أيهما أفضل لحكم الشعوب.. النظام الملكي أم الجمهوري؟
وفاةُ الملكةِ إليزابيث الثانية في بريطانيا والحديثُ الإعلاميُّ اليومي عن تعاطفِ المواطنين البريطانيين مع ملكتِهم الراحلة، ومواكبة القنوات الفضائية لخط سير نعش الملكة في مختلف مدن المملكة حتى استقراره في قصر بكينجهام بلندن تمهيدًا لجنازة وطنية تاريخية.. كلُّ هذه الأجواءِ الملكية أثارت تساؤلاتٍ قديمة.. جديدة حول أيهما أفضل لحكم الشعوب.. النظام الملكي الوراثي أم النظام الجمهوري الانتخابي؟ وإن كانت كثيرٌ من الدول الملكيةِ الدستورية في أوروبا قد جمعت بين الاثنين.. الوراثي الملكي للأسرة الحاكمة والانتخابي البرلماني للحكومة، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد الخاطئ بأن أوروبا كلها ذات «نظام جمهوري» إلا أن الحقيقةَ أن هناك دولاً أوروبية كثيرة لا تزال ذات نظام ملكي وراثي، وتحظى الأسرةُ الملكية والأمراء والأميرات بشعبيةٍ واسعةٍ في بلادهم.
ويمكن القول إن أوروبا التي شهدت حربين عالميتين في القرن العشرين شهدت دولُها صراعاتٍ داخلية عنيفة ودموية قادت في بعضها إلى تحول النظام السياسي من ملكي إلى جمهوري، وأكثرها وضوحا وشهرة في التاريخ الحديث هي (الثورة الفرنسية) التي أطاحت بالنظامِ الملكي، وأقامت نظاما (جمهوريًّا)، وكانت هناك محاولةٌ فاشلة كتأسيس نظام جمهوري في بريطانيا أيضاً، حين أقام العسكري البريطاني (أوليفر كرومويل) جمهورية حكمت من 1649 حتى 1660، ثم انهارت وعادت بريطانيا إلى النظم الملكي من جديد.
وقد شهدت أوروبا صراعًا أيديولوجيًّا وسياسيًّا بين أنظمة جمهورية وأخرى ملكية، وتخللتها حروبٌ بين النظامين في أوروبا، وتحديداً بين النموذج البريطاني الملكي والنموذج الفرنسي الجمهوري، ومن مفارقات التاريخ أن هذا الصراعَ انتقل إلى المستعمرات التي كانت تحت هيمنة بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، وحين قررت هذه الدولُ الأوروبية (بمشيئتها أو مضطرة) الانسحابَ من تلك المستعمرات الخارجية، أسست أنظمةً مشابهةً لها قبل رحيلها العسكري عنها – وليس من باب المصادفة أن تكون الدولُ العربية الواقعة تحت الحكم الفرنسي تأسست فيها أنظمة (جمهورية) والدول التي كانت تحت الحكم البريطاني تأسست فيها أنظمة (ملكية).. ولكن شعبوية الثورة الفرنسية جعلت بعضَ الدول العربية يتحرك فيها (الجيشُ) للانقلاب على أنظمة ملكية ويؤسس أنظمةً جمهورية بديلاً عنها، حتى في الدول العربية التي كانت تحت الهيمنة والنفوذ البريطاني الملكي.
الآن.. نعود إلى السؤال السابق: أيهما أفضل لحكم الشعوب – النظام الملكي أم النظام الجمهوري؟.. لا يمكن الجزمُ بأحدهما على الآخر.. لكن عبر قراءة للتاريخ السياسي في التجارب العربية يمكن ملاحظة أن الشعوب العربية التي تحكمها أنظمة ملكية أو إماراتية صارت في وضع أفضل من الناحية المعيشية والاقتصادية وأكثر استقراراً في النظام السياسي من تلك الشعوب العربية التي عاشت تحت أنظمة حكم جمهورية.. ليس لأن النظامَ الجمهوري سيئ وأن النظامَ الملكي جيد.. كلا، بل لأن الأنظمةَ الجمهورية في الوطن العربي كانت معرضةً باستمرار لتدخلاتٍ أجنبية مدفوعة بإرث الاستعمار القديم، وكانت تشهد انقلاباتٍ عسكرية مستمرة لا تسهم في الاستقرار، حتى تداول الناس طرفةً في الستينيات من القرن العشرين تقول: (الضابط العسكري الذي يصحو مبكراً في العراق وسوريا ويستولي على الإذاعة هو من يحكم في بغداد ودمشق)!
لكن في المقابل هناك أنظمةٌ سياسية عربية أخذت بالنموذج (الجمهوري) مثل (مصر) والتي فطنت فيها القيادةُ السياسية مبكراً لخطورة الانقلابات العسكرية والثورات المفتعلة من الدول الأجنبية، وقامت بتحصين جبهتها الداخلية والحفاظ على أمنها الوطني والقومي ضد كل المؤامرات التي كانت تحاك ضدها في الخارج والداخل، وهي مؤامراتٌ ظلت مستمرة سنوات طويلة وتستهدف النظامين في الوطن العربي (الملكي والجمهوري)، وليس من باب المصادفة أيضاً أن تتعرض (مصر الجمهورية) و(البحرين الملكية) معاً وفي نفس التوقيت إلى مؤامرة أمريكية في عهد الرئيس (أوباما) عام 2011 لإسقاط أنظمة الحكم الدستورية في القاهرة والمنامة.. ولاحظنا أن القوى الأجنبية لا تفرق بين نظام جمهوري أو ملكي حين تتآمر على الشعوب العربية.
باختصار.. الدول العربية التي تنحاز إلى جانب مصلحة شعوبها ورفاهيتهم وتوفر لهم لقمة العيش الكريمة وفرص العمل والخدمات الصحية والطبية والإسكانية والتعليمية والغذائية وغيرها من الخدمات الضرورية في الحياة هي دول ستكون ناجحة ومستقبلها مشرفا، سواء كانت ذات أنظمة جمهورية أم ملكية.. أما الدول العربية التي تترك بابها مفتوحاً على مصراعيه للنفوذ الأجنبي وتدخلاته في شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإنها دول ستكون بلا شك ذات أنظمة فاشلة.. فقط تأملوا حال العراق وسوريا ولبنان واليمن والمصير المعيشي المؤلم الذي تعيشه شعوب هذه الدول.. وكانت القوى الأجنبية والإقليمية تريد نفس هذا المصير الكارثي لمصر والبحرين عام 2011 لولا حكمة القيادة السياسية للبلدين في إفشال المؤامرات الخبيثة بحق نظامين (جمهوري وملكي) في الوطن العربي.
ليس هناك فرق كبير بين الأنظمة الجمهورية والأنظمة الملكية إذا ظلت الشعوب واعية وفطنة ويقظة لإفشال المؤامرات الخارجية ضد الأمن الوطني والقومي، وقيادة سياسية تضع مصلحة شعوبها في المقام الأول وتدافع عن الأوطان بقوة وحزم في المحن والكوارث السياسية والاقتصادية.. هذا هو معيار الفرق بين الأنظمة السياسية في العالم كله.