مقالات

كيف تمّ غسيل دماغ شعوبنا وتغيير مُثلها وحضارتها لتصبح قطعاناً من النعاج يسهل قيادتها الى حتفها ولترى العدو صديقاً والصديق عدوا؟ وكيف تغلغلت الماسونية في مصر؟

 
د. عبد الحي زلوم
بإستعمال علوم الاجتماع الحديثة و أدوات تشكيل الرأي العام كالصحافة والاذاعة والتلفزيون وادوات التواصل الاجتماعي والسيطرة على مناهج التعليم اصبح بالامكان غسيل دماغ الشعوب . قبل غزوات الاستعمار الغربي العسكري كانت تسبقه غزواته الثقافية.
وجد الغرب وخصوصاً المستشرقين والحركات التبشيرية أن الحضارة العربية الاسلامية هي الحافظة للوحدة بين بلدان المشرق والمغرب العربي وأن الطريق لهدم هذه الوحدة وتشتيت القوى هو هدم هذه الحضارة .
بالنسبة للمشرق العربي كانت البداية في الغزو الثقافي الذي تبنته الحركات التبشيرية . فبعد أن يأسوا من تحويل ديانة المسلمين وجدوا ان الطريق هو فك وحدتهم المتمثلة آنذاك بالدولة الاسلامية العثمانية عبر غرس النزاعات الاثنية والطائفية والقومية وتبنت اجهزة تعليم الحركات التبشيرية تلك السياسة فكانت بث الروح القومية هي من الاهداف المعلنة للكلية السورية البروتستنتية والتي اسسها القس دانيال بليس واعيد تسميتها بالجامعة الامريكية في بيروت . وتمّ انشاء شبكة من المدارس بلغ عددها ما يزيد عن 400 تخرج من تلك الجامعة والمدارس قادة الجيل الذي ثار على الوحدة بأسماء وعناوين مختلفة. فبدلاً من اصلاح اي خلل في الدولة الواحدة تمّ الثورة عليها وعلمونا في مناهجهم ان الدولة الواحدة كانت استعماراً وان استعمارهم كان تنويراً.
تطورت العلوم ووسائل تكوين الرأي العام كثيراً خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . كان والتر ليبمان”Walter Lippmann من النخبة المؤثرة في دائرة الرئيس الامريكي ويلسون . كتب سنة 1921 كتاباً بعنوان “the Manufacture of Consent” اي كترجمة حرفية “صناعة القبول ” أما الترجمة الأكثر تعبيراً فهي “صناعة الرأي العام. ” اعتبر ليبمان كتابه ثورةً في تطبيقات الديمقراطية . ملخص ما جاء في الكتاب هو “أن الصالح العام هو فوق مدارك الجماهير الغوغائية الجاهلة و يجب أن يكونوا تحت سيطرة طبقة النخبة والتي عليها تَكوين الرأي العام لتلك الجماهير لصالح طبقة اصحاب الأعمال مع إخفاء هذه الحقيقة لعدم إثارة حساسية الجماهير الجاهلة” . جاء من بعده [Reinhold Niebuhr] والذي شارك ليبمان اطروحته وقال أنه بالنسبة الى جهل بل وغباء الرجل العادي فهو لا يتّبع العقل وانما العقيدة . وهذه العقيدة بحاجة الى خيال وتبسيط عاطفي كبير من طبقة النخبة القادرة على صناعة الاوهام .
