اخبار سياسية

عام 2024… أخبار كاذبة أكثر وثقة أقل و”ديمقراطية” في خطر

تحتل العلاقة المتشابكة بين الاضطرابات الاجتماعية والمعلومات المضللة مكانة بارزة في الانتخابات المتوقع إجراؤها في اقتصادات العالم الكبرى

أمينة خيري
الأحد 10 مارس 2024 16:14

يشير تقرير المخاطر العالمية لعام 2024، إلى أن المعلومات الخطأ والمضللة هي أكبر المخاطر على المدى القصير (أ ف ب)

ملخص
الأسابيع الأولى من العام الحالي 2024 شهدت صدور جردات وتقارير عدة عن أبرز الأخبار الكاذبة والمضللة التي شغلت العالم أو دولاً بعينها على مدار السنة. محتوى ما تم نشره أدى إلى توقع خبراء الإعلام وعلماء الذكاء الاصطناعي وأكاديميون في علوم النفس والاجتماع والسياسة أن يكون عام 2024 هو “عام الأخبار الكاذبة” باقتدار. والتقديرات تشير إلى أن الغالبية المطلقة من قارئي ومشاهدي ومتابعي الأخبار، على منصات تقليدية أو جديدة، لا تستطيع التفرقة بين الحقيقة والكذب.

“أشعة تظهر صرصوراً حياً في صدر مريض كيني”، “طائرة أميركية فقدت في عام 1955 تظهر فجأة”، “الرئيس الأميركي يرتدي حفاضة”، “بذور الشيا تشفي من داء السكري”، “زيلينسكي في وصلة رقص شرقي ببدلة رقص”، “بايدن يصدر قراراً بمنع المواقد التي تعمل بالغاز”، “نصف مليون مهاجر في طريقهم لغزو إيطاليا”، “اعتقال عدد من كبار قادة فاغنر في السودان”، “بيع نساء مسلمات في إثيوبيا”…
قوائم “الأخبار” متخمة بمثل تلك العناوين، ومحتوى الـ”سوشيال ميديا” عامر بها. والحراك الشعبي المتمثل في القراءة والمشاهدة والـ”لايك” (Like)، والشير (Share)، والتناقل الشفهي يدفع بعالم مواز افتراضي من الكذب إلى صدارة الوعي العالمي.

وعي سكان الأرض

أصبح وعي سكان الأرض في سنوات تغلغل “الأخبار الكاذبة” لتختلط اختلاطاً خبيثاً بالأخبار الحقيقية، أشبه بقنبلة معرفية موقوتة تنفجر بين الحين والآخر. وعلى رغم أنه حتى في أوقات “كمون” القنبلة استعداداً لانفجار مقبل متمثل في انتخابات رئاسية مقبلة أو اندلاع حرب أو حتى ترويج أكذوبة عن فنان، يجري تغذيتها بأطنان من الكذب المحبك والتضليل المتقن، وهو ما أدى إلى ترسيخ الأخبار الكاذبة نفسها كمنظومة معترف بها وواقع لا مهرب منه.
الأسابيع الأولى من العام الحالي 2024 شهدت صدور جردات وتقارير عدة عن أبرز الأخبار الكاذبة والمضللة التي شغلت العالم أو دولاً بعينها على مدار السنة. محتوى ما تم نشره أدى إلى توقع خبراء الإعلام وعلماء الذكاء الاصطناعي وأكاديميون في علوم النفس والاجتماع والسياسة أن يكون عام 2024 هو “عام الأخبار الكاذبة” باقتدار. والتقديرات تشير إلى أن الغالبية المطلقة من قارئي ومشاهدي ومتابعي الأخبار، على منصات تقليدية أو جديدة، لا تستطيع التفرقة بين الحقيقة والكذب.

