مقالات

روسيا والصين والراعي البديل؟.. في المسوغ القانوني لسحب الاعتراف الفلسطيني الرسمي بالكيان الاسرائيلي

محمد النوباني
لا شك بان قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب في السادس من الشهر الجاري بالاعتراف بمدينة القدس الفلسطينية المحتلة عاصمة لاسرائيل ، ونقل السفارة الامريكية من تل ابيب اليها هو ظاهرة همجية وبربرية ، وغير مقبولة في العلاقات الدولية ، ليس لانه يعتبر تدخلا غير مشروع في الشؤون الداخلية للشعب الفلسطيني ، فحسب بل لان السماح له بالمرور في القرن الحادي والعشرين سوف يشرعن لدول اخرى قوية احتلال دول ضعيفة ، او اهداء اجزاء من اراضي تلك الدول الى دول اكثر قوة منها ، بمنطق القوة الغاشمة ايضا .
ولذلك فان توصيف قرار ترامب بانه وعد بلفور جديد هو توصيف صحيح وفيه الكثير من الوجاهة ، لان الولايات المتحدة الامريكية التي قامت على احتلال اراضي الغير ، وابادتهم ، وسرقة اراضيهم ظلما وعدوانا ، وطردهم من اراضيهم ، ووضعتهم في معازل ، وسجلها حافل بالجرائم التي ارتكبتها ضد الكثير من شعوب العالم ، وتحتل الكثير من اراضي دولة عضو في الامم المتحدة مثل المكسيك لا يمكن لها الا ان تدعم من يشبهها في ظلم الآخرين وقهرهم مثل اسرائيل التي قامت ايضا على الاغتصاب والاستيطان وسرقة وطن بالجملة يخص شعب آخر هو الشعب الفلسطيني وما شابه اخاه ما ظلم .
ولا اريد في هذه المقالة ان اتطرق الى الاسباب التي حدت بترامب الى اصدار قراره الذي يعتبر اكثر خطورة من وعد بلفور ، حيث سأتطرق الى ذلك في مقال آخر اكثر توسعا ، من هذا ولكنني اريد ان ابين الاساس او المسوغ القانوني الذي يمكن للسلطة الفلسطينية بان تستند اليه، ان ارادت التحرر من قيود اوسلو ، وسحب اعترافها باسرائيل في اطار القانون الدولي وليس من خارجه .
فعندما احتلت العصابات الصهيونية اجزاء اوسع بكثير من الاراضي المخصصة لها بموجب قرار تقسيم فلسطين الصادر في 29/11/1948 ، رقم 181 ، على حساب الاراضي المخصصة للدولة الفلسطينية ، بما في ذلك الجزء الغربي من مدينة القدس المحتلة الذي كان من المفروض ان يكون بموجب القرار المذكور تحت اشراف دولي ، بالقوة الغاشمة ، ولم تبق للفلسطينيين سوى الضفة الغربية والقدس الشرقية وشريط صغير من الارض ، اسمه قطاع غزة وهجرت اكثر من 800 الف فلسطيني “اصبحوا اليوم قرابة 8 ملايين لاجىء” من مدنهم وقراهم فقد عجزت القوة المساندة والداعمة لها عن الدفاع عن ذلك .
ولهذا السبب فقد اصدرت الامم المتحدة في 11/ 12/1948 قرارا دوليا يحمل الرقم 194 نص بصراحة وبدون مواربة على اعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي طردوا منها في الحرب ، وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم جراء عدوان العصابات الصهيونية المسلحة عليهم .
ولما رفضت اسرائيل تطبيق هذا القرار الدولي ، كما رفضت تنفيذ قرار التقسيم والجلاء عن الاراضي الاضافية التي كانت مخصصة بموجب القرار للدولة العربية الفلسطينية ، واحتفظت ايضا بالجزء الغربي من القدس الفلسطينية المحتلة ، فقد رفضت الامم المتحدة قبول الطلب الذي تقدمت به اسرائيل للحصول على العضوية فيها في كانون الاول 1948 .
