عبدالمنعم ابراهيم

1

هل ينجح الكاظمي في معالجة الفساد السياسي والاقتصادي في العراق؟

رغم‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مؤقتة،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬حكومة‭ ‬عراقية‭ ‬جديدة‭ ‬ستأتي‭ ‬بعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬المقبل،‭ ‬فإن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الكاظمي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يرسخ‭ ‬قواعد‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬جديدة‭ ‬للحكومة‭ ‬القادمة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يتكهن‭ ‬بمدى‭ ‬سيرها‭ ‬على‭ ‬خُطى‭ ‬الكاظمي‭.‬

يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عقدًا‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬توتال‭ ‬اينرجيز‮»‬‭ ‬الفرنسية‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط‭ ‬وفي‭ ‬استغلال‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬تبلغ‭ ‬قيمته‭ ‬27‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وذلك‭ ‬بقصد‭ ‬توفير‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬للعراق،‭ ‬إذ‭ ‬ينتج‭ ‬العراق‭ ‬حاليًا‭ ‬16‭ ‬ألف‭ ‬ميغاواط‭ ‬من‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وهذا‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬حاجته‭ ‬المقدرة‭ ‬بـ24‭ ‬ألفا‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف،‭ ‬وتشهد‭ ‬البلاد‭ ‬انقطاعات‭ ‬متكررة‭ ‬للكهرباء،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬الذي‭ ‬تصل‭ ‬فيه‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬درجة‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬العقد‭ ‬مع‭ ‬الشركة‭ ‬الفرنسية‭ ‬قُتل‭ ‬13‭ ‬عنصرًا‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬الاتحادية‭ ‬العراقية،‭ ‬وأُصيب‭ ‬3‭ ‬آخرون‭ ‬بجروح،‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬حاجز‭ ‬أمني‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬جنوب‭ ‬كركوك‭ ‬نفذه‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ (‬داعش‭) ‬الإرهابية‭.. ‬لكن‭ ‬ليس‭ (‬داعش‭) ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬أمنيا‭ ‬للعراق،‭ ‬فهناك‭ ‬المليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬المسلحة‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران،‭ ‬والتي‭ ‬نُسب‭ ‬إليها‭ ‬أيضًا‭ ‬قيامها‭ ‬بأعمال‭ ‬تخريب‭ ‬وتفجيرات‭ ‬لمنصات‭ ‬نقل‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬وشبكاتها‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لكي‭ ‬يمنعوا‭ ‬حكومة‭ ‬الكاظمي‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬اتفاقيات‭ ‬لاستيراد‭ ‬الغاز‭ ‬المشغل‭ ‬للطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬والكويت‭! ‬وبقاء‭ ‬تربح‭ ‬الفاسدين‭ ‬من‭ ‬عملاء‭ ‬إيران‭ ‬أموالاً‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬استيراد‭ ‬الحكومة‭ ‬للغاز‭ ‬الإيراني‭!‬

وحين‭ ‬تم‭ ‬صرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬استيراد‭ ‬الغاز‭ ‬والكهرباء‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬والكويت،‭ ‬حاولت‭ ‬حكومة‭ ‬الكاظمي‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬باستيراد‭ ‬الغاز‭ ‬والكهرباء‭ ‬من‭ ‬الأردن‭ ‬ومصر‭.. ‬وأيضًا‭ ‬رفضت‭ ‬الجماعات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬ذلك‭! ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تحاول‭ (‬حكومة‭ ‬الكاظمي‭) ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬فرنسا‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭.. ‬فهل‭ ‬تسلم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬تقدر‭ ‬بـ27‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تطولها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تفجيرات‭ ‬وتخريب‭ ‬منشآتها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬الطائفية‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران؟

هناك‭ ‬فساد‭ ‬سياسي‭ ‬واقتصادي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬حين‭ ‬قامت‭ ‬أمريكا‭ ‬بغزو‭ ‬واحتلال‭ ‬العراق،‭ ‬وسلمته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬للنفوذ‭ ‬الإيراني‭.. ‬وهذا‭ ‬الفساد‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬تقاسمته‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمليشيات‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬وإنما‭ ‬ضلوع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفاسدين‭ ‬في‭ ‬تزوير‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية،‭ ‬ومؤخرًا‭ ‬أفاد‭ ‬مصدر‭ ‬مقرب‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬التحقيقية‭ ‬المختصة‭ ‬بمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬لمراسل‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬الخليج‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬أجرت‭ ‬تحقيقًا‭ ‬معمقًا‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬للمفوضية‭ ‬المستقلة‭ ‬للانتخابات‭ ‬مقداد‭ ‬الشريفي‭ ‬الذي‭ ‬اعتقل‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬بغداد‭ ‬قبل‭ ‬4‭ ‬أيام،‭ ‬وكشف‭ ‬عن‭ ‬عمليات‭ ‬تزوير‭ ‬واسعة‭ ‬لحساب‭ ‬أحزاب‭ ‬وقوى‭ ‬سياسية‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2018،‭ ‬وقيام‭ ‬جهات‭ ‬أخرى‭ ‬بحرق‭ ‬مراكز‭ ‬انتخابية‭ ‬بالكامل‭ ‬وإتلاف‭ ‬البطاقات‭ ‬الانتخابية‭ ‬فيها‭. ‬وتخشى‭ ‬حكومة‭ ‬الكاظمي‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬اعترافات‭ ‬الشريفي‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬الاعترافات‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تجعل‭ ‬ما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬انتخابات‭ ‬2018‭ ‬باطلاً،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬مزورة‭ ‬وباطلة،‭ ‬وما‭ ‬بُني‭ ‬على‭ ‬باطل‭ ‬فهو‭ ‬باطل،‭ ‬وبحسب‭ ‬مراقبين‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ (‬العبادي‭) ‬السابقة،‭ ‬فإن‭ ‬اللجنة‭ ‬قدمت‭ ‬إليه‭ ‬معلومات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬التزوير‭ ‬ونسبة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬17‭ ‬بالمائة‭! ‬إلا‭ ‬أن‭ (‬العبادي‭) ‬خشي‭ ‬أن‭ ‬تتسبب‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭! ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ضغوط‭ ‬كبيرة‭ ‬مورست‭ ‬ضده‭ ‬لمنعه‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬طي‭ ‬الكتمان‭!‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬ألا‭ ‬تتعرض‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬المقبل‭ ‬لنفس‭ ‬مصير‭ ‬الانتخابات‭ ‬السابقة؟‭.. ‬وخصوصًا‭ ‬ان‭ ‬المليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬تملك‭ ‬السلاح‭ ‬المنفلت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬العراق‭.. ‬وتستطيع‭ ‬بواسطة‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدًا‭ ‬وابتزازًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬ورعبًا‭ ‬للناخبين‭ ‬إذ‭ ‬سيجبرونهم‭ ‬على‭ ‬التصويت‭ ‬لصالح‭ ‬قوائم‭ ‬المليشيات‭ ‬الإيرانية‭.. ‬وكلنا‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ (‬صندوق‭ ‬اقتراع‭) ‬يكون‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬السلاح‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نزيهًا‭ ‬البتة‭.‬

إقرأ أيضا لـ”عبدالمنعم ابراهيم”

التعليقات معطلة.