مقالات

في سباق التحالفات السياسية.. الخنجر قد يصبح «جلبي السنة» 

وليد المفرجي

في العراق يحتدم التنافس السياسي من أجل تشكيل الكتلة الأكبر ليلقي بظلاله على الشارع العراقي الذي تَعوّد على هذه الأجواء بعد إعلان نتائج كُل انتخابات برلمانية، فتشكيل الحكومة في العراق أمر ليس سهلًا كما يحدث في دولٍ أخرى، قد تكون مشاكلها أعمق مما لدينا لكن الأمر سيختلف ما دام هناك سياسيون يجدون السياسة، وهنا يجدون اختلاق الأزمات.

إن موسم تشكيل الحكومة العراقية يشبه كثيرًا من حيث الاستمرارية موسم الدوري العراقي لكرة القدم، فكلاهما يحتاج فترات أطول للحسم والتعرف على الرابح والخاسر، وهما من حيث المنطلق يتشابهان في تحديد هوية البطل، من يملك الأموال يفوز، هكذا تقول الكواليس، وقد تكون خاطئة أو صائبة بشكلٍ يدعو للحزن.

قد يختلف هذا الموسم بشكل مُلفت للنظر، فانقسامات الكتل الشيعية – الشيعية خَلقت منافسة كبيرة في الساحة السياسية ومنحت فرصة رائعة للمنافسين الآخرين من أجل الاشتراك في الحكومة العراقية القادمة بشكل فعلي، وهذا ما لم يحصلوا عليه في الحكومات السابقة، كانوا على هامش تشكيل أي حكومة جديدة، وعلى وجه الخصوص الكتل السنية.

وما دمنا في ذكر الكتل السنية، في إحدى مقالات الكاتب العراقي أسعد البصري وقبل عام ونصف تحديدًا تساءل هل سينجح رجل الأعمال العراقي المعروف خميس الخنجر أن يكون جلبي السنة؟ فهو اعتبر الخنجر المحرك السياسي لجمع القيادات السنية في مشروعٍ واحد، وهذا ما يسير عليه الآن كما يبدو.

يترأس الخنجر أكبر كتلة سنية هي المحور الوطني، والتي تضم 53 مقعدًا نيابيًا كما يقولون، أما القوى التي انضوت تحت خيمتها فهي المشروع العربي بزعامة الخنجر، ومتحدون بزعامة النجيفي، والحل بزعامة الكربولي، وعمل بزعامة سليم الجبوري، والجماهير الوطنية بزعامة أحمد الجبوري، من جمع كل هؤلاء المختلفين في الأهداف والأيديولوجيات حول طاولة واحدة وتحت مسمى واحد؟

تساؤلٌ يحتاج الكثير من الحذر والتأني للإجابة عليه فمن يعرف حجم الخلافات بين كل هذه الزعمات كما تدعي لا يصدق بأنهم سيجتمعون في كتلة واحدة، لكن من راهن على الخنجر فاز برهانه، وها هم الآن يفاوضون مجتمعين بضفة واحدة من أجل تشكيل الحكومة القادمة.

مهمة الخنجر ليست بالسهلة، وطريقه ليس معبدًا، فالنجاح في أن يكون جلبي السنة، والمحرك للقوى السنية وجمعهم في مشروع واحد أمر بسيط بالنسبة له، ما دام يملك المال والذكاء السياسي والعلاقات الوثيقة بكثير من الأطراف السياسية المحلية والدولية، وقد نجحَ في استخدامها نجاحًا لا بأس به، من أجل جمع الشتات، ما هو معقد أن يحافظ على هذه الكتلة متماسكة حتى تشكيل الحكومة القادمة، فهي وكما يصورها البعض كالبالون تحتاج إلى وخزة إبرة فقط لكي تنفجر عائدةً إلى نقطة الصفر، مهدرًا بذلك الخنجر مالًا ووقتًا، وبلا فائدة تُذكر.

إلى الآن تدخل كتلة المحور الوطني مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية كممثل عن المكون السني، ويحافظ الخنجر على كتلته من محاولات تشتيتها. يناورون في جبهة التحالفات، إلا ان التحالفات السياسية غير واضحة الملامح، اللقاءات مستمرة، لكن اللقاءات في فترة التحالفات لا تعني شيئًا بلا تواقيع واتفاقات.

