عبد السلام بنعيسي
أدلى رئيس الحكومة السيد سعد الدين العثماني بتصريح مثير وغريب لوسائل الإعلام المغربية قال فيه إنه: (( أول رئيس حكومة تيهضر بالأمازيغية.. كاين شي وحدين أمازيغ ولكنهم متيهضروش بالأمازيغية)). أدلى بهذا التصريح وهو يبتسم، وكان واضحا أنه يفتخر بذلك، وكأنه يقول لنا: أنا أول من اخترع العجلة، واكتشف الكهرباء والتلفون، والبيسيلينن، وأول من قال إن الأرض كروية الشكل، وليست مسطحة..
حقيقة لا نعلم ما هو المقصود بهذا التصريح من طرف السيد رئيس الحكومة؟ لمن يوجهه؟ وماذا يريد من ورائه؟ وما هي دواعي التصريح ودوافعه؟ ولماذا قيل في هذه اللحظة بالذات؟ ما نعرفه جميعا هو أن رئيس الحكومة في المغرب يفترض فيه أنه يؤدي وظيفة وطنية لا يميز فيها بين المغاربة، وأن لا فرق لديه بين المغربي، الأمازيغي، أو العربي، أو الصحراوي، أو المنحدر من أصول إفريقية، أو أندلسية، أو متوسطية، أو عبرية، طبقا لما هو مدرج في الدستور عن الهوية الحضارية المغربية.
رئيس الحكومة يجب عليه تحاشي تصنيف المغاربة بشكل مطلق، وفقا لأصولهم العرقية، إنه يمثلهم جميعهم دون استثناء، ومن المهام الرئيسية الملقاة على عاتقه، والتي يجب أن تشكل أولية الأولويات بالنسبة له، هي أن يسعى للحفاظ على تكتلهم، وتضامنهم بينهم، ويرعى وحدتهم الوطنية، وأن يتجنب كل ما يمكنه خدش هذه الوحدة، أو يوحي باحتمالية التشكيك فيها والتشويش عليها.
لكن حين يقول رئيس الحكومة، إنه أول رئيس للجهاز التنفيذي يتكلم بالأمازيغية، فهذا يعني صراحة أنه لا يكتفي بتقسيم المغاربة إلى عرب وأمازيغ، وإنما يشير إلى عدم وجود اندماج وتكامل بينهم، وأن طرفا من المغاربة الذين هم الأمازيغ يعيشون حالة تهميش، وحصار من طرف الدولة، وأنهم يعانون من التقليل من شأنهم، ما دام أن لا أحد من الوزراء يتكلم لغتهم الأمازيغية، وأنه هو الوحيد الذي بادر لاتخاذ هذه الخطوة الجبارة والشجاعة، التي يروم منها رفع الحيف عن الأمازيغ، وذلك بالشروع في الحديث بلغتهم.
رئيس الحكومة يقدم بخطابه هذا أوراق اعتماده كعضو في صفوف الحركة الأمازيغية، إنه يزكي بتصرفه خطاب المظلومية الأمازيغية التي تُروٍّج له الجمعيات الأمازيغية، وبذلك فإن السيد العثماني يتكلم مع الشعب المغربي، ليس كرئيس للحكومة المغربية، يُمثٍّل ويحكم كل المغاربة، وعليه مسؤولية جسيمة تقتضي منه الحرص والتحفظ أثناء إدلائه بتصريحاته، لكي لا تخضع لتأويلات مختلفة، ولكنه يخاطبنا كناشط أمازيغي، على شاكلة النشطاء: بودهان، وعصيد، وأرحموش، والدغرني، مع احترامنا لهؤلاء، ولحق كل واحد منهم في التصرف في حريته الشخصية بالطريقة التي تبدو له مناسبة، ما داموا لا يتحملون مسؤوليات عمومية..
