مقالات

طائر نبيل بلا جناح.. حزب الله لماذا لم يتمدد عربيا؟

كتب/ كمال خلف

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي لم يكن أحد يسمع بذاك الحزب الذي شق طريقه بين ركام الحرب الأهلية كحزب صغير لا يضاهي الأحزاب والمنظمات التي كانت تلعب الأدوار الرئيسة في الحرب الأهلية اللبنانية منذ منتصف السبيعينات وبعضها كان يدير الصراع مع إسرائيل بذات الوقت.
حتى مستقبل ذاك الحزب الصغير لم يكن مضمونا في طاحونة الأحداث والمنعطفات الخطير التي مرت بها المنطقة العربي، كانت مجموعة يتيمة لم يقبل ايديولوجيتها في ذاك الوقت حتى أقرب حلفائها اليوم.
حزب الله، الحزب الذي لم يتنبأ أحد بأنه سيكون يوما لاعبا إقليميا مقررا في سياسيات المنطقة ومصيرها.
لا يهمني هنا الخوض في تاريخ الحزب وصيرورته التاريخية ومراحل تطوره، بيد أن الأهم هو قدرته الفائقة على إستيعاب الدروس وهضم تجارب من سبقه والتعلم منها، سواء كانت تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان أو أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية الذي كان تلميذا صغيرا عندما كانت تتسيد المشهد وتقوم بالدور الرئيس في الأحداث.
استطاع الحزب تفادي كل أخطاء وخطايا من سبقه ببراعة لافته للنظر.
كان الدرس الأول هو التمسك بالحدود والبقاء في الوديان والجبال والمحافظة على هذه الميزة بحفر الخنادق والإنفاق في صخور جبال الجنوب اللبناني وبناء التحصينات في باطن الأرض وظهرها.
كان مقتل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن قبل العام 1970 الأنكفاء إلى المدن وهذا ما عجل بالصدام مع النظام الأردني في أيلول الأسود.
وبعد الخروج إلى لبنان عادت المنظمة وفصائلها إلى ذات الأخطاء بالانكفاء إلى بيروت والمدن، وعندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 82، لم تجد مقاتلين في بطون الجبال والوديان يخرجون من انفاقهم ومغرهم ليصدوا العدوان وتقدمت سريعا الى بيروت.
حرص حزب الله على تقديم صورة المقاتل النبيل، والحزب الذي لا يغدر ويلتزم بعهوده، وهذا ما جعل من خصومه يثقون بالاتفاقات معه سواء كان اؤلئك الخصوم المحليين في السياسية أو حتى الجماعات التي قاتلته في سوريا .
فضلا عن تلك التعبيرات التي تصدر من إسرائيليين عن تصديقهم كل ما يقوله الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
وعمل الحزب على بناء علاقة ثقة بينه وبين السكان من كافة الطوائف في مناطق تواجده وسيطرته، ما أمن له حاضنة شعبية متماسكة ، أدرك الحزب أن إسرائيل على مر السنوات الماضية، استخدمت سياسية الضغط على الحاضنة الشعبية في لبنان وفلسطين، وتدفيع السكان ثمن أعمال المقاومة كي تنبذ تلك البيئات المقاومة والمقاومين، وقد نجحت في ذلك ضد المقاومة الفلسطينية في لبنان في القرن المنصرم، التفاصيل المؤسفه معروفة وموجودة في بواطن كتب التاريخ.
لذلك هب حزب الله منذ اليوم الأول لعدوان تموز 2006 إلى إحصاء كل بيت دمرته إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت وكافة مناطق وقرى الجنوب ، ليعيد بناءها في اليوم التالي لانتهاء الحرب .
