مقالات

سياسات العالم تدار عبر شاشات الهواتف

 
 
فوزي رمضان
 
” .. ويواصل عالم السياسة الاستخدام الأوسع لمواقع التواصل الاجتماعى واستخدام أزرعها الطولى في الانتخابات بكافة مستوياتها، وقد كشفت سباقات الترشح والجولات الانتخابية في الدول الغربية، عن توظيف مذهل لمواقع التواصل في دعم حملات المرشحين، كما استخدمت أيضا في إفساد حملات أخرى، إلى حد اختراق تكتلات الرأي العام وتوجيهها، بشكل مدروس لإسقاط منافس أو إعلاء من شأن آخر،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم أنف الجميع تتقدم وسائل التواصل الاجتماعى وتحتل مراكز متقدمة في السيطرة على عقول البشر وإدارة اتجاهات الرأى العام، حيث المراد والمستهدف، لم يخطر على بال أساتذة الإعلام، أن تتفوق تلك المواقع على كافة وسائل النشر التقليدية، وتصبح المنصات الرئيسية لانطلاق أفكار ومفاهيم قادة العالم، ( استخدامي للسوشيال ميديا هو الرئاسة على الطريقة الحديثة)، هكذا يقول الرئيس الأميركى ترامب، ويؤكد ولعه الشديد بموقع تويتر الشهير، واستخدامه للإعلان عن قراراته ومهاجمة خصومه، مما يؤرخ عن كونه المؤسس الحقيقى لمرحلة جديدة للاستخدام السياسى لمواقع التواصل الاجتماعى.
هكذا هو الحال، فرض سياسة الأمر الواقع، ولم يمر الأمر اعتباطا أنها جيوش كاملة من اللجان الالكترونية تعمل بعشرات الآلاف من الحسابات المزيفة يصعب الوصول إليها وتتقاضى مبالغ طائلة، خبر كاذب هنا وصورة مفبركة هناك، مع فيديو مزور وقصة مختلقة، ومن خلال كل ذلك توجه الأفكار وتنشر المعتقدات وتنسج خيوط السياسات الجديدة، وتحتل دول وتهدم أخرى، وتتطور ألية مواقع التواصل الاجتماعى وتصبح السلاح الجديد الفتاك في عالم السياسة.
استخدم هذا السلاح سياسيا لأول مرة، حيث دخلت مواقع التواصل الاجتماعى إلى مرحلة جديدة، بعد تحولها إلى سلاح متاح فى تغيير الأنظمة السياسة، فعبر هذا العالم الافتراضي تناقل المستخدمون صور البوعزيزي بائع الخضار الذي أحرق نفسه، احتجاجا على مصادرة الحكومة في تونس لبضاعته، لتمدد نيران الغضب من حدود سيدي بوزيد لتشعل تونس بأكملها، وتطيح بالرئيس زين العابدين بن على، وتتوهج النيران أكثر لتشعل فتيل الاحتجاجات في معظم المدن العربية، لتتساقط الدول والأنظمة الحاكمة واحدة تلو الأخرى.
لانبالغ عندما نؤكد مساهمة مواقع التواصل الاجتماعى الفاعلة في موجة التغيير السياسي الذي لحق بالمنطقة، واستطاعت في غالب الأمر من نشر مالاتجرؤ عليه وسائل النشر الاعتيادية في الزمان والمكان المراد، لتزيد من حجم حضورها كمصدر للأخبار والمعلومات بعيدا عن كافة وسائل الإعلام التقليدية، حيث أصبح 88%من مستخدمى الانترنت في الشرق الأوسط يستخدمونها بشكل يومي، وفي وقت ندرة المعلومات عرضت وسائل التواصل الاجتماعى، مشاهد كان من الصعب الحصول عليها من قبل. وتكمن الخطورة أن يتعاطى المتلقي معظم تلك المعلومات والصور على كونها مطلق الحقيقة، لكن مع ظهور الجانب السيئ لتلك المواقع ، وسيطرة الحركات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية بل وأجهزة المخابرات العالمية على معظمها، أدرك المنكفئ على أزرار الهاتف والحاسوب أنه يتعاطى السم في العسل، ويخدر بالكذب المغلف بالحقيقة، ويغسل عقله وتوجه أفكاره ومعتقداته، حيث المستهدف وبغية الهدف المراد.
ويواصل عالم السياسة الاستخدام الأوسع لمواقع التواصل الاجتماعى واستخدام أزرعها الطولى في الانتخابات بكافة مستوياتها، وقد كشفت سباقات الترشح والجولات الانتخابية في الدول الغربية، عن توظيف مذهل لمواقع التواصل في دعم حملات المرشحين، كما استخدمت أيضا في إفساد حملات أخرى، إلى حد اختراق تكتلات الرأي العام وتوجيهها، بشكل مدروس لإسقاط منافس أو إعلاء من شأن آخر، والآن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى، أهم أدوات إدارة الحملات الانتخابية وقد استخدمها الرئيس باراك أوباما في الترشح لفترتيه الانتخابيتين الأولى والثانية، مما اعتبره المراقبون أنه (أول رؤساء التواصل الاجتماعى) استخداما لتكنولوجيا المعلومات، حيث وفرت له ولمنافسيه أيضا وسيلة للتواصل المباشر والتفاعل الفوري مع الناخبين، بأقل تكلفة ممكنة وبسهولة لعرض برنامج انتخابى أو طرح رؤية ما أو التأثير على الناخبين.
لكن كان للجانب السيئ لتلك المواقع الباع الأكبر في الاستهداف، عندما تتدخل القوى الأجنبية صاحبة المصلحة، لفوز أحد المرشحين كما في قضية التدخل الروسي
( المحتمل) عام 2016 ودعم المرشح آنذاك ترامب على منافسته هيلاري كلينتون، وقد كشفت استطلاعات رصد اتجاهات الرأي العام، أن الأخبار الملفقة خلال الشهور الأخيرة من حملة الانتخابات الأميركية على مواقع التواصل الاجتماعي، نالت تفاعلا جماهيريا يفوق الأخبار الصحيحة، التي نشرتها كبريات المنصات الإعلامية الأميركية، ويلاحظ أن هذه الحملات تزداد تأثيرا في تلك المواقع، بتنامي عدم ثقة الجماهير حيال مؤسسات الدولة أو وسائل الإعلام نفسها، مما يجعلهم عرضة للتضليل والاستهداف، كون الشخص يميل دائما لتتبع الأخبار التي تتوافق مع معتقداته أكثر من تلك العاكسة للحقيقة.
نعود إلى ترامب الذي يشكل ظاهرة جديدة، وإرهاصا لعالم السياسة الجديد والذي يدار عبر شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الحواسيب الآلية، نجده يدافع في كافة المناسبات عن تمسكه واستخدامه المتكرر لتويتر، قائلا إنه لولا وسائل التواصل الاجتماعى لما وصل للبيت الأبيض، مؤكدا أنه يتلقى معاملة ظالمة من وسائل الإعلام، مما دفعه لنشر أكثر من 2500 تغريدة في عام 2017 ،غيرت من طريقة تعامل الأميركيين مع رئيسهم الجديد، لتفتح تجربة ترامب مع مواقع تواصل الاجتماعى، الباب واسعا أمام اختفاء المؤتمرات والبيانات الصحفية، لتصبح تلك المواقع، وسيلة للتواصل بين القادة والمسئولين من جانب والمواطنين من جانب آخر، وتحرز تقدما مذهلا يؤسس لعالم جديد تحكمه مواقع التواصل الاجتماعي.
 
فوزي رمضان

admin