مقالات

رواية “على سبيل المثال”.. للعنف وجوه لا تحصى

أحمد إبراهيم الشريف

تحكى بسنت لوردة فى صباح اليوم التالى «حلمت أن حصانا كبيرا أبيض اللون تبعنى أينما ذهبت، ارتعدت منه خوفا وطردته بعيدا، وعندما ابتعدت وتطلعت حولى لأرى إن كان لا يزال يلاحقنى رأيته قد تحول إلى رجل، صحت به بأن عليه أن يذهب إلى الحلاق ليقص عرفه، وقد فعل.

وعندما خرج من محل الحلاقة بدا وكأنه رجل، ولكن له حافر حصان ورأس حصان، وكان يسر خلفى أينما تحركت».. هذا واحد من الأحلام المنتشرة فى رواية «على سبيل المثال للكاتب سامح الجباس والصادرة حديثا عن المركز الثقافى العربى، وهى رواية حشد لها سامح الجباس نفسه ومعلوماته بشكل جيد كى تخرج فى الصورة التى يريدها.

الرواية لها أكثر من مدخل للقراءة، لكننى اخترت التوقف عند «رؤيتها» والمتعلقة بالعنف وأشكاله المختلفة الذى حاول الكاتب أن يرصده بشكل فنى، وذلك من خلال تتبع حياة كل من بسنت أسعد وريهام الحميدى، فى عالم صارت تسيطر عليه المادة بشكل كبير، هذه المادة تركت أثرا كبيرا على إنسانية الجميع، حتى أنه لم يعد هناك ما يمكن الثقة فيه أو البناء عليه.

بسنت أسعد نموذج الجمال الخارجى القادر على جذب الجميع إليه، لكنها فى الحقيقة غير ذلك، بها الكثير من أخطاء الزمن الذى نعيشه، بالطبع ليس وحدها فجميع أبطال الرواية، وردة، وآسر، ووجدى والدكتورة سيرين، وغيرها من الشخصيات يمكن من خلال تأملها اكتشاف التناقض والثنائية التى نعانى منها جميعا.

ومن جانب آخر فإن الرواية حافلة بالمعرفة الطبية والتاريخية، حيث يتتبع المؤلف فكرة التجارب الطبية غير الإنسانية التى تمت عبر العصر الحديث التى قامت بها شركات الأدوية العالمية أو أشخاص مهووسون بتحقيق مجد شخصى أو آخرون فقدوا إحساساهم الإنسانى، وذلك لمجرد اكتشاف فعالية علاج ما أو قدرة جديدة لتحمل الإنسان أو حتى من باب الجنون وقلة العقل، هذا التجارب التى أوردتها الرواية تدفعنا بقوة إلى تغيير رأينا فى أشياء كثيرة تتعلق بمفهوم الإنسانية، كما أنها تضفى تشويقا للرواية وتجعلنا نواصل القراءة كى نعرف نهاية هذه التجارب المؤذية والحكايات غير الإنسانية الفاضحة.

إذن رواية «على سبيل المثال» هى رواية عن العنف، وهى تنطلق من كونه لا حصر له، فله وجوه عديدة لا يمكن إحصاؤها، فالجميع يتعرض للعنف والجميع يرتكبه طوال الوقت، فالشخصيات بمستوياتها الاجتماعية المختلفة وبأفكارها المتنوعة هى مجرد آلة فى زمن عنيف يرى أن بقاءنا قائم على ضعف الآخر والتقليل منه.

وعلى المستوى الفنى فى الرواية فقد استخدم سامح الجباس أساليب متعددة ومستويات لغوية مختلفة، كما استخدم ما يملكه شخصيا من معلومات طبيبة وصيدلانية، كى يؤكد على فكرته ويمنح الرواية الثقل المطلوب والمميز.