اقتصادي

صندوق النقد يحسن توقعات النمو والتضخم العالمي مع آفاق صينية قاتمة

مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا

قال صندوق النقد الدولي اليوم الثلثاء، إنّ الاقتصاد العالمي شهد نمواً مطرداً -عقب صمود مثير للدهشة طوال فترة تباطؤ معدلات التضخم في العالم خلال فترة 2202-2023؛ مخالفاً بذلك التحذيرات من حدوث ركود تضخمي وركود عالمي.

وأفاد أحدث تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي عن شهر نيسان (أبريل)، أنّ النمو في التوظيف ومستويات الدخل ظلا ثابتين، انعكاساً لتطورات داعمة للطلب -بما في ذلك الإنفاق الحكومي واستهلاك الأسر الأكبر من المتوقع- وللتوسع على جانب العرض، لا سيما في ظل دفعة غير متوقعة للمشاركة في القوى العاملة.

وهذا الصمود الاقتصادي غير المتوقع، على الرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة للبنوك المركزية الذي يهدف إلى استعادة استقرار الأسعار، يعكس أيضاً قدرة الأسر في الاقتصادات المتقدّمة الكبرى على الاستفادة من مدخراتها الكبيرة التي تراكمت أثناء جائحة كوفيد-19. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ التغيّرات التي طرأت على أسواق الرهن العقاري والإسكان -على مدار العقد السابق للجائحة الذي انخفضت فيه أسعار الفائدة- أدّت إلى تخفيف أثر ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية على المدى القصير. 

وأوضح التقرير، أنّه مع تقارب التضخم من المستويات المستهدفة، وتوجّه البنوك المركزية نحو تيسير السياسات في عدد كبير من الاقتصادات، فإنّ تشديد سياسات المالية العامة بهدف كبح الدين الحكومي المرتفع، عن طريق زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق الحكومي، من المتوقع أن يشكّل عبئاً على النمو.

وتشير التوقعات إلى أنّ النمو العالمي، الذي قُدّر بنسبة 3.2% في عام 2023، سيستمر بالوتيرة نفسها في عامي 2024 و2025. وقد رفعت التنبؤات لعام 2024 بمقدار 0.1 نقطة مئوية عمّا ورد في تقرير كانون الثاني (يناير) 2024 عن مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، و0.3 نقطة مئوية عن عدد تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

وأشار الصندوق إلى أنّ وتيرة التوسع بطيئة حسب المعايير التاريخية، وهو ما يعزى إلى عوامل قريبة المدى، مثل تكاليف الاقتراض التي لا تزال مرتفعة، وسحب الدعم المقدّم من المالية العامة، وإلى آثار أطول أمداً ناجمة عن جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا، وضعف نمو الإنتاجية، وزيادة التشرذم الجغرافي-الاقتصادي.

ومن المتوقع أن ينخفض التضخم الكلي العالمي من متوسط سنوي بلغ 6.8% في عام 2023، إلى 5.9% في 2024، و4.5% في 2025، مع عودة الاقتصادات المتقدمة إلى أهداف التضخم التي حدّدتها في وقت أقرب من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

وسجّلت أحدث تنبؤات النمو العالمي لخمس سنوات من الآن 3.1%، وهو أدنى مستوى لها منذ عقود. وقد تباطأت وتيرة التقارب من مستويات معيشة أعلى في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، وهو ما يدل إلى استمرار أوجه التفاوت الاقتصادي العالمية.

وتعكس الآفاق الضعيفة نسبياً على المدى المتوسط نمواً أقل في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما ينجم بصفة خاصة عن الاحتكاكات الهيكلية المستمرة التي تحول دون انتقال رأس المال والعمالة إلى شركات منتجة.

ويوضح التقرير أنّ الآفاق المستقبلية الأكثر قتامة للنمو في الصين وغيرها من اقتصادات الأسواق الصاعدة الكبرى، بما لها من حصة متزايدة في الاقتصاد العالمي، ستشكّل عبئاً على الآفاق المستقبلية للشركاء التجاريين.

