مقالات

فك الارتباط مع الضفة كان بابا لتصفية الأردن ككيان وفلسطين كدوله.. سُلِّمت فيه الأمانة مغتصبة لغير صاحبها.. لكنه أصبح من الثوابت الفلسطينيه والأردنية.. فهل تخدم العودة عنه صفقة التصفيه

 
 
فؤاد البطاينة
ماذا جنى الاردن وماذا جنت فلسطين من قرار فك الارتباط الاردني بالضفة الغربية، الذي استجاب له الملك حسين في عام 1988 بعد رفض للتخلي عن التمثيل لفلسطيني دام أربعين عاما . لقد كانت نتائجه كارثية . فما كان لاسرائيل بدونه أن تستفرد بالفلسطينيين وما كان لأوسلو والسلطة ان تظهر على انقاض حركة التحرر الفلسطينية، وما كان لإسرائيل أن تواجه العالم بالبقاء في الضفة الغربية كأرض كانت من وجهة نظر القانون الدولي جزءا من الدولة الاردنية وينطبق عليها القرار242 ومبدأ الارض مقابل السلام، ولا أن تبرم اتفاقية سلام بين الاردن واسرائيل دون استرجاع الضفة بوصفهها هذا. ولا أن تغير اسرائيل حالة الاحتلال للضفة الى حالة تحرير.
فهل كان هناك خلل في نوايا القيادتين الأردنية والفلسطينية أو احداهما،، وأن هذا الخلل في النوايا كان على خلفية الظرف السياسي المتراجع واليائس الذي كانت تعيشه القيادتين على يد اسرائيل في ذاك الوقت؟، وبالتالي كان القرار بمثابة طوق نجاة لقيادتين كانتا في حالة عماء استراتيجي منع عن أحدهما او كليهما التنسيق حول منطوق القرار وكيفية تطبيقه . علينا أن نلامس طبيعة المواجهه السياسية للزعامتين وتداعياتها منذ احتلال الضفة في ال 67 ولغاية قرار فك الارتباط والتي انتهت بظرف ادى لاتخاذه بطريقة تركت فيها الأمانة وهي مغتصبة وصاحبها في أسوأ حال، ودون عملية تسليم واستلام.
لا اعتقد بداية ان الملك كان بنيته يوما التنازل عن حكم الضفة الغربية لأصحابها . ولا من استراتيجيته أن تتشكل هوية سياسية فلسطينيه تؤدي لكيان سياسي على الارض الفلسطينية او الاردنية .بل وعلى خلفية هذا النهج السياسي لم يكن من استراتيجيته أيضا ان تتشكل هوية سياسية اردنية مرتبطة بالارض الاردنية، ولا أن تتشكل زعامات او قيادات اجتماعية سياسية اردنية او فلسطينية.
والمسأله هذه ليست متعلقه من حيث المبدأ بالخيانة والوطنية بالنسبة للملك وإن كانت عمليا معبرا لإحداهما، بل إنها متعلقة بهاجس السلطة للعائله الهاشمية والبقاء فيها . فلو كان الراعي لانشاء الاردن وقيادته الهاشمية هي دولة معادية للصهيونية لأخذت سياسات القيادةمنحى اخر ونهجا مختلفا . ولكن الراعي كانت الصهيونية البريطانية وشروطها هي نفسها التي سلمت بموجبها الحجاز والجزيرة للوهابيين، وهي نفسها ممثلة بالصهيونية الأمريكية ستتصرف في مصير السعودية والأردن.
لقد كان الصراع بين القيادة الاردنية ومنظمة التحرير يقوم على التمثيل الفلسطيني . وكان على امتداد المحافل الدولية خلال الفترة المشار اليها، ويطال اتفه الكلام والمسائل اذا اشتمت منها القيادة الاردنية رائحة تنطوي على تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، وقد تابعت في الفترة قبل قرار فك الارتباط صراعا على مشاريع قرارات في الامم المتحدة ذات صبغة اقتصادية واجتماعية تخص الفلسطينيين تحت الاحتلال ومع ذلك كان الوفدين الاردني والفلسطيني يتحولان الى فرجة للعالم، فكل القرارات بالجمعية العامة كانت تؤخذ بالتوافق الا القرارات التي تخص الفلسطينيين تؤخذ بالتصويت، لان الهدف كان تثبيت موقف لتاكيد التمثيل الاردني لفلسطينوالفلسطينيين.
