طريق الخلاص.. اختلاف المناهج ووحدة الهدف بمناسبة العمليات الإرهابية الأخيرة التي طالت الأقليات الصابئية والمسيحية في بغداد مؤخرا

1

 
صالح الطائي
من خلال دراساتي المعمقة في علم مقارنة الأديان واللاهوت، نمتْ لدي خلال السنوات القليلة الماضية فكرة إنسانية عاقلة، ترى أن الله تعالى للجميع دون استثناء، وان حبه متاح للجميع، ومحبته تسع الجميع، وأن الأديان كلها وبلا استثناء، إلا تلك المغفلة المنغلقة على أفق الفردانية الضيق، والتي ترى أن الله اختارها وفضلها على الآخرين، إنما هي آليات مبتكرة للوصول بالإنسان إلى الهدف نفسه، ولكن بوسائط وطرائق وآليات مختلفة، وانه لا يمكن الجزم النهائي والقاطع بتفضيل منهج منها على الآخر تحت أي ذريعة، لأن أمر ذلك موكول إلى الله تعالى وحده، فهو سبحانه الحاكم المطلق العادل.
ومع مرور الزمن واستمرار البحث في هذا المنهج، وجدت أن هذه الفكرة ليست من ابتكاري، وأنا لست المتفرد بها، بل هي حقيقة موجودة لدى الكثير من المعتقدات مثل: الزرادشتيين والبوذيين والسيخ والمسيحيين وحتى المسلمين، وأن هناك الكثير من أتباع هذه الديانات، اتبعوا هذا المنهج لاعتقادهم أنه من أصل ديانتهم التي يتعبدون بها، لا من ابتكاراتهم الأخلاقية أو العقلية، ولكن طغت على رؤاهم تلك الضوضاء المشتركة في أغلب الأديان؛ والتي أثارها الكهنة وأتباعهم من المؤيدين للنظريات المتطرفة العنصرية؛ مثل نظرية (شعب الله المختار) ونظرية (كلها في النار إلا واحدة)، تلك النظريات التي صادرت روح الوصال الإنساني بعد أن نصَّب البعض أنفسهم (وكلاء) عن الله تعالى، يتكلمون باسمه، ويحكمون على مصائر الناس حسب أهوائهم.
وكنت قد ذكرت وكتبت عن قناعتي هذه في كثير من كتبي ومقالاتي ومحاضراتي، وأطلقت على نظريتي هذه اسم نظرية (الدائرة/ المحيط ـ المركز) حيث شبهت الكون بدائرة تقف على محيطها جميع الأديان، والله تعالى هو المركز، وكل خط ينطلق من نقطة ما من المحيط نحو المركز سيكون مساو لجميع الخطوط الأخرى دون أي تمييز، إلا من حيث السمك وسرعة السير.
ومع غياب هذه الرؤية الإنسانية الناهضة من أدبيات وسلوكيات أغلب تلك الأديان، ولو ظاهرا، كم هو مدهش وجميل أن أجدها واضحة في أبجديات إحدى الديانات الكبيرة، وهي الديانة الهندوسية التي يبلغ عدد معتنقيها أكثر من مليار إنسان
تلك الديانة التي وجدتُ في ثراء تراثها عقيدة ترى “أن الحقيقة واحدة، وإن سماها الحكماء بأسماء مختلفة”. وفي رؤاها قناعة مفادها أن الأديان؛ جميع الأديان، ليست أكثر من بدائل وطرق متساوية نسبيا، تتجه جميعها نحو الله تعالى، وان ادعاء أي دين منها احتكار طريق الخلاص لنفسه وتكفير الأديان الأخرى، أو التشكيك بصحة منهجها، مثله مثل من يزعم أن الله تعالى موجود في قلبه وحده دون قلوب البشر الآخرين، ومن يزعم أن الله موجود داخل الغرفة التي يقيم فيها، لا في الغرفة المجاورة الأخرى التي يقيم فيها قوم آخرون!. هذا ما وجدته مرقوما في (الفيدا) (Vedas) بالنص: “الأديان المتنوعة ليست إلا لغات مختلفة كلم الله بها قلب الإنسان”. وهي حقيقة جلية فاختلاف طبائع البشر واختلاف ثقافاتهم وتاريخهم وجغرافيتهم هي التي تتحكم بأسلوب حركتهم نحو الله تعالى، وذلك يجب أن يثري التجربة الدينية، وينمي فيها الوازع الإنساني بكل ترفه واريحيته، لا أن ينحو بها إلى القطيعة القمعية مع الآخر. وبالتالي أرى أن أولئك الذين نجحوا في تقسيم البلدان واستنباط الحدود لها سيبقون في منتهى العجز عن تقسيم السماء، وستبقى الطيور والأفكار حرة في اختراق الحدود لأن السماء لا حدود فيها.
إن الحساسية المفرطة التي تتحكم بعلاقات البشر فيما بينهم اليوم، توجب على جميع العقلاء بكل الأديان والمذاهب أن يؤمنوا بهذه النظرية إيمانا صادقا، ويعملوا وفق منطوقها وما أثبتته، لا وفق المناهج الإرهابية الدموية الدخيلة التي تؤمن أن طريق الجنة يمر من على جثث الأمم والأقوام من أتباع المذاهب والأديان الأخرى. ونحن إذا لم نبادر إلى نشر ثقافة التعايش وقبول الآخر في مجتمعاتنا الإنسانية كلها، سنجد أنفسنا؛ مع امتلاكنا لكل أسلحة الدمار الشامل؛ وكم الكراهية الذي يعتمل في الصدور، نسير سريعا نحو الهاوية، نحو العودة إلى الغاب، لنعود جماعات بدائية متفرقة لا رابط بينها، ترتدي جلود الحيوانات، وتصنع آلاتها من الحجارة والعظام!.

التعليقات معطلة.