018 إما غير مستقرة أو حتى أنها تعاني من حروب.
وتبين البحوث التي أجراها البنك الدولي ومعهد الاقتصاد والسلام أنه في حين أن العديد من الدول التي تمر بمرحلة ما بعد النزاع والهشة تنطوي على مستويات أعلى من المخاطر، فإن معدل العائد على رأس المال يزيد في المتوسط عن ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.
إن الاقتصاد والسلام مرتبطان ارتباطا وثيقا, ولكن الاقتصاد يمكن أن يلعب أيضا دورا في الصراع، والمنافسة على الموارد هي في صميم معظم الصراعات التي نراها اليوم.
سوريا ليست استثناء حيث تراجع مستوى المعيشة للطبقة الوسطى و ارتفع حجم الطبقة الفقيرة، و استبعاد بعض الجماعات، على إثارة الصراع الذي ينهي عامه السادس .
ومع وجود أكثر من 6 مليون سوري يعيشون كلاجئين في الدول المجاورة والبطالة في سوريا بنسبة تصل إلى 85٪، فإن الحاجة إلى توفير فرص كسب العيش لكل من السوريين اللاجئين و من هم في داخل سوريا أمر بالغ الأهمية.
الشركات والحكومات والمنظمات المحلية والدولية التي تعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية في الأماكن الهشة والمتأثرة بالنزاعات يمكنها بل و واجب عليها أن تضمن مساهمة مشاريعها في سبل العيش والسلام.
وفي الوقت الذي تجري فيه محادثات السلام الرسمية، فإنه ليس من السابق لأوانه البدء في إعادة بناء الاقتصاد و الانتظار لانتهاء الحرب ذلك الاقتصاد الذي ينبغي أن يهدف إلى تحسين سبل العيش وبناء الجسور تدريجيا بين فئات الشعب السوري المنقسمة على بعضها على كافة الأصعدة.
فعملية إحلال السلام لن تكون عملية سحرية بحيث نصحى ذات يوم و نرى قد عم السلام في سوريا فهو عملية تراكمية تحتاج إلى تراكم جهود من مختلف قطاعات المجتمع الدينية و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية.
و نسلط الضوء في هذه المقالة البحثية على العامل الاقتصادي و البدء في عملية إعادة الإعمار و بعض الخطوات التي اتخذت على الأرض السورية لبعض مشاريع إعادة الإعمار على الرغم من محدودية أثرها و لكن في حال تراكمها سوف تلعب دورا في تعزيز السلام الدائم و من تلك المشاريع المشروع الذي تتبناه و تموله الأمم المتحدة لإصلاح وتأهيل السوق القديم في مدينة حمص الذي يعود إلى القرن الثالث عشر لإحياء التجارة إضافة لأجزاء أخرى من المدينة.
و يتمّ هذا المشروع في ظل تعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمجتمع المحلي وممثلين عن قطاع الأعمال ومسؤولين في وزارة الآثار والبلديات. حيث قال المدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صاموئيل رزق: “هذا نموذج شامل وأولي لعملية إعادة إعمار قد تُطبّق على عدة مناطق.” كذلك مشروع ترحيل الأنقاض من مدينة داريا من مخلفات الحرب و الدمار بكلفة 588 الف دولار.
أيضا إعادة تشغيل 5408 منشأة صناعية تابعة للقطاع الخاص و إعادة تأهيل منطقة الشيخ نجار الصناعية من شأنه تعزيز بيئة الأعمال و أن يساهم في عملية بناء السلام التي كما أسلفت بأنها تحتاج إلى خطوات مختلفة و لكنها متكاملة.
فعملية البدء ببناء الاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب و إعادة الإعمار لن ينهي الحرب المشتعلة منذ ست سنوات حيث لا بد من حل سياسي شامل و عاجل تضطلع به معظم القوى الدولية و الإقليمية ولكن إعادة البناء الاقتصادي يمكن أن يساعد على تخفيف حدة الصراع على المستوى المحلي، و أن يساهم في عملية السلام.
