مقالات

عبدالمنعم ابراهيم

أيهما أفضل لحكم الشعوب.. النظام الملكي أم الجمهوري؟

وفاةُ‭ ‬الملكةِ‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬والحديثُ‭ ‬الإعلاميُّ‭ ‬اليومي‭ ‬عن‭ ‬تعاطفِ‭ ‬المواطنين‭ ‬البريطانيين‭ ‬مع‭ ‬ملكتِهم‭ ‬الراحلة،‭ ‬ومواكبة‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬لخط‭ ‬سير‭ ‬نعش‭ ‬الملكة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مدن‭ ‬المملكة‭ ‬حتى‭ ‬استقراره‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬بكينجهام‭ ‬بلندن‭ ‬تمهيدًا‭ ‬لجنازة‭ ‬وطنية‭ ‬تاريخية‭.. ‬كلُّ‭ ‬هذه‭ ‬الأجواءِ‭ ‬الملكية‭ ‬أثارت‭ ‬تساؤلاتٍ‭ ‬قديمة‭.. ‬جديدة‭ ‬حول‭ ‬أيهما‭ ‬أفضل‭ ‬لحكم‭ ‬الشعوب‭.. ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬الوراثي‭ ‬أم‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري‭ ‬الانتخابي؟‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الملكيةِ‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬قد‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭.. ‬الوراثي‭ ‬الملكي‭ ‬للأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬والانتخابي‭ ‬البرلماني‭ ‬للحكومة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد‭ ‬الخاطئ‭ ‬بأن‭ ‬أوروبا‭ ‬كلها‭ ‬ذات‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬جمهوري‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحقيقةَ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬دولاً‭ ‬أوروبية‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ذات‭ ‬نظام‭ ‬ملكي‭ ‬وراثي،‭ ‬وتحظى‭ ‬الأسرةُ‭ ‬الملكية‭ ‬والأمراء‭ ‬والأميرات‭ ‬بشعبيةٍ‭ ‬واسعةٍ‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭.‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬حربين‭ ‬عالميتين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬شهدت‭ ‬دولُها‭ ‬صراعاتٍ‭ ‬داخلية‭ ‬عنيفة‭ ‬ودموية‭ ‬قادت‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬ملكي‭ ‬إلى‭ ‬جمهوري،‭ ‬وأكثرها‭ ‬وضوحا‭ ‬وشهرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬هي‭ (‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭) ‬التي‭ ‬أطاحت‭ ‬بالنظامِ‭ ‬الملكي،‭ ‬وأقامت‭ ‬نظاما‭ (‬جمهوريًّا‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬محاولةٌ‭ ‬فاشلة‭ ‬كتأسيس‭ ‬نظام‭ ‬جمهوري‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬أيضاً،‭ ‬حين‭ ‬أقام‭ ‬العسكري‭ ‬البريطاني‭ (‬أوليفر‭ ‬كرومويل‭) ‬جمهورية‭ ‬حكمت‭ ‬من‭ ‬1649‭ ‬حتى‭ ‬1660،‭ ‬ثم‭ ‬انهارت‭ ‬وعادت‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬النظم‭ ‬الملكي‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬أوروبا‭ ‬صراعًا‭ ‬أيديولوجيًّا‭ ‬وسياسيًّا‭ ‬بين‭ ‬أنظمة‭ ‬جمهورية‭ ‬وأخرى‭ ‬ملكية،‭ ‬وتخللتها‭ ‬حروبٌ‭ ‬بين‭ ‬النظامين‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وتحديداً‭ ‬بين‭ ‬النموذج‭ ‬البريطاني‭ ‬الملكي‭ ‬والنموذج‭ ‬الفرنسي‭ ‬الجمهوري،‭ ‬ومن‭ ‬مفارقات‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصراعَ‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬المستعمرات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬ودول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى،‭ ‬وحين‭ ‬قررت‭ ‬هذه‭ ‬الدولُ‭ ‬الأوروبية‭ (‬بمشيئتها‭ ‬أو‭ ‬مضطرة‭) ‬الانسحابَ‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المستعمرات‭ ‬الخارجية،‭ ‬أسست‭ ‬أنظمةً‭ ‬مشابهةً‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬رحيلها‭ ‬العسكري‭ ‬عنها‭ ‬‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المصادفة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدولُ‭ ‬العربية‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬الحكم‭ ‬الفرنسي‭ ‬تأسست‭ ‬فيها‭ ‬أنظمة‭ (‬جمهورية‭) ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬الحكم‭ ‬البريطاني‭ ‬تأسست‭ ‬فيها‭ ‬أنظمة‭ (‬ملكية‭).. ‬ولكن‭ ‬شعبوية‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬جعلت‭ ‬بعضَ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ (‬الجيشُ‭) ‬للانقلاب‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬ملكية‭ ‬ويؤسس‭ ‬أنظمةً‭ ‬جمهورية‭ ‬بديلاً‭ ‬عنها،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬الهيمنة‭ ‬والنفوذ‭ ‬البريطاني‭ ‬الملكي‭.‬