في قوله إنه أول رئيس للحكومة المغربية يتحدث بالأمازيغية يحاول السيد العثماني أن يستعير صفة المختلف والجريء والمناضل، وفي نفس الوقت فإنه يتهم كل أعضاء الحكومات السابقة ورؤسائها، ومن بينهم زميله بنكيران، من الذين لم يتكلموا مثله بالأمازيغية، يتهمهم، بطريقة غير مباشرة، بالجبن، وبخذلان الأمازيغ والأمازيغية، وبممارسة الظلم عليهم وعليها. فهل حقا كل الوزراء الأولين السابقين، وكل أعضاء الحكومات المتعاقبة على المغرب كانوا جبناء ومتخاذلين، ولذلك تجنبوا باستمرار، الكلام بالأمازيغية؟ هل إلى هذا الحد كانت الأمازيغية طابو في المغرب، وكان الوزراء ورؤساء الحكومات لا يجرؤون على الاقتراب من هذا الطابو إلى أن جاء السيد العثماني، وتجرأ، وأشهر أمام المغاربة تميزه، وتفرده، وأعلن عن نضاليته، وتشجع، وخاطبنا بالأمازيغية؟
لكن إذا كان الوزراء يهابون أو يتحاشون الحديث بالأمازيغية، خوفا من جهة ما، لأن حديثهم بها قد لا يروقها، وقد تتخذ ضدهم تدابير وإجراءات عقابية، فمن هي هذه الجهة التي هي أقوى من الحكومة التي يرأسها السيد العثماني، والتي يمكن أن يهابها أعضاء الجهاز التنفيذي في حديثهم بالأمازيغية؟ ممن تتشكل هذه الجهة المرعبة؟ وما هي آليات اشتغالها والوسائل التي بيدها وتسيطر عبرها حتى على رئاسة الحكومة، وعلى الوزراء وتمنعهم من الكلام بالأمازيغية؟
أكيد أنها ليست المؤسسة الملكية، فالعاهل المغربي محمد السادس، نصفه أمازيغي من والدته، وهو صاحب خطاب أجدير الشهير الذي حثَّ فيه على العناية بالأمازيغية، مرة أخرى من هي يا ترى الجهة التي تحداها العثماني وخاطب المغاربة رغما عنها بالأمازيغية؟
لنكن واضحين وواقعيين، السيد سعد الدين العثماني لم يسبق له أن تحدث إلى الشعب المغربي بالأمازيغية، لقد تفوه أمامنا ببضع كلمات بالسوسية، وانصرف لقضاء أغراضه، وللحقيقة والتاريخ لم يكن الكلام بالأمازيغية في يوم من الأيام ممنوعا بالمغرب. لدينا في إعلامنا العمومي التابع لجهاز الدولة حصص مخصصة أساسا للأمازيغية، ولدينا قناة الثامنة وجل برامجها تقدم بالأمازيغية، وهي تحت إشراف الدولة وبتمويل منها، كما أننا نعلم أن أعضاء في أحزاب مغربية، وفي الحكومات، لا يتخاطبون بينهم في الدواوين الوزارية، وفي المؤتمرات، وجلساتهم العامة والخاصة إلا بالأمازيغية، والدستور المغربي ينص على أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة، ورصيد مشترك لكل المغاربة، ولذلك فإن الحديث بها من طرف السيد العثماني لا يتطلب جرأة نادرة وشجاعة خاصة، ونضالية عالية. إنها ممارسة لحرية فردية لا ينجم عنها أي تضييق أو متابعة.
الجرأة التي ينتظرها الرأي العام المغربي من السيد العثماني، لا تكمن في الحديث بالأمازيغية، كما قد يحاول إيهامنا، فهذه دغدغة لمشاعر وعواطف بعض المتشددين من أبناء نفس القبيلة، الجرأة التي يريدها المغاربة تتمثل أساسا في مواجهة لوبيات الفساد والسيطرة على الثروة والسلطة في البلاد، والعمل من أجل الحد من نفوذها في مختلف مناحي الحياة المغربية، العامة والخاصة، وأن يمارس رئيس الحكومة صلاحياته، طبقا لما هو منصوص عليه في الدستور، وتفعيل الجانب الديمقراطي فيه وتشغيله، لا الانبطاح أمام التعليمات والرضوخ الشامل والتام لها..
يا سيد العثماني، إذا كانت حكومتك ستجهز على مجانية التعليم، وتلغي صندوق المقاصة بما يؤدي لرفع أسعار البوطان والسكر والزيت، والإمعان في ضرب القدرة الشرائية المضروبة أصلا للمغاربة، وإذا كنت قد أقفلت باب التشغيل والتطبيب والسكن في وجوه المغاربة، فرجاء لا تحدثهم، لا بالأمازيغية ولا بالعربية، افعل ما يبدو لك واتركهم لمصيرهم، فذلك أفضل من أن تقول لهم قولا يوازي الضحك عليهم والاستهتار بذكائهم.
إنها لقمة المهزلة أن يفاخر رئيس حكومتنا بحديثه مع المغاربة ببضع كلمات من لغتهم الدستورية التي هي الأمازيغية، وأن يقدم لهم الأمر كأنه إنجاز عبقري لم يسبقه إليه غيره من الوزراء ورؤساء الحكومات المتعاقبة على تسيير شؤوننا. لكم الله يا أبناء وطني، إن كان من يسير شؤونكم كرئيس الحكومة على هذه الشاكلة.