مقالات

«قيادة بديلة» ؟

فاتنة الدجاني
ما أشبه اليوم بالبارحة. الأجواء ذاتها، والظروف والحيثيات والتفاصيل. التاريخ إذ يتحول، مع تكراره، إلى مأساة على الطريقة الإغريقية حيث دائماً ما تُسدَل الستارة على ضحية ما.
 
في زمن قريب، تابعنا بعيون مفتوحة على اتساعها كيفية تغييب الرئيس ياسر عرفات بعد رفضه التوقيع على اتفاق كمب ديفيد في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون. وتابعنا الترويج إسرائيلياً لـ «غياب شريك السلام»، ثم عملية «السور الواقي» العسكرية الإسرائيلية واجتياح الضفة الغربية، ولاحقاً اغتيال عرفات بالسم.
 
لا يختلف الوضع كثيراً اليوم. لا المحاولات الإسرائيلية، في السر والعلن، لاغتيال الرئيس محمود عباس (أبو مازن) سياسياً، ولا المحاولات الأميركية للضغط عليه أو إيجاد قيادة بديلة منه. لم يُسعِفه كونه الأب الروحي لاتفاقات أوسلو ونهج السلام الرافض العنف والكفاح المسلح. ولم يُخفف عنه أنه لم يعلن في أي وقت موقفاً معارضاً للمفاوضات. فقط هالهم أن يصر على توسيع الرعاية الدولية لعملية السلام (كأن إسرائيل متمسكة بها)، وأن يتحدى الإدارة الأميركية بعد قرار القدس.
 
حتى التسريبات الإعلامية لم ترحمه، وذهبت إلى فساد إدارته، ومنها كشف شراء طائرة خاصة من مال السلطة. ولكن، كل من كان ينتظر رد فعل شعبياً على هذه التسريبات، سيصاب بخيبة، ذلك أن الفلسطينيين على يقين من أن هذه التسريبات توظَّف إسرائيلياً وأميركياً للضغط على عباس، ومن ثم على الشعب، للقبول بـ «صفقة العصر». لا يعني هذا أن ذاكرة الناس معطّلة، أو أنها لا تحتفظ بالملفات وحق المحاسبة في اللحظة المناسبة، ولكن بالتأكيد ليس انسياقاً في الخطة الإسرائيلية أو خدمة لها.
 
فهل المشكلة فعلاً في شخص عباس أم في فحوى «صفقة العصر»؟ الإجابة ستذهب حتماً إلى استحالة إيجاد قيادة فلسطينية ترضى بما رفضه عباس أو بالتنازل عن الثوابت المعروفة، تماماً كما أن لا حل سياسياً من دون الرضا الفلسطيني. غير ذلك هو حتمية المواجهة المباشرة مع الاحتلال والإدارة الأميركية بانتفاضة وبأساليب يتخوّف منها خبراء الأمن الإسرائيلي في حال فرْض السلام بالقوة، وبصيغة تشبه انسحاب آرييل شارون من قطاع غزة. وهو ما كرره الموفد الأميركي جيسون غرينبلات عندما قال إن خطة السلام للتنفيذ وليست للتفاوض، بمعنى فرض التسوية على الفلسطينيين، وهي إسرائيلية نصاً وروحاً.
 
أقصى ما يطمح إليه الفلسطينيون من عباس، وهم يتغاضون عن التسريبات، أن يحمي خطته كمهندس لاتفاق أوسلو، وكذلك السلطة الوطنية كمكتسب موضوعي، حين لا يعني حلُّها سوى الانتحار السياسي، ثم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من دون التخوف من تزامنها مع المواجهة ضد «صفقة العصر». بهذا، تُصبح قضية خلافة عباس مسألة فرز وطني في سياق مشروع وطني، وليست مسألة كواليس حيث يصنع استخباراتياً رئيسٌ من الملفات الغامضة، من خلال اتصالات مع شخصيات فلسطينية لتكون البديل الموعود.
 
إن أي حديث عن إزاحة عباس من واجهة السلطة الآن، وفي ظرف مواجهة «صفقة العصر» الأميركية، أو تزايد التسريبات عن فساد إدارته أو «ديكتاتوريته»، أو أي مثالب أخرى (سواء كانت صحيحة أم ملفقة)، ليس أكثر من ملهاة جديدة تلتقي في تغذيتها إعلامياً أطراف إقليمية ودولية. ومهما قيل في عباس أو عنه، يبقى أنه رمزٌ فلسطيني، ورهانٌ دولي، وبهذا المعنى الدفاع عنه هو دفاع عن تراكم سنوات من النضال الفلسطيني. وتخلّي المجتمع الدولي عنه لا يعني سوى القبول مبدئياً بنسف حل الدولتين.
 
فهل انتهى فعلاً «أبو مازن»؟