مقالات

صناعة الوهم على وقع الانتخابات القادمة في العراق

كتب / جواد كاظم الخالصي

يمكن تعريف الوهم على أنه أحد أشكال التشوه الحسّي لدى الانسان، وهذا يعطينا الدليل على سوء تفسير الإحساس الحقيقي لدى كل فرد، أو إمكانية تعريفه على أنّه إيمان الشخص باعتقاد خاطئ وبشكل قوي، رغم عدم وجود أدلة على ذلك أصلاً، هذه الحالة تجعل الانسان يرى الاشياء فيها بغير حقيقتها حيث يخلق نوعا من الصور الذهنية التي لا يمكن ان تطابق الواقع الذي يعيشه وكأنه يفسر الماءَ بالماء أو حين ملامستك لقطعة من الثلج تشعر بالبرودة، وعليه اذا لم تعمد الى التجربة فسوف لا يراودك الايمان بذلك وربما يكون الشك امرا واقعا.

سُقتُ تلك المقدمة لارتباطها الوثيق بالواقع العراقي اليوم وما نمر به على مستوى العمل السياسي ومخاطبة الجمهور والدخول الى فئات المجتمع والتعامل معها في ظل محاولات الكتل السياسية الوصول الى الناخب العراقي بعد مرور عقد ونصف من الزمن وفي ظل تجربة سياسية للأسف لم تكن مقنعة لأغلب ابناء الشعب العراقي وهناك الكثير من السياسيين بات اليوم مصدر لصناعة الوهم في نفوس الناس وبالخصوص مع قرب الانتخابات العامة في البلاد هذا العام لأن استغفال الناس والضحك عليهم مستمران، فالنقص لدى أي إنسان أمر مقلق، والرقص على هذا النقص بالتأكيد موجع حد الثمالة لكون بقاء الفرد المستضعف يدور في مكانه دون أن يتقدم خطوة أو يحصل على أبسط حقوقه التي أقرتها القوانين والنصوص الدستورية والرابح الوحيد في كل هذه التوليفة هو السياسي الذي يجني ثمار فوزه وتربعه على كرسي النيابة تحت قبة البرلمان بصفته التشريعية او في إدارة مؤسسات الدولة بصفته التنفيذية فيمتلك من الجاه والسلطة والخدم والحشم والكومشنات والعقود التي لا حصر لها ليبقى المواطن الفقير يرزح تحت ظرف العازة والقهر والالم والتوسل بهذا المسؤول أو ذاك على فرصة تعيين أو إنهاء معاملة ، فلذلك الوهم الذي يوضع فيه هذا المواطن هو السبيل أو لعله الحل الوحيد لخلاصه مِن هذا الوضع، لكننا نلاحظ وللاسف ليس هناك أقسى من استغلال طموحات الناس بنظرة تأمّل نحو السعادة والتغيير، فيبادر البعض ببيعهم وهماً على أنه طريق الخلاص المنشود، بكل تجلياته حيث تتعدد ألوانه وتتغير مواضعه، وتتبدل أسماؤه، لكنه يبقى وهماً، يحيط بالانسان من جميع جوانبه.

الوهم عند افلاطون مثل الكهف الذي يُقرّب نظريته في المعرفة حيث يتصور أطفالا منذ نعومة اظفارهم في كهف مظلم لا يعودون فيه الى الوراء ممثلا ذلك في الآتي: (لنتصور أناسًا مقيدين منذ نعومة أظافرهم في كهف مظلم، بحيث تمنعهم تلك القيود من الالتفات إلى الوراء أو الصعود خارج الكهف. وفي الكهف هناك ما يشبه النافذةَ التي يَظهَر منها نورٌ ينبعثُ من شمس مقابلة للكهف. وبين النور ونافذة الكهف هناك طريق يمر منه أناس يحمِلون أشياءً عديدة. حينما تضرب أشعةُ النور على تلك الأشياء تنعكس ظلالُها على الجدار الداخلي للكهف. هكذا لا يرى المحبوسون داخلَ الكهف من الأشياء الموجودة خارجَ الكهف إلاَّ ظلالَها. وإذا حصلَ أنْ خرجَ أحدُهم من الكهف بعدما فكَّ قيودَه وأدركَ أنَّ الأشياء خارجَ الكهف مختلفةٌ عن الأشياء التي في داخله، ثم قرَّرَ بعد ذلك العودةَ إلى داخل الكهف لإخبار الموجودين فيه بحقيقة ما شاهده في الخارج ولتنبيههم إلى الأوهام التي يعيشونها فإنهم لن يُصدِّقوه أبدًا، بل ربما يحاولون قتْلَه) وهذه الصورة تماما مقاربة لواقعنا الذي يعيشه الناس في توهيمهم من قبل بعض الساسة في البلد حتى يطغى الامر على عقولهم فتتولد لدى بعض عامة الناس الحب والطاعة العمياء لهذا السياسي او الوجيه أو المعمم أو قائد مجموعة معينة وما أكثرها في مجتمعنا .

مع قرب الانتخابات البرلمانية العامة في العراق عادت اليوم تلك الأوهام لتعيد بناءها من جديد لأدلجة عقول الناس والضحك عليهم مرة أخرى بمشاريع مزيفة غير قابلة للتطبيق وغير فاعلة حتى لتقديم ابسط الخدمات كونها مبنية على أسس واهية وعدم دراية وقلة خبرة وعدم انتماء وطني صحيح.

في أطروحته “موت الواقع” يقول الفيلسوف الفرنسي جان بودريار “”أن الوهم الذي نعيشه – الناتج من التضليل والتزييف الإعلامي – يستمد قوته من تخريب النظرة الأساسية للواقع، حين يتم التحكم والتلاعب بعقل المتلقي، وإقناعه بالواقع المزيف والمصطنع بقوة الضخ الإعلامي وبرؤية المتحكم في الآلة المعلوماتية””

وبالفعل نحن في العراق اختلط لدينا الحابل بالنابل حتى ضاع عندنا جهد المخلصين وسط تنامي الفاسدين الذين مزقوا قوة العراق ووحدته لخضوعهم الى أجندات خارجية تريد العبث بوحدة العراق فقبلوا على أنفسهم أن يكونوا بيادق صغيرة وأقزام سياسة وأضاعوا سمعته بين دول العالم.

لكنني في النهاية أجد بصيصا من الأمل ان الأمور ستتغير في الانتخابات القادمة فهناك عمود من النور في آخر النفق يمكن الاعتماد عليه بتغيير الحال في هذه الانتخابات والوصول الى حالة سياسية منتعشة قادرة على النهوض بالعراق بعد الوعي الاجمالي لدى الفرد العراقي ليرسم خارطة سياسية مغايرة تماما لما كانت عليه في السابق خارج دائرة الوهم.