وتتسم المخاطر المحيطة بآفاق النمو العالمي بأنّها متوازنة بوجه عام في الوقت الراهن. فعلى جانب التطورات السلبية، قد ترتفع توقعات أسعار الفائدة وتنخفض أسعار الأصول نتيجة لأي زيادات جديدة في الأسعار تنجم عن التوترات الجيوسياسية، بما فيها تلك الناتجة من الحرب في أوكرانيا والصراع في غزة وإسرائيل، إلى جانب التضخم الأساسي المستمر، حيث لا تزال أسواق العمل تعاني من نقص العمالة.

كما أنّ تباين وتيرة تباطؤ معدل التضخم بين الاقتصادات الكبرى يمكن أن يسبّب تحركات في أسعار العملات، تفرض بدورها ضغوطاً على القطاعات المالية. وقد تترتب على ارتفاع أسعار الفائدة آثارٌ خافضة للتضخم على نحو أكبر من المتوخى، حيث يُعاد تحديد أسعار الفائدة الثابتة على القروض العقارية وتواجه الأسر ارتفاعاً في حجم ديونها، وما ينجم عنه من ضغوط مالية… وفي الصين، ومن دون مواجهة شاملة لأوضاع قطاع العقارات الذي يعاني من مشكلات، قد يتعثر النمو، فيلحق الضرر بالشركاء التجاريين.

وأكّد الصندوق أنّه في ظل ارتفاع الدين الحكومي في كثير من الاقتصادات، فإنّ العودة على نحو مربك إلى زيادة الضرائب وتخفيض النفقات يمكن أن تضعف الأنشطة الاقتصادية، وتؤدي إلى تآكل الثقة، وإضعاف الدعم لعمليات الإصلاح والإنفاق الذي يهدف إلى الحد من مخاطر تغيّر المناخ. ومن الممكن أيضاً أن يتفاقم التشرذم الجغرافي-الاقتصادي، مع تزايد الحواجز أمام تدفق السلع ورؤوس الأموال والأشخاص، بما يعنيه ذلك من تباطؤ النشاط على جانب العرض.

وفي ظل احتمال تجاوز النتائج المتوقعة، فإنّ سياسة المالية العامة الأيسر من اللازم -والمفترضة في التوقعات- يمكن أن تؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي على المدى القصير، على الرغم من المخاطرة لاحقاً بإجراء تعديل أكثر تكلفة في السياسات.

ومن الممكن أن ينخفض التضخم بشكل أسرع من المتوقع في ظل تحقيق مزيد من المكاسب على صعيد المشاركة في القوى العاملة، وهو ما يتيح للبنوك المركزية إمكانية التبكير بتنفيذ خططها لتيسير السياسات… ويمكن أيضاً للذكاء الاصطناعي والإصلاحات الهيكلية الأقوى أن يسهما في تحفيز الإنتاجية.

وبينما الاقتصاد العالمي على مشارف هبوط هادئ، تتمثل أولوية البنوك المركزية على المدى القريب في ضمان هبوط التضخم بسلاسة، ولكن ليس عن طريق تيسير السياسات قبل الأوان ولا التأخّر المبالغ فيه والتسبّب في القصور عن بلوغ الهدف. وفي الوقت نفسه، بينما تتخذ البنوك المركزية موقفاً أقل تقييداً، حان الوقت للتركيز من جديد على تنفيذ عمليات ضبط أوضاع المالية العامة في الأجل المتوسط، لإعادة بناء حيز للتصرف من الميزانية والاستثمارات ذات الأولوية، وأيضاً لضمان استدامة القدرة على تحمّل الديون.

ويرى صندوق النقد أنّ الاختلافات بين البلدان تستدعي استجابات مصممة خصيصاً على مستوى السياسات. وسوف يسهم تكثيف الإصلاحات الداعمة للعرض في تيسير الحدّ من التضخم وتخفيض الديون على حدّ سواء، وتمكين الاقتصادات من زيادة النمو ليقترب من متوسط مستواه الأعلى الذي كان سائداً في فترة ما قبل جائحة كوفيد-19، وتعجيل وتيرة التقارب نحو مستويات دخل أعلى. وكذلك، هناك حاجة إلى التعاون متعدد الأطراف للحدّ من تكاليف التشرذم الجغرافي-الاقتصادي وتغيّر المناخ ومخاطرهما، وتعجيل مسيرة التحول إلى الطاقة الخضراء، وتيسير عملية إعادة هيكلة الديون.