مقالات

فساد ينتصر .. المواطن يندحر..!

عدنان حسين

بابتسامة ملأت الشدقين وبيد مرفوعة بعلامة النصر وبمشية واثقة، ومحمولاً بسيارة فخمة، ربما تعود ملكيتها إلى الدولة (مال عام)، برفقة أحد أعضاء مجلس النواب، وباستقبال حافل جمهور غفير من العوام، خرج محافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري من السجن معفوّاً عنه من تهمة سرقة المال العامّ!

لم يخرج الجبوري مُبرّأً من التهمة، بل هي ثبتتْ عليه في المحكمة الابتدائية أولاً ثم في محكمة التمييز، لكنْ أُطلِق سراحه استناداً إلى قانون العفو العام الذي شرّعه مجلس النواب العام الماضي خصّيصاً لإطلاق سراح كبار الفاسدين ومرتكبي جرائم الإرهاب، في مقايضة أبرم صفقتها رؤوس الفساد والإرهاب في المنطقة الخضراء.

وكانت هيئة النزاهة قد أحالت المحافظ إلى القضاء مُتّهماً في ثلاث قضايا فساد إداري ومالي، واحدة منها تتعلق بالاستحواذ على أراضٍ للدولة وتسجيلها باسمه. وإذْ اعترضت هيئة النزاهة على إطلاق السراح، أعلنت السلطة القضائية أنّ المحافظ المحكوم بالفساد طلب شموله بقانون العفو العام ودفع مبلغاً من المال يعادل المبالغ التي حُكِم بالفساد فيها، وبرّرت السلطة القضائية شمول المحافظ بالعفو العام بالقول إنّ جريمة إهدار المال العام التي حُكِم بها أُرتكِبت قبل صدور قانون العفو، وهي بالتالي مشمولة بالقانون!

قبل محافظ الأنبار كان محافظ بابل قد حُكِم عليه هو الآخر بتهمة تتعلق بالفساد المالي والإداري ثم أطلِق سراحه في غضون أيام قلائل معفوّاً أيضاً بموجب قانون العفو.. أكثر من هذا إن محافظ بابل عاد الى مقر عمله عودة أبطال الحروب المنتصرين ! وكأنّ الجريمة التي ارتكبها لا تخلُّ بالأخلاق والنزاهة والشرف، وهي جميعاً من الشروط اللازمة لتولّي الوظيفة العامة.

محافظ آخر متهم بالفساد الإداري والمالي، هو محافظ الأنبار السابق، ظلّ طليقاً برغم طلبه من القضاء، ولم يزل طليقاً. ومحافظ رابع، هو محافظ البصرة السابق، نجح في عبور الحدود والفرار إلى إيران قبل ساعات، وربما دقائق، من صدور القرار بالقبض عليه. أما زميله رئيس مجلس محافظ البصرة السابق المحكوم بتهم تتعلق بالفساد الإداري والمالي أيضاً فقد نُشرت له صور من داخل “سجنه” الذي يعيش فيه عيشة زبائن الفنادق الراقية من فئة أربع نجوم في الأقل!، وربما ينتظر الآن أن يكتمل جمع المبلغ له ليدفعه فيخرج معزّزاً مكرّماً مثلما عاش في السجن معزّزاً مكرّما.

القاعدة الذهبية القائمة الآن في هذه الدولة أنْ يسرق الوزير أو الوكيل أو المدير أو السفير أو المحافظ أو رئيس مجلس المحافظة، فإذا افتُضِح أمره طلبَ العفو (كلّ عمليات نهب المال العام بدأت قبل تشريع قانون العفو) وأعاد دفع ما سرق بعدما يكون قد استثمره وأنتج به أموالاً قد تزيد على قيمة المال العام المسروق!

الفساد ينتصر.. المواطن يندحر، وقد ينتحر، كرمى لعيون أساطين الفساد وأدواتهم…!