مقالات

الوحدة الوطنية أساسها الوحدة اللغوية.. لا وحدة وطنية بلا وحدة لغوية هل دخلت الجزائر الحرب اللغوية؟

 
الدكتور عثمان سعدي
لا يمكن لبلد أن يستقر أمره إلا إذا كان يتمتع بوحدة لغوية ولنستعرض الأوضاع اللغوية لبعض بلدان العالم:
ـــ فرنسا: تكمن قوة تماسك مجتمعها في وحدتها اللغوية، تعترف بذلك موسوعة يونيفرساليس Universalis الفرنسية تقول “إن الوحدة اللغوية لفرنسا مرتبطة بوحدتها السياسية، وبتطور المركزية
فيها” [1]، بوجد بها ست لغات جهوية لكن الدولة الفرنسية ترفض اعتمادها، الأمر الذي جعل وزير
الداخلية الأسبق شوفينمان يقول : “الاعتراف باللغات الجهوية معناه بلقنة فرنسا”، أي تدمير وحدتها
الوطنية”
ــــ الولايات الأمريكية المتحدة USA : قوتها في وحدتها اللغوية في الإنجليزية، بحيث يصرح مرشح
الحزب الجهوري للانتخابات في سنة 1996 بوب دول يخطب فيقول: “إن أمريكا في حاجة إلى
إسمنت اللغة لدعم وحدتها” [2]
ـــ الصين : كانت ممزقة بين عشرات اللغات، وكانت الإنجليزية هي التي تربط بين متعلميها، إلى أن قرر ماوتسي تونغ سنة 1949 اعتماد اللغة الخانية كلغة قومية موحدة لسائر الصينين ، وبفضل هذا القرار صار مليار صيني منذ ذلك التاريخ يتفاهمون بلغة قومية واحدة. وصارت الصين الآن القوة الاقتصادية الثانية بالعالم.
أندنوسيا: يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة هي أكبر بلد مسلم بالعالم، استعمرت من هولندا وسيطرت عليها اللغة الهولندية مدة ثلاثة قرون، وفي 1928 قررت الحركة الوطنية بقيادة الزعيم اللغوي كما وصف جايا دانجرات اعتماد بهاسا أندنوسيا، أي اللغة الأندنوسية المستمدة من المالوية لتحل محل اللغة الهولندية مع إلغاء هذه وإحلال محلها اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، تخلصا من سائر الرواسب التي تركتها في الذات واللسان الأندنوسيين. تتكون أندنوسيا من 17508 جزيرة ستة آلاف 6000 منها مأهولة تمتد على مليوني كيلو متر مربع بالمحيط؛ كانت توجد بها مئات اللغات لكن اللغة الوطنية المالوية استطاعت أن تكوّنَ من سكان هذه الجزر نسيجا اجتماعيا منسجما يتحدثون لغة واحدة، وأن تطبق تنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة، وتؤلف مع أقطار أخرى ما يسمى بنمور آسيا التي تقدّمت بلغاتها. بمجرد أن اعتمدت اللغة، قررت الحركة الوطنية تحقيق الأمن الغذائي فحققته في سنوات قليلة ومرت للتصدير. يبلغ ناتجها المحلي 834 مليار دولار، دخل الفرد بها 5100 دولار فهي الكبرى اقتصاديا بالعالم الإسلامي، وتصنف الخامسة عشرة عالميا، كانت تصدر النفط فصارت تستورده دون أن يتأثر مستوى نموها. بها صناعة متطورة ، كل ذلك يتم بلغتها الوطنية، جعل مؤرخَ أندنوسيا الأمريكي ديتوس سميث Datus C. Smith يقول ”ثلاثة عوامل تحكمت في الوطنية الأندنوسية: اللغة والدين وحب الاستقلال”
نيجيريا: أكبر دولة مسلمة بافريقيا والتي يبلغ عدد سكانها 150 مليون نسمة، فعندما استقلت سنة 1963 بدل أن تعتمد اللغة الهاوْسيَّة أكبر لغة وطنية بها، احتفظت بسيطرة الإنجليزية فهي دولة أنجلوفونية. فشلت الإنجليزية في إيجاد نسيج اجتماعي منسجم بنيجيريا، فالحروب القبلية تهزّها بصورة دائمة يسقط فيها المئات. وفشلت في انجاح خطة تنمية اقتصادية واجتماعية. فالناتج المحلي بها الآن 247 مليار دولار معظمه آت من صادرات المحروقات، دخل الفرد بها 2800 دولار. بها طبقة طفيلية متعلّمة بالإنجليزية مرتبطة ثقافيا بالغرب لا توظف أموالها المنهوبة من الثروة النفطية في البلاد بل تهربها إلى أوروبا. معظم سكانها تحت خط الفقر الفرد يعيش بأقل من دولارين.
