“عصر ما بعد النفط” توفّر فرصاً بلا أفق للمستثمرين في السعودية

1

منظر جوي ليلي للعاصمة السعودية الرياض

إسلام محمد

طفرة شاملة تشهدها المملكة العربية السعودية وفق دراسات وخطط طموحة، ترتكز محاورها على تنويع مصادر الدخل والتحول إلى مركز جاذب لمقار الشركات العالمية في المنطقة، بما يُمكّن المملكة من الارتقاء على الصعيد العالمي والحضور ضمن أكبر الاقتصاديات. 

وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، قال وزير الاقتصاد السعودي فيصل الإبراهيم في دافوس إن المملكة ستستضيف اجتماعاً خاصاً للمنتدى الاقتصادي العالمي في نيسان (أبريل) في إطار السعي لتعزيز المكانة العالمية للدولة ولعاصمتها الرياض. وأضاف أن الاجتماع المقرر عقده يومي 28 نيسان و29 منه سيركز على التعاون العالمي والنمو والطاقة.

وقال الإبراهيم لـ”رويترز” في مقابلة في وقت لاحق “أدرك المنتدى الاقتصادي العالمي أن المملكة أصبحت قائداً أقوى وأكثر تأثيراً على المسرح العالمي… ووجدنا أن الوقت مناسب للإتيان بهذا الحدث العالمي من الطبقة الأولى إلى المملكة، وتدشين هذا الفصل الجديد سوياً”. ومضى يقول: “سيساهم هذا في أن تصبح الرياض منصة أكثر عالمية”.

وتستهدف المملكة تنويع اقتصادها وفقاً لرؤية 2030، في ما يعرف بـ”عصر ما بعد النفط”. وبحسب دراسة لـ”برايس ووتر هاوس كوبرز”، تسير المملكة بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها في مجالات متعددة، لا سيما على صعيد نقل مقار الشركات العالمية إليها، وذلك مع انقضاء منتصف فترة تنفيذ الرؤية والتي أُطلقت منذ عام 2016.

وأعلنت السعودية في شباط (فبراير) 2021، إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة في غير المملكة، وذلك مع مطلع عام 2024، في سعيها نحو توفير الوظائف والحد من التسرب الاقتصادي، تماشياً مع مستهدفات استراتيجية «رؤية 2030».

الشركات العالمية

واستطاعت المملكة استقطاب العديد من الشركات العالمية الكبرى ونقل مقارّها الإقليمية إلى الرياض، بدعم حزمة من القرارات والإجراءات الداعمة لتهيئة مناخ الاستثمار في مختلف القطاعات، وما تبعها من تحول السعودية إلى الدولة الأكبر والأسرع نمواً ضمن مجموعة الـ20 والرائدة في مجال النفط.

وساهم إعلان وزارة الاستثمار بالتنسيق مع وزارة المالية وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، عن تقديم حزمة جديدة من الحوافز الضريبية لمدة 30 سنة، في دعم برنامج جذب المقار الإقليمية للشركات العالمية، وتعزيز قدرتها على تحقيق هدفها والمتمثل في نقل 480 مقراً إقليمياً بحلول عام 2030.

وتعتبر المقارّ الإقليمية السعودية مقارّ لشركات متعددة الجنسيات أُنشئت وفقاً لأحكام القوانين السعودية؛ بهدف تقديم الدعم والإدارة والتوجيه الإستراتيجي لفروعها والشركات التابعة لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبالتوازي مع جذب الشركات، كانت السعودية تاريخياً مصدراً مربحاً للتمويل. والعام الماضي، أنفق صندوق الاستثمارات العامة السيادي 31.5 مليار دولار في صفقات مقارنة مع 123.8 مليار دولار لجميع صناديق الثروة السيادية، وفق تقرير سنوي أولي من شركة “غلوبال إس.دبليو.إف” التي تتابع صناديق الثروة السيادية. وقالت مجموعة بورصات لندن إن السعودية استحوذت في عام 2022 على نحو 40 بالمئة من رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وشهدت الأعوام الأخيرة إعلان عدد من الشركات العالمية نقل مقارّها الإقليمية إلى المملكة، منها “برايس ووترهاوس كوبرز” و”جونسون كونترولز إنك” و”ديلويت توش توهماتسو” و”بيبسيكو” و”يونيليفر” و”ديدي” و”سامسونغ” وغيرها.

ووفقاً لتصريحات وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح، نجحت المملكة في إصدار 180 ترخيصاً لشركات عالمية لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض، لتتخطى بذلك مستهدفات الدولة التي رسمتها في هذا الاتجاه.

فرص كبرى

في هذا السياق، أكد المحلل الاقتصادي سليمان العساف، أن طبيعة واستراتيجيات الشركات بصورة عامة لا تجامل ولا تراعي مصالح أحد بل تبحث عن مصالحها الرئيسية، مؤكداً أن زيادة تدفق الشركات العالمية ونقل مقارّها الإقليمية إلى السعودية الفترات الأخيرة يأتي بهدف الاستفادة من الفرص الكبيرة التي تتمتع بها المملكة حالياً.

وأضاف أن المملكة تتمتع بالعديد من الفرص الجاذبة التي تدعم من فرص زيادة توافد الشركات العالمية، حيث تمثل 55% من الناتج المحلي الخليجي وأكثر من 25% من الناتج العربي الإجمالي، كما تعد من أكبر الاقتصاديات في الشرق الأوسط وواحدة من العشرين الكبار في العالم، وهو ما يدعم السعودية إلى التحول إلى “أرض الأحلام”.  

