مقالات

عيون وآذان (عودة الى الشعر – 2)

جهاد الخازن
أكمل شعراً مع الشيب والشيّاب، ثم أنتقل إلى الثقلاء.
 
كنت طالباً في المدرسة الثانوية عندما سمعت بيت الشعر: إن الثمانين وبلغتها/ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان. الأستاذ قال إن «وبلغتها» جملة معترضة.
 
سأعود إلى القارئ إذا بلغت الثمانين، أما اليوم فأبقى مع بعض الشعر، وأبو الشغب قال وقد فقد ابنه: فارقت شغباً وقد قوّست من كبري/ لبئست الخلتان الثكل والكبر.
 
أما ابن الرقيات فقال:
 
بكر العواذل في الصباح/ يلمنني وألومهنه
 
ويقلن شيب قد علاك/ وقد كبرت فقلت إنه
 
ومثله: علق القلب الربابا/ بعدما شابت وشابا
 
وأبقى مع المشيب والميداني قال:
 
وهَنَتْ عزماتك عند المشيب / وما كان من حقها أن تهي
 
وأنكرت نفسك لما كبرت/ فلا هي أنت ولا أنت هيْ
 
وإن ذكرت شهوات النفوس/ فما تشتهي غير أن تشتهي
 
أترك الشيب للشيّاب، فالقارئ وأنا في شرخ الشباب، وأكمل ببعض الثقلاء، فقد كنت صغيراً عندما سمعت جارة لنا تقول عن جار: يا ساتر… هو أثقل من الهمّ على القلب.
 
الشاعر قال:
 
أيا من ضجت الدنيا/ إلى الرحمن من ثقله
 
ويا من غضب الله/ على آدم من أجله
 
ومان كان له ذنب/ سوى أنك من نسله
 
الأعشى قال في ثقلاء: فما الفيل تحمله ميتا/ بأثقل من بعض جلاسنا.
 
أما أبو تمام فله:
 
يا من تبرمت الدنيا بطلعته/ كما تبرمت الأجفان بالرمد
 
يمشي على الأرض مختالاً فتحسبه/ من ثقل طلعته يمشي على كبدي
 
لو أن في الأرض جزءاً من سماجته/ لم يقدم الموت إشفاقاً على أحد
 
إبن الرومي كان هجاء، وما مدح أحداً إلا وعاد وهجاه. هو قال:
 
أنت تيس والتيس/ أشبه شيء بخلقتك
 
أنت أولى بقرنه/ وهو أولى بلحيتك
 
وقرأت له أهاجي كثيرة في رجل عرفه اسمه أبو حفصل، منها:
 
أصبحت قرداً يا أبا حفصل/ ولست أيضاً من ملاح القرود
 
نسلك قرود غير ممسوخة/ وأنت قرد من مسوخ اليهود
 
في الأندلس دخل الشاعر الغزال على الأمير عبدالرحمن بن الحكم فقال الأمير: جاء الغزال بحسنه وجماله. ورد الغزال فوراً:
 
قال الأمير مداعباً بمقاله/ جاء الغزال بحسنه وجماله
 
أين الجمال من امرئ أربى على/ متناول السبعين من أحواله
 
أما الفرزدق فله:
 
والشيب ينهض بالشباب كأنه/ ليل يصيح بجانبيه نهار
 
إن الشباب لرابح من باعه/ والشيب ليس لبائعيه تجار
 
لو كنت شاعراً لقلت مثله.