د. رجب بن علي العويسي
يفرض تعدد الحالات التي ترصد ممارسات بعض الشركات، في إقصاء الموظف المواطن من الاستفادة من حقوقه التدريبية والتعليمية والمالية بالشكل الذي يضمن قدرته على الترقي الوظيفي؛ البحث في أدوات رقابية وأنظمة عمل واضحة معتمدة من الجهات المختصة تضمن حق المواطن في معرفة حقوقه وواجباته كاملة قبل البدء بأي مهمة له في الشركة، تشمل الامتيازات المالية والفنية أو الإدارية والمكافآت ووقت استحقاقها، وأنظمة الحضور والانصراف، والاجازات والمكافآت، وآلية تعزيز قدراته المهارية والتدريبية ونسبة حضورها في قاموس العمل والدورات والبرامج الداخلية والخارجية وحقه في الإفادة بمقترحاته ومرئياته ولقائه بالمسؤولين في مجال الاختصاص.
لذلك يغلب على الممارسة الحالية الحاصلة في أغلب الشركات الاجتهادية الفردية التي تفتقر إلى الاستدامة والموضوعية، نظرا لأسباب عدة من بينها القصور في إتاحة الفرصة للمواطن لمعرفة القانون عن قرب، أو للقصور الحاصل في مجال التوعية والتثقيف والتعريف بالقوانين وأنظمة العمل، خاصة ما يتعلق منها بحقوقه المالية، مع عدم وضوح مسار عمله، وتحسيسه بعدم الكفاءة والثقة في أداء مهامه أو توجيهه لأعمال اخرى، مع قلة برامج التدريب لصقل الخبرات وبنائها، وقلة التواصل مع المسؤول الأعلى، واتجاه اليد العاملة الوافدة بالشركات إلى الحصول على عائد العمل المستقطع خارج وقت الدوام الرسمي، واستغلال مسألة إجازات المواطن أو ظروفه، وفي المقابل ضعف مستوى التجاوب من قبل القطاعات المعنية وتعددها، وتخلي البعض عن مسؤوليته في التعامل مع هذه القضايا، مما يشكل مبررا لعدم رغبته في الاستمرارية في العمل بالشركات، أو تنقله من شركة إلى أخرى بحثا عن التوطين والثقة في قدراته وللحصول على مستوى وظيفي أفضل.
وفي ظل زيادة أعداد المخرجات التعليمية من حملة الدبلوم أو مراكز التدريب المهني لما قبل الدبلوم العام، والانحسار في عدد القوى العاملة المسجلة بالقطاع الخاص يقابلها زيادة في اليد العاملة الوافدة واستحواذها على أنشطة تخصصية بالشركات ومؤسسات القطاع الخاص، تأتي أهمية مراجعة منظومة قوانين الشركات وآليات العمل المحددة لعمل المواطن في شركات القطاع الخاص وحدود مسؤولياته وعلاقاته المهنية، وواجب إدارة الشركة في التعامل مع الخصوصيات وادارة المشاعر وحق المواطن في إبداء رأيه وتصحيح بعض الممارسات، ودور الجمعيات المهنية الوطنية في رصد واقع الأداء المهني في الشركات وموقع المواطن منها، ووضوح دور الجهات المختصة بوزارة القوى العاملة ومستوى استيعابها لهذا الواقع والتجاوزات في هذا الشأن، وتبني استراتيجيات تقييم مقننة تضمن قدرتها على تشخيص الحالة واقتراح البدائل، وإلزام الشركات بتنفيذ تعهداتها نحو المحافظة على انتاجية القوى العاملة الوطنية في ظل مقومات بناء الكفاءة وتعزيز مسارات الجودة في عمليات التدريب، والتمكين التخصصي للقدرات الوطنية، وتفعيل هيكلية المساءلة الإدارية الموجهة للشركات ونافذيتها، وآلية معالجتها للتحديات التي باتت تؤثر سلبا في استدامة عمليات التوطين والتشغيل.