كان ليبمان من المؤثرين في صناعة الرأي العام الامريكي لعشرات السنين وكانت مقالاته تنشر في الصحف الرئيسية وعشرات الصحف الاخرى بالتزامن. ومما ساعد في صياغة الرأي العام بشكل كبير اختراع الراديو في ذلك الوقت. ولقد استولت الشركات الامريكية الكبرى على شبكات الراديو مثل NBC و CBS و ABC وكان اصحابها ورؤساءها منذ نشاتها من اليهود كما كان ليبمان نفسه وكما كانت ملكية الجرائد الكبرى مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست . وعند بداية صناعة السينما المتحركة والناطقة في ذلك الوقت تم انشاء شركات استوديوهات هوليود. وافضل وصف لها هو كتاب ( هوليود المدينة التي صنعها اليهود).ثمّ جاء التلفزيون والذي تملكته نفس شركات الراديو وبقيت تلك الشركات الثلاث هي المهيمنة شبه الوحيدة على شبكات الراديو والتلفزيون الى يومنا هذا . واصبحت صناعة الرأي العام الامريكي بشكل خاص والعالمي بشكل عام صناعة يهودية صهيونية. واصبحت الديمقراطية الامريكية يتحكم بها تجهيل الجماهير وصناعة رأيهم العام واصبحت طبقة الرأسماليين هم السلطة الدائمة التي تُسوق وتُموّل انتخابات الرؤساء الامريكيين واعضاء الكونغرس وهي التي تضع لهم الاجندات . وهكذا تم اختطاف الديمقراطية الحقيقية بديمقراطية ميكانيكية حافظت على الشكل لا الجوهر . وهكذا أصبح الامريكيون خصوصاً والغربيون عموماً قطيعاً تتحكم به الرأسمالية الصهيوأمريكية والتي عولمت نفوذها الاعلامي على العالم . فكيف اصبحنا نحن قطعاناً؟
عن منهجية عملية غسيل الدماغ والسيطرة على الشعوب يقول يوري بيزمينوف أن التآمر لغسيل دماغ شعب ما يمر في مراحل اهمها المرحلة الاولى وهي مرحلة اعادة تشكيل المُثل والمفاهيم والتي قد تمتد الى فترة 30 سنة وهي الفترة لغسيل دماغ جيل واحد . أما الهدف الاساسي في هذه المرحلة فهو تغيير الحضارة و النسيج السيكولوجي للامة والافراد معاً وتغيير عقائدهم ونظرتهم الى مُثل ومفاهيم الاعداء وقبلوها عوضاً عن مُثلهم وهكذا يتم ربح الحرب ضد الدولة المستهدفة دون اطلاق رصاصة واحدة ويتحول العدو الى صديق. اهم المحطات في هذه المرحلة هي تغيير الايدولوجية والعقيدة بطريقة منهجية عبر وسائل التعليم وتكوين الرأي العام . ثم اختراق الاجهزة الحكومية والمجتمع المدني بواسطة منظمات كالماسونية والمنظمات المسماة غير الحكومية مع أن تمويلها وتوجيهها يأتي من اجهزة الحكومة المتآمرة . كذلك توجيه الاقتصاد تدريجياً ليفقد استقلاليته وسيادة قراره .
بعد استكمال المرحلة الاولى تصبح تلك الدولة جاهزةً للفوضى يتبعها نظام سلطوي يُثًبّتْ مفاهيم الدولة المتآمرة ويعمل بأمرتها .
دعنا نأخذ مصر كمثال بإعتبارها قلب الامة في مغربها ومشرقها . فحركة التغريب والحرب النفسية وتغيير الثقافات والمفاهيم بدأت من ايام محمد علي ولكنها اخذت زخماً اثناء الاحتلال البريطاني في مصر في الربع الاخير من القرن التاسع عشر . وكانت البداية بتأسيس المحافل الماسونية وكان اول تلك المحافل اسس في القاهرة عام 1798 بعد حملة نابليون ، وكان اسمه (محفل إيزيس ). تمّ تأسيس عدد قليل من المحافل منها محفل الاهرام في منتصف القرن التاسع عشر وكانت لغة هذه المحافل اجنبية ويكاد يكون جميع اعضائها من الاجانب . في الربع الاخير من القرن التاسع عشر بدأ تأسيس المحافل الماسونية الناطقة بالعربية والملاحظ ان جميع مؤسسيها وبلا استثناء كانوا من الاجانب اللبنانيين وثيقي الصلة بحركات التبشير ومركزها في بيروت وبدأت تجذب الى عضويتها مصريين . وعندما تم تشكيل ( الهيئة الماسونية المصرية الجديدة ) على الطريقة الاسكتلندية باسم ( الشرق الأعظم الوطني المصري ) اُنتِخب الخديوي توفيق باشا رئيساً لذلك المحفل . وممن انضموا الى المحافل المصرية جمال الدين الأفغاني حيث أن طلبه للانضمام للماسونية نشرتها جامعة طهران سنة 1963 .