قدرات محدودة

بحسب دراسة أجراها فريق من قسم الإعلام في جامعة يوتا الأميركية (2021)، فإن ثلاثة بين كل أربعة أميركيين يعتقدون أنهم قادرون على التفرقة بين الأخبار الحقيقية والمزيفة أو الكاذبة، لكنه اعتقاد مبالغ فيه، أو بمعنى آخر، إفراط في ثقة الأشخاص في قدرتهم على التفرقة بين المحتوى الحقيقي والمفبرك، فقد اتضح أن الغالبية غير قادرة على ذلك. وأغلب الظن أن قدرات متلقي ومتابع الأخبار الأميركي لا تختلف كثيراً عن قدرات غيره من سكان الأرض، وهو ما يعين أن العالم مقبل على نمط جديد من المخاطر.
تقرير المخاطر العالمية لعام 2024، يشير إلى أن المعلومات الخطأ والمضللة هي أكبر المخاطر على المدى القصير. وعلى رغم أن التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير (كانون الثاني) الماضي، أشار إلى أن الظواهر المناخية القاسية والتغيرات الكبيرة في الأنظمة المناخية الأرضية باعتبارها المخاطر الأكبر والأكثر فداحة التي ستواجه العالم على المدى الطويل، إضافة إلى أجواء الاستقطاب وغياب الأمن والأزمات الاقتصادية، فإن المعلومات والأخبار المضللة ترأست قائمة المخاطر على المدى القصير.
المدير العام في المنتدى، سعدية زاهدي علقت على ذلك بالقول إن “وجود نظام عالمي غير مستقر يتسم بالاستقطاب وغياب الأمن، إضافة إلى الآثار المتفاقمة للظواهر المناخية القاسية، وحالة عدم اليقين الاقتصادي، عوامل تؤدي إلى تسريع وتيرة انتشار المخاطر، بما في ذلك المعلومات الخطأ والمضللة”. حتى مخاوف سكان الأرض من استمرار أزمات كلفة المعيشة، والاستقطاب الاجتماعي، تداخلت معها الأخطار الناجمة عن المعلومات الخطأ والمضللة، لا سيما تلك المعززة بالذكاء الاصطناعي.
لذلك توقع التقرير أن تحتل العلاقة المتشابكة بين الاضطرابات الاجتماعية والمعلومات الكاذبة والمضللة مكانة بارزة في الانتخابات المتوقع إجراؤها في اقتصادات العالم الكبرى على مدار العامين الحالي والمقبل.

إدارة شؤون الأرض

الانتخابات المتوقعة على مدار الأشهر المقبلة ستشهد توجه نحو نصف سكان الأرض إلى صناديق الانتخابات أو تصويتهم عبر تطبيقات عنكبوتية، وهو ما يصفه البعض بـ”أكبر ممارسة ديمقراطية يشهدها العالم في التاريخ الحديث”. هذه “الممارسة الديمقراطية” ستؤثر بشكل أو بآخر على طريقة إدارة الكوكب للأعوام المقبلة. لماذا؟ لأن جانباً من الدول التي ستجري فيها الانتخابات هي دول العالم الكبرى المتحكمة في إدارة شؤون الأرض.

الكذب وتوجهات الناخبين

يخشى مراقبون من أثر انتشار الأخبار الكاذبة وتغلغلها، لا سيما على أثير المنصات العنكبوتية، وقت الانتخابات للتأثير على توجهات الناخبين. وما جرى في انتخابات واستفتاءات رأي سابقة في عدد من الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا من توجيه للرأي العام عبر بث أخبار كاذبة أو مضللة، جعل كثيرين يتوجسون مما يمكن للأخبار الكاذبة أن تفعله بالانتخابات المقبلة. ويضاعف من حجم القلق ما شهده الذكاء الاصطناعي من تطورات كبيرة جعلت الأخبار والمعلومات الكاذبة جزءاً متناغماً من نسيج مشهد الأخبار العام، وأداة طيعة في أيدي كثيرين.
نحو 60 دولة ستشهد انتخابات في الأشهر القليلة المقبلة، منها 27 انتخابات برلمانية أوروبية، إضافة إلى انتخابات في الهند وتايوان والمكسيك وروسيا وأوكرانيا وجنوب أفريقيا والجزائر وتونس وبالطبع الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وباء التضليل