الآن‭.. ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬السؤال‭ ‬السابق‭: ‬أيهما‭ ‬أفضل‭ ‬لحكم‭ ‬الشعوب‭ ‬‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬أم‭ ‬النظام‭ ‬الجمهوري؟‭.. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الجزمُ‭ ‬بأحدهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭.. ‬لكن‭ ‬عبر‭ ‬قراءة‭ ‬للتاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬العربية‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬أنظمة‭ ‬ملكية‭ ‬أو‭ ‬إماراتية‭ ‬صارت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المعيشية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وأكثر‭ ‬استقراراً‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬تحت‭ ‬أنظمة‭ ‬حكم‭ ‬جمهورية‭.. ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬النظامَ‭ ‬الجمهوري‭ ‬سيئ‭ ‬وأن‭ ‬النظامَ‭ ‬الملكي‭ ‬جيد‭.. ‬كلا،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬الأنظمةَ‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬كانت‭ ‬معرضةً‭ ‬باستمرار‭ ‬لتدخلاتٍ‭ ‬أجنبية‭ ‬مدفوعة‭ ‬بإرث‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم،‭ ‬وكانت‭ ‬تشهد‭ ‬انقلاباتٍ‭ ‬عسكرية‭ ‬مستمرة‭ ‬لا‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬الاستقرار،‭ ‬حتى‭ ‬تداول‭ ‬الناس‭ ‬طرفةً‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تقول‭: (‬الضابط‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬يصحو‭ ‬مبكراً‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ويستولي‭ ‬على‭ ‬الإذاعة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يحكم‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬ودمشق‭)!‬

لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬أنظمةٌ‭ ‬سياسية‭ ‬عربية‭ ‬أخذت‭ ‬بالنموذج‭ (‬الجمهوري‭) ‬مثل‭ (‬مصر‭) ‬والتي‭ ‬فطنت‭ ‬فيها‭ ‬القيادةُ‭ ‬السياسية‭ ‬مبكراً‭ ‬لخطورة‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬والثورات‭ ‬المفتعلة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وقامت‭ ‬بتحصين‭ ‬جبهتها‭ ‬الداخلية‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬المؤامرات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحاك‭ ‬ضدها‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬والداخل،‭ ‬وهي‭ ‬مؤامراتٌ‭ ‬ظلت‭ ‬مستمرة‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬وتستهدف‭ ‬النظامين‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ (‬الملكي‭ ‬والجمهوري‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المصادفة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ (‬مصر‭ ‬الجمهورية‭) ‬و‭(‬البحرين‭ ‬الملكية‭) ‬معاً‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬التوقيت‭ ‬إلى‭ ‬مؤامرة‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ (‬أوباما‭) ‬عام‭ ‬2011‭ ‬لإسقاط‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬الدستورية‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬والمنامة‭.. ‬ولاحظنا‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬لا‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬نظام‭ ‬جمهوري‭ ‬أو‭ ‬ملكي‭ ‬حين‭ ‬تتآمر‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭.‬

باختصار‭.. ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تنحاز‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوبها‭ ‬ورفاهيتهم‭ ‬وتوفر‭ ‬لهم‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬الكريمة‭ ‬وفرص‭ ‬العمل‭ ‬والخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬والطبية‭ ‬والإسكانية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والغذائية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬الضرورية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬هي‭ ‬دول‭ ‬ستكون‭ ‬ناجحة‭ ‬ومستقبلها‭ ‬مشرفا،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬أنظمة‭ ‬جمهورية‭ ‬أم‭ ‬ملكية‭.. ‬أما‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تترك‭ ‬بابها‭ ‬مفتوحاً‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للنفوذ‭ ‬الأجنبي‭ ‬وتدخلاته‭ ‬في‭ ‬شؤونهم‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬فإنها‭ ‬دول‭ ‬ستكون‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬ذات‭ ‬أنظمة‭ ‬فاشلة‭.. ‬فقط‭ ‬تأملوا‭ ‬حال‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والمصير‭ ‬المعيشي‭ ‬المؤلم‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.. ‬وكانت‭ ‬القوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬والإقليمية‭ ‬تريد‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬المصير‭ ‬الكارثي‭ ‬لمصر‭ ‬والبحرين‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬لولا‭ ‬حكمة‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬للبلدين‭ ‬في‭ ‬إفشال‭ ‬المؤامرات‭ ‬الخبيثة‭ ‬بحق‭ ‬نظامين‭ (‬جمهوري‭ ‬وملكي‭) ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬الجمهورية‭ ‬والأنظمة‭ ‬الملكية‭ ‬إذا‭ ‬ظلت‭ ‬الشعوب‭ ‬واعية‭ ‬وفطنة‭ ‬ويقظة‭ ‬لإفشال‭ ‬المؤامرات‭ ‬الخارجية‭ ‬ضد‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬وقيادة‭ ‬سياسية‭ ‬تضع‭ ‬مصلحة‭ ‬شعوبها‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬الأوطان‭ ‬بقوة‭ ‬وحزم‭ ‬في‭ ‬المحن‭ ‬والكوارث‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬معيار‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭.‬