وبعد مشاورات ومداولات تم قبول عضوية اسرائيل في المنظمة الدولية بعد ان تعهدت بالموافقة على شرطين اضافيين ، بالاضافة الى الشرط الاعتيادي الذي يطلب من اي دولة تتقدم بطلب للعضوية ، وهو ان تكون محبة للسلام بموجب الميثاق ، وهما الانسحاب من الاراضي المخصصة للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم ، رقم 181 ، واتخاذ الاجراءات اللازمة لاعادة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم بموجب القرار 194 .
ورغم ان اسرائيل لم تنفذ هذين الشرطين بسبب الدعم الامريكي والغربي لها ، وللاسف بسبب خطأ استراتيجي ارتكبه الاتحاد السوفييتي الذي ظن قادته ، عندما وافقوا على قرار تقسيم فلسطين لعام 1947 ، تأثرا منهم بالدعاية الصهيونية ، التي حاولت ان تروج بان الدولة التي استزرعت ، ستكون ذات طابع اشتراكي تعاوني ، عبر نموذج الكيبوتسات والموشفات ، الشبيهة باطر العمل الجماعي الشيوعي ، الكلخوزات والسفخوزات ، التي كانت موجودة في الاتحاد السوفييتي السابق ، في محيط عربي متخلف محكوم بنظم اقطاعية من بقايا القرون الوسطى ستكون امتدادا للمعسكر الاشتراكي، الى ان اكتشف السوفييت حقيقتها كدولة استعمار كولينالي مرتبطة بمعسكر الامبريالية العالمية وامتداد لها ، في العام 1956 اثناء العدوان البريطاني ، الفرنسي ، الاسرائيلي، على مصر وعدلوا موقفهم باتجاه مناصرة الحقوق العربية والفلسطينية وظلوا كذلك حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1992 .
وبدون داعي للاسهاب فان منظمة التحرير الفلسطينية ارتكبت خطأ فادحا حينما وافقت في لتفاق اوسلو على الاعتراف باسرائيل بموجب مرجعية شكلية ضبابية تمثلت بالقرار 242 ، الذي لا ينص صراحة على الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية عام 1967 ، بسبب التعارض بين النصين الفرنسي والانجليزي للقرار واشكالية أل التعريف المعروفة الموجودة فيه، متناسية قرار التقسيم الذي يعطيها بوضوح مساحة اكبر من الارض ويضمن لها حقها في اقامة الدولة المستقلة ، وعودة اللاجئين بموجب القرار 194 .
وهنا وعلى الرغم من اننا دفعنا غاليا ثمن ذلك الخطأ الاستراتيجي اكثر من 22 عاما من المفاوضات العبثية ، واعطاء شرعية للاستيطان ، وتهويد القدس ، وصولا الى وعد ترامب فان ما حصل يجب ان يشكل حافزا لمن لا يزال يؤمن بخيار المفاوضات من بين ظهرانينا لسحب الاعتراف باسرائيل والغاء اتفاق اوسلو والعودة الى التشبث بقرار التقسيم وبالقرار الخاص بعودة اللاجئين كمرجعية واضحة لا يستطيع احد ان يجادل بشرعيتها القانونية طالما انهما صدرا عن نفس المنظمة الدولية التي شرعنت قيام اسرائيل .
اما بالنسبة لما يسمى بالراعي الامريكي لما يسمى بعملية السلام ، والذي لم يكن يوما الا منحازا لاسرائيل ، بل اكثر تطرفا منها ، فان سقوطه ، يحتم البحث عن راعي جديد ، هو بلا شك في اعتقادي الراعي الروسي الذي باتت قوته المتعاظمة في المنطقة بعد الهزيمة التي لحقت بامريكا واسرائيل في سوريا والعراق وعموم المنطقة وعودة روسيا قطبا عالميا منافسا بشدة للولايات المتحدة الامريكية ، تسمح له بان يكون عنوانا للباحثين عن تسويلت سياسية لصراعات المنطقة ومعه جمهورية الصين الشعبية .
اقول ذلك رغم قناعتي الراسخة بان التسويات التاريخية والعادلة لا يمكن ان تتحقق الا بحالة مقاومة مساندة ، وحالة نهوض شعبية فلسطينية وعربية واسلامية ، ومساندة عالمية باتت ارهاصاتها واضحة بعد وعد ترامب الارعن الذي ايقظ امة كانت تغط في سبات عميق .