باكستان: ممزقة بين عدة لغات، اللغة الإنجليزية هي الرسمية، البنجابي لا يستطيع التحدث مع البلوشي إلا باللغة الإنجليزية، وهذا ينطبق على الهند أيضا. والباكستان أقل نموا من أندنوسيا والسبب اللغة.
مصر: مصر بها وحدة لغوية مبنية على اللغة العربية، عندها اللغة المصرية القديمة يكتابتها الهيروغليفية الذي جمع تراثها الثقافي في 22 مجلدا العالم أحمد كمال باشا معتبرا جذور كلماتها عربية؛ عندها اللغة القبطية بقاموسها، لكن المصريين لم يرسّموا لا اللغة الهيروغليفية ولا اللغة القبطية، وإنما اعتبورا اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية الوحيدة. لكنهم أقاموا المراكز الدراسية والبحثية لجمع كنوز التراث المصري القديم، وأقاموا له المتاحف. الأقباط المسيحيون يصلون في كنائسهم بالعربية.
اليابان: توجد عشرات اللغات باليابان ، لكن اللغة الوطنية والرسمية الوحيدية هي اللغة( نيهون‌گو)
ألمانيا: بها وحدة لغوية صارمة متجاهلة لغات أخرى بها، بحيث يمنع بألمانيا بث فيلم سينمائي أجنبي بترجمة خطية، ويلزم أن يعرض بدبلجة ألمانية.
العالم الفرنسي جاك بيرك Jaques berque يقول “من الخطأ الكبير الاعتراف باللغة البربرية كلغة رسمية ثانية إلى جانب العربية من طرف بلدان المغرب العربي، ولا أعتقد بأن مطلب اللغة البربرية مشروع، لأنه سيؤدي في النهاية إلى تقسيم الولاء”.. [3 ] ، إن جاك بيرك مدير لأكبر معهد بباريس وهو [الكوليج دي فرانس] . كان يعتبر نفسه جزائريا، يتكلم العربية بطلاقة وبلا لكنة، وعندما توفي أوصى بمكتبته الضخمة إلى مدينة فرندة الجزائرية التي ولد فيها. وتصريحه هذا عن الوحدة اللغوية آتٍ من حبه للجزائر وبلدان المغرب العربي.
ثنائية الهوية بتاريخ الحركة الوطنية:
سائر الأحزاب والجمعيات الجزائرية قبل الاستقلال تقول بثنائية عناصر الهوية الوطنية: الإسلام واللغة العربية، حزب الشعب الجزائري الذي أعد للثورة الجزائرية منذ العشرينيات من القرن الماضي بني دستوره على (العروبة والإسلام)، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست سنة 1931 مبدؤها الأساسي (الإسلام ديننا والعربية لغتنا ). جبهة التحرير الوطني التي قادت ثورة الجزائر أساس دستورها العروبة والإسلام. دساتير الجزائر المستفتى عليها في سنوات 1963 و 1976 و 1989 ، تنص على عنصري الهوية اللغة العربية كلغة وطنية ورسمية، والإسلام كدين للدولة. لكن تعديل الدستور في سنة 2002 نص على اللغة الأمازيغية كلغة وطنية. وتعديل 2016 نص عليها كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. والتعديلان لم يستفت عليهما وإنما مررا في البرلمان.
