مقالات

كتاب يقتل من يقرأه

 
 
فوزي رمضان
صحفي مصري
 
لا أخفي مشاعري… فقد تملكني الرعب وأصابني الخوف، فعندما كنت أتصفح موقع جوجل الشهير، وإذا بصورة أحد الكتب العتيقة الضاربة في القدم تظهر أمامي، الكتاب مغطى بطبقة من الجلد السميك التي تشبه حافظة النقود، الغلاف أملس باللون البني وخالٍ من الرسوم، سوى رسم مفرغ من المنتصف على شكل ورقة، فوقها عنوان الكتاب باللغة الإنجليزية
SHADOWS FROM THE WALLS OF DEATH
أسفل صورة الكتاب مكتوب ممنوع الاقتراب واللمس، في الكتاب سم قاتل، تحذير آخر… (كل من يقرأ هذا الكتاب أو يتصفحه سيموت حتما)، وتحذير آخر…(لا تقترب اتبع تعليمات الأمن والسلامة)، (لمشاهدة الكتاب احصل على تصريح من الجهات المختصة).
ما هذا الرعب…؟ وماذا وراء هذا الكتاب المخيف الذي يعني باللغة العربية (ظلال من جدران الموت)، قلت أكيد كتاب سحر وشعوذة، أو كتاب يحمل نوعا من أنواع الدجل، أو الطلاسم التي يجيدها البعض، لكن الحقيقة المؤكدة بالفعل وبلا أدنى شك، فعلا أنك بمجرد تصفحك لهذا الكتاب، أو محاولة قراءته ستكون نهايتك بلا شك، بدون مقدمات أو مرض أو عرض، إنه فعلا الموت المحقق، إنه الموت المحتوم لا محالة بدون مبالغة.
عزيزي القارئ لا تقلق ستعرف الحقيقة، مثلك تماما انتابني الفضول كي أعرف حكاية هذا الكتاب القاتل، بعد البحث والتحري، نعرف أن هذا المرعب يعود إلى عام 1863، ومؤلفه هو روبرت سي كيدزي، الذي يحمل شهادة في الكيمياء والطب، وعمل طبيبا أحد عشر عاما، وجراحا أثناء الحرب الأهلية الأميركية، وعندما وصل إلى سن الأربعين أصبح أستاذا لمادة الكيمياء بكلية الزراعة في ولاية متشيجان الأميركية، وكان نابهة عصره ومحترفا في تخصصه، ولقب أبو صناعة سكر البنجر بالولاية.
لكن ما هو سر هذا الكتاب القاتل، لقد اكتشف كيدزي من خلال أبحاثه العلمية أن ورق الحائط آنذاك يحتوي على معدلات كبيرة من مادة الزرنيخ السامة، والتي تستخدم لصبغ أوراق الحائط، وأن ذراته تنتقل عبر الهواء الذي يستنشقه الإنسان، مما يسبب التهابات الشعب الهوائية ومن ثم الموت المحقق، لذا انشغل كيدزي كثيرا بالدعوة إلى التوقف عن صناعة ورق الحائط الذي يشكل خطرا على صحة الإنسان، إلا أن دعوته لم تجد لها صدى أو مستمعا، وأصيب بالإحباط، لكنه بدأ يفكر في طريقة أخرى لإيصال صوته وتسليط الضوء على فكرته.
توصل كيدزي أخيرا إلى فكرة شيطانية، وقام بجمع عينات من أوراق الحائط الذي يحتوي على نسب عالية من الزرنيخ الذي يقتل أي شخص فورا حين يستنشقه، ومن ثم وضعت تلك الأوراق في كتاب يحتوي على 86 صفحة، بدون أي نص ولا أي كلمة، وبعد الصفحة الأولى والمقدمة صفحة أخرى مدون عليها اسم الكتاب، بعد ذلك 84 صفحة من ورق الحائط المنتشرة في الولايات المتحدة الأميركية، وجميع هذه الصفحات مشبعة بمادة الزرنيخ شديد السمية، الذي يؤدي استنشاقه إلى الموت، ولهذا السبب تم تسمية الكتاب (ظلال من جدران الموت)، إشارة إلى الجدران الملون الجميلة التي تحوي في ثناياها الموت المحتم للإنسان.
والزرنيخ مادة كيميائية، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، مما يجعلها أداة يكثر استخدامها من قبل القاتلين، وقد تسبب هذا الزرنيخ في موت نابليون بونابرت وبيتهوفن من قبل، ويتواجد الزرنيخ في الجسم، لكن بنسبة ضئيلة وهي 10 مليجرام، ويعمل على تحفيز إنتاج الهيموجلوبين في الدم، وقد عرفه قدماء المصريين واستخدموه في تحنيط موتاهم، ولما كان البروفيسور كيدزي ضليعا في علم الكيمياء، رغب في إيصال دعوته الإنسانية للعالم لكن بشكل مرعب وقاتل.
طبع من هذا الكتاب 100 نسخة فقط لا غير، وتم توزيعها على المكتبات، وعندما علمت السلطات المحلية في الولايات المتحدة الأميركية عن مقتل العديد من الأشخاص فور تصفحهم لهذا الكتاب، قامت بالتخلص من كافة النسخ سوى نسختين فقط، تم إيداعهما بمكتبة جامعة متشيجان الأميركية، ويحتفظ بهما في قسم خاص بعيدا عن القراء، وتم تغليف كل صفحة من الكتاب بعناية شديدة، حتى لا يتسرب الزرنيخ، ولا يمكن استعارة أو تصفح تلك الصفحات السامة، إلا بوجود تصريح من الجهات المسؤولة، وارتداء القفازات وقناع مخصوص للوجه لحماية الجلد والجهاز التنفسي.
نعم إنه الكتاب القاتل والمرعب، ومع ذلك هو كتاب عادي جدا، فلا هو الكتاب الغامض الذي يحوي طلاسم، ولا هو كتاب السحر الأسود، لكنها فكرة شيطانية لهدف نبيل، فكرة قاتلة لإنقاذ البشر من الموت، ودعوة مرعبة لتنفيذ فكرته القاتلة، وحرص شديد على تحذير العالم من خطر استخدام المواد المشبعة بالسموم، دعوة كانت في عصرها، طبعا المواد المستخدمة حاليا في أوراق الحائط آمنة، بعد أن شهدت تطورا كبيرا للتخلص من أية مواد مسرطنة.
التاريخ ما زال يحتفظ بكتاب كيدزي وصفحاته السامة، والتي ترقد في جنبات مكتبة متشيجان في حراسة مشددة، ليذكر التاريخ هذا الكتاب القاتل، وتلك الصفحات السامة، التي تذكرنا بمثلها من عشرات الكتب، التي تحوي السموم في مداد حروفها، وتحمل الموت بين طيات صفحاتها، ونقرأها بلا قفازات وبدون ارتداء أقنعة، حتى جفت العقول وخوت النفوس وماتت الضمائر، مثل موت كتاب كيدزي السام.