وعلى رغم أن وباء التضليل والكذب في نشر الأخبار والمعلومات يعود إلى ما يزيد على عقد مضى، وضرب بشكل مكثف الدول التي شهدت هبوباً لما يسمى “رياح الربيع العربي”، فإن الاهتمام والتحذير والمطالبة بفرض القيود وتطبيق عقوبات على نشر الأكاذيب لم تنشط إلا حين استشعر البعض خطر الأخبار الكاذبة على دول بعينها.
هذا الخطر يستهدف الديمقراطية! هذا هو الهم الشاغل حالياً. والعنوان الأكثر تداولاً هو “المعلومات المضللة تشكل تهديداً غير مسبوق للديمقراطية في الدول الغربية، لا سيما للولايات المتحدة في ظل أجواء الاستقطاب الشديد”.
“القيمة المضافة” و”الميزة” المستجدة في الانتخابات المقبلة ستكون القدر الهائل من التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي باتت قادرة على إخفاء الجانب الأكبر من سقطات وهفوات “الكذب” و”التضليل” على الأثير.

نية الكذب والتضليل

أثير الـ”سوشيال ميديا” ظل يمتلئ على مدار الأعوام القليلة الماضية بقدر متزايد من الأخبار المفبركة والكاذبة. هذه المنصات ساعدت بشكل كبير في نشر الكذب والتضليل المتعمدين.
وبحسب ما جاء في مقال عنوانه “كيف يمكن لروبوتات الذكاء الاصطناعي تخريب انتخابات 2024 حول العالم؟”، في دورية “ساينتفيك أميركان” (فبراير 2024)، فقد سهل استخدام الروبوتات وحسابات الـ”سوشيال ميديا” المخلقة بالذكاء الاصطناعي نشر الإشاعات والمعلومات الخطأ عمداً، فإن الروبوتات التي استهدفت الانتخابات السابقة غالباً احتوت على جمل مكتوبة بشكل غير دقيق وغير صحيحة نحوياً. لكم موسم الانتخابات المقبل سيجري في ظل تطبيقات وخوارزميات والتقنيات التي تنشئ النصوص أصبحت أكثر ذكاء وفي متناول أعداد أكبر من الناس. ويخشى الخبراء من أن يصبح المحتوى المفبرك في صفحات التواصل الاجتماعي أكثر إقناعاً، من دون افتضاح أمره، قريباً.
ويتوقع أن تسهم الحملات القائمة على المعلومات المضللة، والـ”ترولز”، وغيرها من تقنيات التضليل في إشعال الأكاذيب المتصلة بالانتخابات المقبلة، بهدف توجيه الرأي العام، كما يتوقع ضخ محتوى “مسموم” بالأكاذيب على أثير الـ”سوشيال ميديا” يومياً على مدار عام 2024، وهو ما من شأنه أن يؤثر على نتائج الانتخابات في عشرات الدول خلال العام الحالي.

محتوى مضلل مقنع

ويشير المقال إلى أن الـ”سوشيال ميديا” جعلت نشر المعلومات والأخبار المضللة عملية سهلة وغير مكلفة. وسواء كان المستخدم عدواً خارجياً، أو عضواً في جماعة محلية لها أهداف أو مصالح، يمكنه استخدام التقنيات الحديثة لتخليق محتوى عنكبوتي مضلل، لكنه مقنع لمن يقرأ أو يشاهد.
وعلى رغم أن تصاعد الأصوات المحذرة من الآثار الضارة للأخبار الكاذبة على سير الانتخابات، لا سيما في الدول الديمقراطية، فإن حقيقة الأمر هي أن الأخبار الكاذبة خطر على كل الدول، الديمقراطية وغير الديمقراطية، في أوقات الانتخابات أو غيرها من الأوقات.