وأوضح أن هناك عدداً من التسهيلات الأخرى لدعم تدفق الشركات، منها إعفاء الشركات التي ليس لها حضور بالمنطقة أن يكون مقرها الإقليمي في السعودية، المشاريع التي دون المليون ريال لا يستلزم نقل مقرها الإقليمي في السعودية، الشركات التي لا بديل منها تعفى من شرط نقل المقر، وهو ما انعكس حالياً على قدرة المملكة على استقطاب قرابة 200 شركة عالمية نقلت مقارّها إلى السعودية، متوقعاً مضاعفة هذا الرقم ثلاثة أضعاف خلال السنوات المقبلة. 

واستعرض العساف محاولات المملكة السابقة لتنويع مصادرها في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”، موضحاً أن المملكة كانت تعاني خلال العقود الماضية من مسألة “أحادية مصدر الدخل” متمثلاً في النفط، وهو ما كان يمثل تحدياً، خاصة مع تباين الأسعار ما بين ارتفاع أسعار النفط كما حدث في 2008 عندما وصل إلى 143 دولاراً، أو مع انخفاض أسعار النفط إلى 8 دولارات في الثمانينات، ليتجه الاقتصاد إلى الانضباط بشكل كبير وتخفض الدولة مصاريفها. 

وأضاف أن السعودية حاولت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي أن تقوم بعملية تنويع مصادر الدخل، ولكن ظلت الفكرة “حبراً على ورق” ولم تنفذ، ولكن مع وضع “رؤية 2030” تمضي السعودية بقوة نحو تنويع مصادر الدخل، ليكون النفط أحد الموارد الرئيسية وليس الوحيد.

وأشار العساف إلى أن المملكة أصبحت مصادر دخلها الآن تتنوع ما بين العوائد والاستثمارات، مع استمرار استهداف زيادة تنويع مصادر الدخل عبر ضخ مزيد من الأموال في مجالات مثل السياحة والنقل والخدمات الصناعة، كذلك في مجال تسهيل الخدمات للشركات وجذبها إلى السعودية.

وتابع “لذلك من المتوقع أن تؤتي خطط المملكة بثمارها بحلول 2030، وهو ما يتضح من خلال انخفاض تمثيل النفط من 90% من مصادر دخل المملكة إلى ما دون 60% حالياً، كما نتوقع مع 2030 أن تنخفض النسبة إلى ما بين 30 و35 بالمئة، وهذا يمثل تطوراً إيجابياً لدعم قدرة المملكة على عدم التأثر مع انخفاض أسعار النفط، والتي من المتوقع أن تواصل توجهاتها نحو الصعود”. 

طفرة جاذبة

وبدوره أكد المحلل الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة، أن السعودية تشهد طفرة كبيرة في ضوء أهداف “رؤية 2030” الجاري تنفيذها والتي تهدف إلى تحقيق تنوع اقتصادي وجذب الشركات العالمية.

وأضاف أن الرؤية الجاري تنفيذها تشمل تنمية متكاملة لجميع الأنشطة الاقتصادية، بما فيها الرياضة والترفيه وكذلك تقنية المعلومات نحو بناء اقتصاد مستدام، وبما يمكن السعودية من التحول إلى مركز إقليمي لكبرى الشركات العالمية.

وأوضح أن جذب شركات عالمية في قطاعات واعدة ركيزة ومحور حيوي ضمن أهداف المملكة الجاري تحقيقها، فضلاً عن مستهدفاتها على صعيد الاستثمار في مجال الغاز والمعادن، بهدف تعزيز مكانتها كأكبر سوق رقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

قطاعات مُرشحة للنمو

ويرى الخبير الاقتصادي المصري محمد سعيد أن المملكة نجحت خلال الأعوام الأخيرة في التحول إلى الوجهة الاستثمارية المفضلة لدى كبرى الشركات العالمية ونقل مقارّها الإقليمية إليها.

وأضاف أن ذلك التحول يأتي في ضوء ما شهدته المملكة من تحقيق طفرة على صعيد عدد من القطاعات المختلفة، على الرغم من التداعيات السلبية والأزمات العالمية التي انعكست بصورة سلبية على مختلف الاقتصاديات. 

وأشار إلى أن المملكة نجحت أيضاً في تنويع مصادرها عبر ضخ استثمارات قوية في مختلف المجالات، بما يتفق مع رؤية 2030، نحو خلق اقتصاد متنوع لا يقتصر على القطاع النفطي، بل يستمد قوته من معدلات نمو قوية متوقعة على صعيد مختلف القطاعات مثل السياحة، الرياضة، الترفيه، المعادن، التحول الرقمي وغيرها من القطاعات المرشحة للنمو. 

معدلات نمو 2024

ومنذ أيام رفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي إلى 4.1% في 2024 و4.2% في العام التالي، من 3.3% و2.5% في توقعاته السابقة.

كما توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو اقتصاد السعودية بنسبة 4%، ارتفاعاً من 2.8% في التوقعات السابقة.

وتشير توقعات المؤسسات الدولية إلى قيادة القطاع غير النفطي لمعدلات نمو الاقتصاد السعودي، بدعم من خطط المملكة الحالية تجاه تنويع الأنشطة الاقتصادية والتوسع في مجالات مختلفة مثل السياحة والتكنولوجيا والرياضة والتطوير العقاري.

التعليقات معطلة.