ويمكن لعملية البدء بالبناء الاقتصادي أن تساهم في عدة جوانب كما يلي:
الحد من خطر تجنيد الناس من قبل الجماعات المسلحة من خلال توفير مصادر دخل بديلة وإعطاء الشباب خاصة شعور بالكرامة و بوجود هدف و أمل في الحياة, فالشاب ذو الدخل المنتظم و الجيد وخاصة إذا كان معيل لأسرة سوف يكون أقل عرضة لاستهدافه بغرض التجنيد من قبل الجماعات المسلحة فالشعور بالهدف الذي يحصل عليه من الانخراط اقتصاديا في المجتمع يعني أيضا أن هناك فرصة أقل من أن يتأثر بالحجج الأيديولوجية التي من الممكن أن تعمل عليها الجماعات المسلحة بكافة أطيافها لتجنيده.
عملية البناء الاقتصادي تساهم في بناء الجسور بين المجتمعات المقسمة من خلال الجمع بين الناس حول هدف مشترك و كذلك الحاجة، وإنشاء شبكة من الاتصالات بشكل تدريجي من خلال التجارة, فالمجتمعات المحلية المرتبطة بالتجارة أقل عرضة للحرب من أولئك الذين ليسوا كذلك.
زرع بذور لاقتصاد “دعم السلام”. وهذا يعني ضمان فهم الشركات ورجال الأعمال لأسباب الصراع، وهم يدركون كيف يمكن أن تؤدي أعمالهم إلى تفاقم التوترات أو المساعدة على حلها. حبث يجب عليهم ضمان عدم تقييد فرص العمل أو تخصيص الامتيازات بفئة اجتماعية واحدة. كما أنه من خلال تقسيم و توزيع عوائد السلام بشكل عادل على مختلف شرائح المجتمع يمكنها أن تلعب دور فعال في تعزيز السلام.
ومن الواضح أن اقتصاد ما قبل الصراع كان في داخله بذور الحرب الحالية، حيث الاستبعاد الهيكلي لبعض الفئات و الطبقات الاجتماعية، وإتاحة فرص تفضيلية للآخرين على الصعيدين الوطني والمحلي. ويجب أن يكون الانتعاش قائما على الحاجة إلى نشر الفرص والفوائد بشكل أكثر عدلا، والحد من التوترات التي يمكن أن يسببها الاستبعاد والظلم، مع الحرص في الوقت نفسه على عدم خلق حالة تصبح فيها النخب السابقة التي سيطرت على الأعمال في سوريا مستثناة في الوضع الجديد الأمر الذي سيزيد من احتمال حدوث اضطرابات مشابهة في المستقبل.
تحفيز قادة القطاع الخاص المحليين على تشكيل وإرساء اقتصاد يدعم السلام في الوقت الحالي و على المدى الطويل, حيث أن العديد من رجال الأعمال هم أيضا وجهاء في المجتمع المدني و يحظون باحترام كبير و بشبكة علاقات اجتماعية واسعة. و يمكن أن تلعب أصواتهم دور في تخفيف التوترات وتجميع الناس و تشجيعهم على الحوار، ولا سيما خلال الفترة الخطيرة بعد التوصل إلى أي اتفاق سلام، في المرحلة التي لا يزال انعدام الثقة والرغبة في الانتقام على مستويات عالية موجودة.
و في النهاية لا يمكن القول إلا أن السلام و إعادة الإعمار وجهان لعملة واحدة, و وجود إستراتيجية لإعادة الإعمار سوف يساعد على تعزيز فرص السلام الدائم, و عليه أصبحت الحاجة ملحة إلى مشروعات تتسم بمزيد من المرونة و القدرة على التخفيف من أثار الحرب و يحتمل أن تكون هي في ذاتها دافعا نحو السلام.