وكان لأحداث السبعين التي نتجت عن تراكمات تنافس المنظمات الفدائية على الارض الاردنية في تعظيم التعبئة العسكرية بمعزل عن التعبئة التوعوية التثقيفية السياسية للحالة النضالية، ودون قدرة القرار السياسي للمنظمة من ضبط تفاقم الأزمة المدعومة بالإستغلال والرعاية الخارجية، اقول كان لهذه الحالة أثرها في اقحام الاردنيين كشعب في اللعبة بصورة سلبية اججت المشاعر الاقليمية بين الأخوه، وزادت من مخاوف النظام وتشجيعه على التوجه نحو اسرائيل.
حيث شهدتالفترة منذ عام 68 بعد معركة الكرامة ولغاية فك الارتباط دخول القيادة الاردنية ممثلة بالملك في ماراثون من المفاوضات السرية المباشره مع قادة اسرائيل كان هدفها استرجاع الضفه الغربية للسيادة الأردنية بأية صفقه وثمن، إلا أن اسرائيل رفضت كل العروض المغريه جدا، ولكن دون أن تقطع الحبل مع الملك لتستغل استمرار المفاوضات من اجل مكاسب سياسية وأمنية لها .والملك وصل لنتيجة مؤداها ان اسرائيل لا تميز بين تل ابيب والضفة الغربية.
أما منظمة التحرير فقد دخلت بعداجتياح لبنان عام 82 في مرحلة تشتت وشلل، فجاءت انتفاضة القدس التاريخيه لتقلب الموازين الدولية على اسرائيل، وبنفس الوقت ظهرت فيها هتافات ضد النظام الأردني . فلجأت اسرائيل للمنظمة واحيتها لتختطف الانتفاضة، فجاءت اوسلو كضربة كانت ستكون قاضية على مبرر وجود النظام الهاشمي بالنسبةلامريكا واسرائيل.
هنا وصل النظام لوضع كان أخطر عليه من احداث السبعين، لأنه وضع ينطوي على انتهاء دور القيادة الهاشمية . وكان على الملك أن يسارع لعقد معاهدة سلام (وادي عربه ) مع اسرائيل ولم يكن يهدف منها الى أكثر منتثبيت النظام بتحالفه مع اسرائيل تحالفا استراتيجيا بالنسبة له، بينما كانت المعاهدة لاسرائيل تكتيكا ورغم ذلك فقدكانت جدلية في اسرائيل.
عودة للمنظمة فقد وقعت في الفخ واعترفت باسرائيل بالمجان وتخلت عن نهج المقاومة وأخذت اسرائيل ما لها من اوسلو وتركت ما للفلسطينيين فيها، ووأدت حل الدولتين، وانتقلت القضية من محل تفاوض لمحل صفقة تصفيه.
وعلى صعيد الاردن انقلبت اسرائيل على الملك وعزلته عن القضية بأكثر مما عزلتهالمعاهده . واتخذ في المحصلة خيار الانخراط في السياسة الامريكية الترمبيه باتجاه تصفية فلسطين وقضيتها وتصفية الأردن ككيان سياسي . وذلك في سياق ظروفه الشخصية والسياسية وكطوق يعتقده طوق نجاة .فقد حولت اسرائيل الأردن الى دولة فساد مفلسة وموغلة بالفشل تفتح فيها قيادتها جبهة حرب تشليح مع الشعب وسطو على مقدرات الدولة.
حالة وثيقة الصلة بتصفية القضية الفلسطينية قد لا تنتهي الا بفوضى عارمه يستحيل السيطرة عليها لتنهي كيان الدولة، فبينما يصر الشعب الذي يفتقد للهوية السياسية والمؤسسية الأمنة التي تملأ فراغا السلطة ان غابت على الملك، يصر الملك على أن يعيش حالة انفصال تام عن الشعب وعما يجري في الدولة وما ينتظرها، ويمارس حياته ونشاطاته الاجتماعية والسياسية والبروتوكولية كالمعتاد وخلفه بلد على حافة التفكك ولانهيار، ولا يمكن أن يكون سلوك الملك هذا الا واعيا وغير معزول عن السياسة الدولية ومستقبل الدولة.
إن القيادتين الاردنية والفلسطينية تحت نفس الفلقة والجلاد ومنهجهما واحد، وليس أمامهما كمعزولتين عن شعبيهما سوى التعاون طوعا اوكرها، إلا أن قرار فك الارتباط أصبح واقعا دوليا وثابتا فلسطينيا، وللشعبين الاردني والفلسطيني طموحات وطنيه ولم تكن يوما طرفا بعقود بين الحاكم وأوليائه، لكنهما القيادتان اللتان تتحملان واجهة المسئولية .وإذا كان الهروب هو الخيار فإن الفوضى عمياء، وعندما تعم لن يكون بمقدور أحد أن يوجهها بموجب مخطط، ولا أن يفرض نتائجها، بل تتشكل وتستقر وفقا لمسارها الحر.