إن فجوة الثقة في الكادر الوطني وسعي اليد العاملة الوافدة المسؤولة بالشركات، إلى فرض سلطة الأمر الواقع، لتضع المواطن شماعة في اخفاقاتها أو عدم قدرتها على تحقيق أهدافها، وإقصاء المواطن من المشاركة في إدارة التطوير والتقييم بها، ومحاولة توجيهه لمسارات أخرى، وبمفاهيم ومسميات مختلفة، مسوغات ومؤثرات سلبية باتت تضع مسألة ارتياح المواطن واستمراره في العمل بهذه الشركات محل تساؤلات ونقاشات مستفيضة، وأن تتجه جهود وزارة القوى العاملة والمؤسسات الأخرى المعنية نحو بناء إطار وطني يراعي كل المعطيات التي باتت تؤثر في هذا الملف والمقترحات التي يقدمها الشباب الملتحقون بهذا القطاع، بما يضمن توفر بيئة مؤسسية بالشركات ومؤسسات القطاع الخاص، تحتضن المواطن والكفاءة الوطنية، وتعزز حضورها المستمر في كل عناصر الانتاج وضبط عمليات التغيير العشوائية، ووجود تقسيم إداري بكل شركة يعمل مع المواطن ويأخذ بيده ويسعى لتعزيز التنافسية في الأداء ويقدم جرعات تثقيفية وتعريفية تضمن مساندة المواطن وتصحيح بعض الافكار السائدة لديه حول طريقة التعامل ومنهجيات الأداء، تأخذ بيده وتستمع إليه، وتعمل على تحقيق التواصل البناء معه بما يضمن القوة في آليات بناء الخبرة الوطنية وتبادلها والاستفادة من خبراء الشركة في تقديم برامج تطويرية نوعية تقدم للكادر العماني، وتمكين فرص الابتكار والتنافسية في الأداء، وبناء مشروعات تحسينية ومبادرات معززة للعمل، وتبني استراتيجيات عمل وطنية تهدف إلى تبصير الكفاءة العمانية بكافة حقوقها وواجباتها ومسؤولياتها، وتعريفها بالجهات القانونية والإدارية والفنية المسؤولة عن انصافه في حالة المساس بحقوقه الوظيفية، وايجاد متحدثين رسميين عمانيين في كل الشركات العاملة في نقل صورة الواقع للرأي العام أو وسائل الاعلام بما يؤصل قيم الولاء المهني ويعزز مساحات الثقة بين المواطن والشركة باعتباره مسؤولا عن نجاحها وتميزها.
وعليه فإن الاهتمام بهذه المنطلقات سوف يسهم في تغيير قناعات المواطن نحو القطاع الخاص والعمل بالشركات، ويعزّز من فرص التوطين الذي يقدم إنتاجيات أعلى وأدوم ، على أن مسألة مراقبة الأطر الإدارية والتنظيمية وجوانب الاتصال والتواصل وتمكين المواطن من إدارة قنوات العمل، والتسويق للمنتج، وتعزيز كل قطاعات الشركة وتنظيماتها وأقسامها المختلفة بكوادر وطنية عمانية مع وضوح المهام والمسؤوليات، وحضورها المستمر في اللقاءات وأجندة عمل مجالس الإدارة، وتكوين تقسيم متخصص بالشركة كما أشرنا لذلك يكون من بين مهامها أيضا النظر في شكاوى الكفاءات العمانية ومائياتها التطويرية، في ظل وجود فريق وطني يعمل على رصد التحديات التي يتعرض لها المواطن يكون مسجلا من وزارة القوى العاملة، ويتحمل مسؤولية قانونية وإدارية في إيصال أي مقترحات إلى الجهات المختصة، كما يتحمل مسؤولية عدم رفعه للأفكار البناءة بعد مناقشتها في الشركة واقتراح آليات عمل لها، مع وجود آليات واضحة للمتابعة والتنفيذ للقرارات التي يتم الاتفاق عليها، يشمل ذلك المدخلات والمخرجات وبيئة العمل التنظيمية والممارسات والقرارات الادارية واسناد مهمات العمل للعمانيين.
من هنا فإن تحقيق هذه الموجهات على أرض الواقع يستدعي جهدا مشتركا من كل القطاعات، ودورا أكبر للشركات في المحافظة على مساحات الأمان مع المواطن واعترافه بها وتحقيق مسؤوليتها الاجتماعية والوطنية، فإن تكامل الجهود وتأطيرها وتوفير الضمانات التشريعية والقانونية والرقابية والجزائية النافذة، سوف يحفظ للمواطن حقه، وللمؤسسات سقف الانتاجية بها، فهل سنشهد تحولات قادمة في نتائج هذا الملف؟