منذ أن دخل الإسلام المغرب العربي وحتى القرن السادس عشر الميلادي حيث بدأت المرحلة العثمانية، تداول على حكم المغرب العربي عشر أسر أمازيغية كلها مؤسسة على اللغة العربية فقط لدولها، ولم يحدث أن قال زعيم منها بأن العربية ليست لغتي وطالب باعتماد البربرية. المسألة الأمازيغية عرفت رواجا من طرف المستعمر الفرنسي بعد سنة 1830 . ولنسق قولين لشخصيتن وطنيتين: فالسيد عبد السلام بلعيد الذي ترأس الحكومة سنة 1992 أجرت معه صحيفة الحركة البربرية حديثا، طلبت منه أن يصدر قرارا يعتبر فيه اللغة البربرية لغة وطنية ورسمية ، فأجاب قائلا: “أرفض أن يكون للجزائر لغتان وطنيتان رسميتان ، لأن ذلك معناه أن أمتين اثنتين تعيشان على أرض الجزائر ، وأنا لا أؤومن إلا بأمة واحدة” ، وعندما قيل له أنت لست عربيا، أجاب “أنا عربي لأنني قبائلي” ، علما بأنه من الأمازيغ، ومن عناصر حزب الشعب الجزائري قبل الاستقلال. والشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين يرد على دعاة النزعة البربرية فيكتب مقالا في جريدة البصائر سنة 1951 يقول فيه “كل هذه العوامل صيّرت هذا الشمال الإفريقي عربيا قارّ العروبة على الأسس الثابتة من دين عربي، ولغة عربية، وكتابة عربية، ومنازع عربية، إن عروبة هذا الوطن جرت مجاريها طبيعية مناسبة لم يشبها إكاره، وجاء الزمن بثلاثة عشر قرنا تشهد سنوها فعممت العروبة، إن الاستعمار ينكر عروبة الشمال الإفريقي بالقول ويعمل لها بالفعل فيرمي إلى تهوين العربية بالبربرية، وقتل الموجود بالمعدوم ليتم له ما يريد من استئصالهما معا”[4] (لصالح اللغة الفرنسية طبعا) . ثم يصف الشيخ الإبراهيمي البربري الأمازيغي بأنه عربي فيقول: “ينكر المستعمر على البربري أن يكون عربيا، بعد ما مرت عليه في الاستعراب ثلاثة عشر قرنا وزيادة ، وبعد أن درج أكثر من ثلاثين جيلا من أجداده على الاستعراب لا يعرفون إلا العربية يتكلمون بها ويتأدبون ويتعبدون ” [5]
الخلاصة:
أولا: لا توجد لغة أمازيغية أمٌّ وإنما توجد عشرات اللهجات الشفوية، تراثها القليل الديني مكتوب بالحرف العربي، واللغة المعتمدة رسميا هي اللهجة القبائلية بالحرف الفرنسي. وقررت رئاسة الجمهورية الجزائرية في هذا الشهر تأسيس أكاديمية تصنع من هذه اللهجات لغة جديدة، تدرس لسائر الأطفال هذه اللغة عربا وأمازيغ كما تدرس العربية، علما أن الناطقين بالعربية ثمانين في المائة ، والناطقين باللهجات الأمازيغية أقل من عشرين في المائة وفقا لإحصائيات المستعمر الفرنسي قبل الاستقلال، كما أنهم موزعون في جيوب منفصلة عن بعضها، علما بأن نصف قرن الاستقلال ومع تعميم التعليم بالعربية صار معظم أطفال النواحي الأمازيغية لا يعرفون لهجاتها ويتكلمون العربية. علما بأن بالعراق تعلم اللغة الكردية في المنطقة التي يوجد بها أكراد، ولا تعلم بباقي المناطق العراقية.
ثانيا: وبناء على رسمية الأمازيغية تتخد الإجراءات لإصدار الوزارات منشوراتها باللغتين العربية والأمازيغية، وفي هذا الشهر أصدرت وزارة الداخلية منشورا حول الحج باللغتين. كما يُطالب بأن تصدر بطاقة التعريف الوطني ، ورخصة قيادة السيارات ، وجواز السفر ، وسائر الوثائق الرسمية باللغتين.
ثالثا: يطالب زعماء التيار الأمازيغي باستبدال تسمية (المغرب العربي) بالمغرب المغاربي. وبأن تسمية الجزائر ليست الجزائر العربية، وإنما الجزائر فقط. وقد يطالبون بانسحاب الدولة الجزائرية من جامعة الدول العربية.
رابعا: في الوقت الذي تعتمد دول العالم المحترمة في سائر القارات على لغة وطنية ورسمية واحدة، تتخذ الجزائر قرارا باعتماد لغتين العربية والأمازيغية كلغتين وطنيتين ورسميتين في مستوى واحد،
معنى هذا صنع لغة ضرة للغة العربية تدخل معها في صراع لصالح هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة. هل دخلت الجزائر بالفعل في حرب لغوية. إن هذا يدخل في إطار تفتيت المفتت فالأقطار العربية لا بد من تفتيتها وفقا للمؤامرة الكبرى على الوطن العبي بالمشرق الصراع يدور بين الشيعة والسنة ، وبالمغرب العربي الخالي من التعدد المذهبي يرفع فيه التعدد العرقي المفتعل.
رابعا: اعتمدت ابتداء من 2018 السنة الأمازيغية التي تبدأ في 950 قبل الميلاد، وهي سنة مفتعلة ليس لها وجود بالتاربخ. وهذا لرسم حلقة ابتعاد الجزائر عن الوطن العربي. لكن نحن على يقين أن ذلك لن يتم فالجزائر عربية وستبقى عربية ، لقد حاول المستعمر إلغاء عروبتها لمدة قرن وثلث قرن لكنه فشل… وستفشل محاولة أخرى والزمن بيننا….