ابعد حزب الله أيديولوجيته الحزبية عن المناطق تاركا للسكان الحرية في طرق عيشهم وأمور حياتهم وحرية سلوكهم .وعى الحزب أن مراكمة السلاح النوعي واتقان أحدث طرق التدريب العسكري هو الضمانة لبقائه ، وأن التراخي عن فعل ذلك هو بداية فقدان الأهمية والوزن .
كل ما ذكرناه خلق حزبا قادرا على صناعة المعادلات الإقليمية ، بالمقابل يحظى باولوية الاستهداف الإسرائيلي والأمريكي المباشر أو عبر حلفائهم المحليين والإقليميين.
بيد أن كل الإنجازات العسكرية للحزب وهي إنجازات يمكن وصفها بأنها غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث، تبدأ بتحرير جنوب لبنان وطرد إسرائيل دون قيد أو شرط أو اتفاق ولا تنتهي بهزيمة الجيش الإسرائيلي في تموز 2006.
لم تجعل الحزب يحتل مكانه في قلوب العرب ويتصدر الريادة بين التيارات والأحزاب العربية، أو يحظى ولو بربع ما حظيت به منظمة التحرير الفلسطينية أو حتى حركة حماس اليوم. أو ما حظيت به حركات تحرر أخرى في التاريخ العربي المعاصر. وبالتالي لم تصل صورة المقاتل العربي الشجاع النبيل ونموذج الحزب الفريد.
لعلنا نورد شيئا من الأسباب لعدم انطلاق جناح الحزب عبر حدود الدول العربية ومساحات شعوبها كما يستحق بنظرنا.
قد يقفز فورا إلى الذهن البعد المذهبي، وهذا صحيح، لكن هذا البعد تم صناعته و تفعيله من قبل أعداء الحزب بالاعتماد على خصومه من محليين وعرب. واستطاع هذا البعد تكبيل جناح الحزب من الطيران أبعد. وبالتالي دفع الحزب ثمن انتمائه المذهبي في زمن انحسار المد القومي وسيطرة الخطاب الطائفي المتخلف المقيت.
هذا العامل كان جبهة المواجهه مع الحزب خارجية، بالمقابل ثمة ما هو مسؤولية داخلية تقع على عاتقه، فمع كل الوعي واستعاب دروس من سبقوه، لم يعتن بشكل فاعل بالجانب الثقافي بكل أشكاله والإعلامي بشكله المعاصر.
أنتجت حالة المقاومة الفلسطينية عبر مسيرتها طبقة من المثقفين والأدباء والشعراء والرسامين والصحفيين وكثير منهم وصلوا إلى العالمية، محمود درويش و غسان كنفاني وسميح القاسم وناجي العلي وغيرهم في مجالات إبداعية شتى.
شكلت هذه النخبة أجنحة المقاومة الفلسطينية رغم تعثرها في محطات نضالها. وأعطت القضية التي يحملونها بعدا فاعلا رافدا للسلاح ، وطارت بها عبر الحدود والزمن إلى القلوب والعقول وحتى المناهج الدراسية. طغت على المثالب والأخطاء في الحركة الفدائية.
ربما تغيب هذه الحالة حول حزب الله، قد يرجعها البعض لكون الحزب في نهاية المطاف حركة إسلامية، غير أن هذه الأجنحة لا يشترط بها أن تكون جزءا من الحزب إنما شريكا في أهدافه ونضاله وشاهدا على انتصاراته.
لايمكن للسلاح مهما كان شريفا أن يطير وحده، وينشر ثقافته منفردا.
لذلك لايمكن إلا أن يكون للسلاح بعدا ثقافيا جامعا، بعدا يلحظ هموم أمة كاملة بكل طوائفها ومذاهبها وتياراتها امة اثقلتها الهزائم لدرجة أنها لم تعد تستطعم النصر أو تنتفض هتافا له، رائحة الكرامة التي يشتمها كل يوم أهل جبل عامل، وباتوا مستعدين للموت دونها، نأمل أن تعمم باجنحة صادقة ليشتمها شعبنا من المحيط إلى الخليج.