وكما ذكرنا أن الانقسام الحاد الذي تعاني منه الكتل الشيعية منح الكتل السنية والكردية فرصة رائعة للتفاوض وهي قوية، وقد أصبحت تفرض الشروط على الكتلة الأكبر، كما شكل التقارب السني – الكردي مزيدًا من القوى في تحديد مصير الكتلة الأكبر.

لدينا الآن تحالفان يحتاج كل منهما إلى المحور الوطني والتحالف الكوردستاني لكي يتمكنا من تشكيل الكتلة الأكبر، الأول هو تحالف لم يعلن عنه بشكل رسمي ينتظر كسب المزيد من الكتل، يضم النصر تحت قيادة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي والباحث عن ولاية ثانية، و(سائرون) المدعوم من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، و(الحكمة) الذي يرأسه السيد عمار الحكيم، و(حركة الوفاق) بزعامة إياد علاوي، و(العربية) تحت قيادة صالح المطلك، وهذا ما يسمى بالمحور الأمريكي كما يطلق عليه المحللون السياسيون، فواشنطن حاضرة وبقوة في تشكيل هذه الحكومة من أجل دعم العبادي في ولايته الثانية، لضمان السيطرة على عدم انتهاك العراق للعقوبات المفروضة على إيران، والتي أعلن العبادي التزامه بها.

وقد بَلغني أن مبعوث ترامب ماكغروك أجرى لقاءات موسعة مع أغلب الكتل السياسية العراقية شدد فيها على ضرورة دعم العبادي لولاية ثانية.

أما المحور الآخر وهو كما يطلق عليه المحور الإيراني ويضم كتلة الفتح بزعامة هادي العامري ودولة القانون بزعامة نوري المالكي وكتلٍ شيعية أخرى، وقد تنجر إليه أجزاء من كتلة النصر بضغط من طهران التي تواصل سعيها في تشكيل حكومة قريبة منها.

هذا ما هو واضح إلى هذه الساعة، وعلى ما هو واضح أمام المحور الوطني خيارات جيدة من أجل الاشتراك في الكتلة الأكبر ضمن الشروط التي يفرضها، والتي لابد أن تحقق مطامحه ومطامح جماهيره، لاسيما وأن المحافظات التي انتخبته وجعلته يصل إلى البرلمان تعاني من تدمير جراء الحرب الأخيرة على تنظيم (داعش) الإرهابي، وهذا ما يتطلب منه جهدًا أوسع في سبيل استحصال حقوقها.

لكن لزم أن يعلم المحور الوطني وزعيمه الشيخ خميس الخنجر أن هذه الخيارات الجيدة ترافقها مخاوف من ارتفاع سقف المطالب، وبالتالي دفع الأطراف الشيعية إلى أن تتوحد في خندقٍ واحد تَكون من خلاله قادرة على تشكيل الكتلة الأكبر ودون حاجة للأطراف الأخرى.

هذه المحاذير أكد عليها نعيم العبودي المتحدث الرسمي باسم عصائب أهل الحق في تغريدة على موقعه في «تويتر» نصها: فرض الشروط من السنة والكرد على الكتلة الأكبر في تشكيل الحكومة القادمة سيدفع الكتل الشيعية إلى إعادة تحالفها؛ لأن الشارع لن يرحمهم أبدًا.

إذًا اللعب بهدوءٍ وحذر في ساحة الكتل الشيعية ووَضع تحقيق مطالب جماهير المحور الوطني في ورقة تشكيل الحكومة القادمة دونِ تقديم أية تنازلات هذا ما يقع على عاتق المحور وزعيمه الخنجر، وإن نجح هو في ذلك، وخرج من سباق التحالفات منتصرًا، لاعبًا على نقاط ضعف القوى الأخرى، محققًا ما تصبو إليه جماهيره، مكملًا ما بدأه في جمع الأطراف السنية في مشروع واحد، حتمًا سيكون جلبي السنة الذي أجاد سياسة الثعلب.