مقالات

في الحدث : ما السبيل لمحاربة تشغيل الأطفال عربيا؟

 
 
طارق أشقر
 
في أحدث دراسة أعدتها منظمة العمل “العربية” بشأن تشغيل الأطفال، طالبت المنظمة الدول الأعضاء فيها أمس الأول الثلاثاء بضرورة التدخل الفعال لوقف تفاقم هذه الظاهرة، مقترحة في ذلك أهمية حرص الدول على تطبيق الأطر القانونية والتشريعية اللازمة، ووضع سياسات مدروسة لتوفير الحماية الاجتماعية والحد من الفقر.
جاءت هذه المطالبة في وقت تقدر فيه تقارير منظمة العمل “الدولية” عدد الأطفال دون سن الثمانية عشرة عاما المنخرطين في قطاعات مختلفة كعمال بمختلف أنحاء العالم يبلغ حوالي مئتين وخمسة عشر مليون طفل، حيث يعمل كثير منهم بدوام كامل، وأن طفلا واحدا من بين كل أربعة أطفال يعتبرون من ضمن العمال في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء وهم فئة تتراوح أعمارهم بين خمسة إلى سبعة عشر عاما فقط، بينما واحد من بين كل ثمانية أطفال في الدول الآسيوية يصنفون من العمال.
أما تقديرات المنظمة الأممية المسؤولة عن شؤون الطفل (اليونسيف) فإن تقديراتها توضح بأن حوالي 16% من مئة وخمسين مليون طفل تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وأربع عشرة سنة في البلدان النامية يعتبرون في عداد العمال.
إن الصورة وفقا لهذه التقديرات العربية والأممية تعتبر قاتمة، غير أن ما يمكن اعتباره شيئا من بصيص أمل للتعاطي مع هذه المشكلة في المنطقة العربية، هو التوصيف الذي ذهبت إليه منظمة العمل “العربية” في دراستها الأخيرة، حيث صنفت “الحد من الفقر” كوسيلة يمكن من خلالها محاربة هذه الظاهرة المهددة لأحلى مراحل حياة الإنسان ألا وهي مرحلة الطفولة التي كاد أن يفقدها قطاع عريض من الأطفال في العديد من الدول العربية، خصوصا الفقيرة منها.
بهذا التوصيف المتمثل في اختيار “الحد من الفقر” كوسيلة لمحاربة تشغيل الأطفال، تكون منظمة العمل العربية قد وضعت يدها على الجرح الذي أصبح متقيحا في الدول العربية الفقيرة، حيث أدى الفقر في تلك المجتمعات إلى تجاوز الإنسان قسرا العديد من مراحله العمرية الطبيعية، متخطيا بذلك مرحلة الطفولة ولربما مرحلة الشباب قفزا إلى الكهولة ثم الموت المبكر بسبب الأمراض الناتجة عن الكثير من الأسباب التي بينها فقر الدول ليس ماليا أو اقتصاديا، بل فقر آخر أساسه الفساد الإداري والسياسي، ليكون الفقر الاقتصادي والمالي كنتيجة وليس سببا، ثم تتمحور تلك النتيجة في النهاية في انعدام الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية لتضيع الطفولة بالنتيجة.
وعليه، وطالما تمكنت منظمة العمل العربية أن تعي ولو مؤخرا بسبب اندفاع الأطفال إلى العمل أو الدفع بهم من جانب أسرهم، فقد أصبح جديرا بعضوية تلك المنظمة أن تستهدف المعالجة الجذرية لمشاكل الطفولة فيها، فتحرص على استقرار الأسرة اقتصاديا، فضلا عن المعالجات الاجتماعية التوعوية حتى تتمكن الأسرة من التحرر من ثقافة الفقر لتتمكن بذلك من تغيير قناعاتها عبر الانتقال من مفهوم أن تشغيل الطفل مبكرا سيعينه على تحمل مسؤولياته عندما يصبح رجلا، متناسين في ذلك بأن هذا النوع من السلوك سيصرف الطفل عن تلقي العلم النافع بسب الإجهاد الجسدي والعقلي… غير أن هذا النوع من القناعات في منظومة تنشئة الأطفال في الدول النامية قد يصعب تغييره ما لم تحرص الدول والحكومات على تحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب للأسرة عبر برامج مدروسة هدفها الأساسي محاربة الفقر كونه الخطوة الأولى نحو الحفاظ على براءة الطفولة وصونها حتى يهنأ الإنسان بحياة كاملة المراحل… والله المستعان.