مقالات

في المشهد العراقي.. أحلام ليست مستحيلة

احمد صبري

في فترة هي من أنصع وأبهى الصور المشرقة التي يصنعها شباب العراق في انتفاضتهم التي وحدت العراقيين، وحطت الجدران الطائفية التي احتمت بها الطبقة السياسية، ووضعت العراق في الخانق الذي يتخبط بها منذ الاحتلال وحتى الآن، من المناسب استذكار رحيل الشخصية القومية سلام أحمد الذي وافته المنية في غربته بعمَّان في مثل هذه الأيام من العام 2013 أن نتوقف عند أحلامه التي تعيد للعراق دوره بتغيير شامل يبعد العابثين بمستقبله وأمنه.
والفقيد الذي نتحدث عنه كان واثقا ومؤمنا بأن العراق سيتعافى وينهض من جديد، وكان رهانه على شبابه وفتيته في عملية التغيير والثورة البيضاء، وهو ما يتحقق على الأرض، حيث هؤلاء الشباب يتصدرون المشهد في عملية تخليص العراق من العابثين بأمنه وتبديد ثروته وتغول الفاسدين في المجتمع.
وعندما نستذكر رحيل الشخصية القومية سلام أحمد في مثل هذه الأيام نتوقف عند تاريخ ودور ابن البصرة الفيحاء التي تنتفض ضد الظلم والطائفية بعد غيابه، وهي مقاربة في مسيرة النضال القومي الذي كان الراحل يتصدر صفوفه على مدى نصف قرن من تاريخ العراق الحديث.
لقد كان الراحل سلام أحمد يحلم بتحقيق مشروع الوحدة على الرغم من تجاوزه الثمانين من عمره والارتدادات والعثرات التي واجهت المتحمسين لهذا المشروع، غير أن أبا أحمد كان يراهن على تجاوز الكارثة التي ألمت بالعراق والأمة بالاعتماد على المخلصين من أبنائها، لا سيما الشباب، ويرى في فكر الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ومشروعه، الأمل والملاذ لتخليص الأمة من حالات الانكسار والضعف.
وعندما يستذكر أصدقاء الراحل سلام أحمد دوره في مسيرة العمل القومي فإنهم يستعيدون هذا الدور بفخر واعتزاز من أجل تنوير وإطلاع الجيل الجديد ليستلهم ويتمسك بذات المبادئ والقيم التي كرسها الراحل ورفاق دربه لتكون دليل عمل ومنهجا للجيل الذي استلم الراية من بعد رحيله.
لقد انتمى سلام أحمد إلى حركة القوميين العرب في ذروة المد القومي عندما كان طالبا في الجامعة الأميركية ببيروت في خمسينيات القرن الماضي، وعاصر الراحلين الرواد هاني الهندي وباسل الكبيسي وسعدون حمادي ومناضلين عربا آخرين، واضطلع الراحل بمسؤوليات قومية في العراق والكويت ومصر ولبنان.
وعلى الرغم مما جرى للعراق بعد غزوه واحتلاله، وتراجع دور التيار القومي بفعل الاستقطاب الطائفي، إلا أن الراحل حزم حقائبه وذهب إلى بغداد رغم وضعه الصحي الصعب يحمل أمنيات لتوحيد رؤى التيار القومي العربي عبر مشروع وطني عابر للطائفية والعرقية، ولم ييأس أبو أحمد من تعثر محاولته، إلا أنه كان يراهن على قواعد وأنصار التيار القومي العربي الذين نهلوا من فكر وتراث رواد الحركة القومية.
وما كان يدعونا للحيرة قدرة سلام أحمد على الانتصار على مرضه رغم أنه كان يستبيح جسده النحيف، ورفضه الاستسلام والقنوط له. فقد كان يتمتع بحيوية ونشاط الشباب ومتابعا سياسيا.
إن أمنيات الراحل سلام أحمد بغد آمن خالٍ من الظلم، ووطن تسوده العدالة ويحكمه القانون وعابر للتخندق الطائفي وسند لأمته، وهي الآمال التي يحاول تحقيقها شباب العراق في وقفتهم الوطنية التي أعادت الأمل ببزوغ فجر جديد رغم محاولات قمعها بالقوة والنار، إلا أن إرادة التغيير هي المنتصرة، وأن الخيار الأمني مهما اشتد وأوقع الضحايا، إلا أنه بالمقابل سيزيد من عزيمة شباب الانتفاضة، وتمسكهم بمطالبهم المشروعة بإرادة لا تقهر ولا تعرف المستحيل.
إذًا نحن أمام مشهد جديد بدأت ملامحه تتضح للعيان مصدره ساحة التحرير وميادين المدن العراقية التي قالت لا للطبقة السياسية التي عطلت نهضة العراق وسرقة أمواله، وصادرت حقوق شعبه الذي ينتفض عليها وحتى إسقاطها