مقالات

في الحدث : استثمار الوهن العربي اقتصادياً

 
 
طارق أشقر
 
مع التأكيد على أحقية الدول في إقامة علاقاتها بمختلف تصنيفاتها مع أي دولة كانت في الكرة الأرضية طالما أن مثل هذا النوع من القرارات يعتبر من قرارات السيادة التي لايحق لأي طرف رفضه، فإن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الهندية نيودلهي الأحد، يمكن اعتبارها منطلقاً لبعض المراقبين لإعادة قرائتهم للواقع الاقتصادي والسياسي العربي، الذي ظل حتى وقت قريب أكثر قدرة على التأثير في بوصلة تحديد الأولويات الاستراتيجيات في جغرافية المنطقة العربية ومحيطها.
وبتوقيع نيودلهي وتل أبيب على العديد من الاتفاقيات ذات الأبعاد الاقتصادية والعسكرية خلال الزيارة الأخيرة لنتنياهو إلى الهند، يصف البعض هذا التعزيز المتنامي للعلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وغيرها من الكثير من الدول غير العربية الواقعة في المحيط الجغرافي للمنطقة العربية، بأنها حالة من الاستثمار الاقتصادي للضعف العربي.
وفيما تعتبر عمليات تعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين نيودلهي وتل أبيب قريبة العهد من الناحية التاريخية باعتبار أن البلدين أعلنا عن قيام علاقاتهما الدبلوماسية عام 1992 أي قبل ستة عشر عاما فقط رغم اعتراف الهند بإسرائيل منذ عام 1950، فإن فرضية الاستثمار الاقتصادي للوهن العربي تعتبر الأكثر منطقية، خصوصا وأن نيودلهي وتل أبيب لم يفعلا بشكل واضح اعتراف الأولى بالأخيرة لأكثر من اثنين وأربعين عاما وهو عمر اعتراف الهند بإسرائيل .
ويعتبر نفس المراقبين بأن تلك الفترة أي العقود الأربعة التي لم تنشط فيها إسرائيل علاقاتها الاقتصادية بالهند، كانت هي فترة وحدة الصف العربي، وما كان يعرف بالتكاتف العربي، فضلا عن أنها كانت تمثل فترة التفاف شعبي عربي ورسمي حول القضية الفلسطينية التي ظلت كافة المجتمعات العربية تغرس الإيمان بها غرسا في نفوس الناشئة من مختلف الأجيال كقناعة ثابتة بأنها القضية المحورية للأمة العربية.
لذلك فقد شهدت تلك العقود الأربعة من الزمان وضع كافة الدول التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية مع المنطقة العربية اعتبارا خاصا للمنطقة في كل قرار استراتيجي يمكنه أن يمس القناعات العربية المتأصلة بشأن القضية الفلسطينية، وذلك لحساسية القضية لشعوب المنطقة، غير أن الواقع الحالي تؤكد كل مؤشراته الاقتصادية والسياسية، بأن المنطقة العربية لم تعد هي التي كانت قوة اقتصادية بنفوطها وقدرتها في التأثير على القرار السياسي العالمي، خصوصا بعد أن تراجعت الأهمية الاستراتيجية للنفط، كما لم تعد متضامنة، ولم تعد متوحدة، ولاصوتاً جميعا لها.
وفوق كل ذلك، وبالنظر إلى طبيعة التعاون القائم بين تل أبيب ونيودلهي يلاحظ أنه يدور في مجمله حول حرص الهند على الاستفادة من التطور الصناعي الإسرائيلي في مجالات منتقاة، مثل الأبحاث الفضائية، واستيراد تليسكوبات لاستخدامها في تجهيز الأقمار الصناعية، وشراء طائرات إنذار مبكر إسرائيلية، وطائرات عسكرية أخرى وغيرها من الصناعات المتطورة، وكل هذه الصناعات لاتستطيع المنطقة العربية تصنيعها وإنتاجها، في حين أن الهند “كمستورد ـ أي كمشترٍ ” وبالمنطق التجاري يهمها الشراء ممن يقدم لها تسهيلات تجارية وأسعارا جذابة.
وفي سياق هذه المعادلة التجارية، تعتبر إسرائيل، ومن خلال ماتواجهه من مقاطعة في المنطقة العربية التي تعتبر الأنشط في شراء الأسلحة، فإن المنطقة العربية بالضرورة أنها لاتمثل سوقا للأسلحة والمعدات الصناعية الإسرائيلية، حيث إن الأخيرة في حاجة إلى من تجعله مستوردا قادرا من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية للاستفادة من تكنولوجيتها وبأسعار أقل وشروط أفضل، وهي بذلك ميزة تفضيلية جاذبة للهند التي لم ولن تجد في المنطقة العربية منافساً آخر أكثر جاذبية لها من إسرائيل في تزويدها بما تحتاج.
وعليه، فإن تنامي العلاقات الاقتصادية الهندية الإسرائيلية والتبادل التجاري بينهما الذي يتوقع الاقتصاديون أن يقفز من أربعة مليارات دولار إلى حوالي عشرة مليارات دولار، يمكن أن تعتبره المنطقة العربية صفارة تنبيه وليست إنذارا بأن عليها أن تطور اقتصاداتها الصناعية بشكل يمكنها من جذب من هم في محيطها بشكل أكثر فاعلية، خصوصا وأن العشر سنوات المقبلة ستشهد حركة نشطة للشركات العابرة للقارات إلى المنطقة العربية عبر الأسواق الهندية المتنامية بثبات اقتصادي واضح ومدروس .
طارق أشقر

admin