وكان للماسونية في مصر مجلة تنشر أخبارها وتشيد بها ، هي مجلة (اللطائف ) التي كان يصدرها شاهين مكاريوس , وهو لبناني وعمل مدة في المطبعة الأمريكية في بيروت . وكذلك جاء من لبنان فارس نمر وقد انتمى إلى الماسونية في بيروت سنة 1874 .
اسس يعقوب صروف وفارس نمر جريدتين الاولى في القاهرة بأسم المقطم والثانية في الخرطوم ، وقد ظلت الماسونية في مصر تعمل جهاراً نهاراً حتى عام 1964 عندما أصدرت الحكومة المصرية أمرها بإغلاق المحافل الماسونية. وانتمى الى الحركة الكثير من زعماء الساسة المصريين ومنهم سعد زغلول الذي بقي ماسونياً حتى مماته . وقد وجه المحفل الماسوني الوطني المصري الأكبر إلي أهل فلسطين اثناء ثورتهم الكبرى عام 1936 النداء التالي (( يا أهل فلسطين تذكروا أن اليهود هم إخوانكم وأبناء عمومتكم ، قد ركبوا من الغربة ، فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة وعظمة الوطن المشترك العام بما أحرزوه من مال وما اكتشفوا من خبرة وعرفان . إن العربي والعبري غصنان من شجرة إبراهيم ، أبوهما إسحاق وإسماعيل , متي وضع أحدهما يده في يد الآخر انتفعا جميعا بما لديهما من الوسائل المختلفة وكان في تعاونهما الخير وكمال البركة بإذن الله ((!!
كانت مصر أول دولة عربية تعرف عالم المطابع والصحافة في زمن محمد علي باشا خلال القرن التاسع عشر، عقب افتتاح مطبعة بولاق عام 1821، وإصدار جريدة الوقائع المصرية. ورغم ذلك فإن النهضة الحقيقية للصحافة المصرية لم تحدث إلا على يد الصحافيين غير المصريين من اللبنانيين وثيقي الصلة بمراكز التبشير اللبنانية والمحافل الماسونية واسسوا اكثر من 200 صحيفة حتى الحرب العالمية الثانية .
كان القس الدكتور لويس صابونجي من بيروت أول صحفي من أصول شامية يؤسس مطبوعة في مصر، وتم ذلك عام 1871، تحت اسم مجلة النحلة الحرة ثم نقل مقر اقامته سنة 1877 بشكل نهائي إلى بريطانيا. عام 1874 وصل سليم تقلا إلى الإسكندرية قادماً من لبنان، ثم تبعه أخوه بشارة في العام التالي، وأسسا مطبعة ودار الأهرام في الإسكندرية قبل نقلها إلى القاهرة، وبعدها اسسا جريدة الاهرام لتصبح أهم جريدة مصرية منذ أعوامها الأولى.
وأدى نجاح جريدة الأهرام إلى إصدار جريدة صدى الاهرام ثم جريدة الوقت.
وكان سليم تقلا مقرباً من الخديوي إسماعيل والأسرة الحاكمة واتخذ موقفاً مناهضاً من ثورة عرابي، فقام الثوار بحرق مطبعة الأهرام. وعقب وفاة الأخوين أدارت بتسي تقلا، أرملة بشارة، الأهرام مع جبرائيل تقلا. وفي زمنه كانت رئاسة تحرير الأهرام حكراً على اللبنانيين، من غير المسلمين سواء الشاعر خليل مطران، وصولاً إلى أنطون الجميل وهي العائلة التي انشأت حزب الكتائب اللبناني والذي تحالف مع اسرائيل في الحرب الاهلية اللبنانية . وأنشأ جبرائيل أكبر مطبعة في الشرق الأوسط باسم مطبعة الأهرام وشارك في تأسيس نقابة الصحافيين المصريين عام 1941.
وعقب وفاته، تولت أرملته رينيه تقلا إدارة الأهرام مع ابنهما بشارة الصغير تقلا، ثم تعاقدت الأهرام عام 1957 مع محمد حسنين هيكل لتولي رئاسة تحرير الأهرام وسافر بشارة الصغير تقلا إلى لبنان دون عودة.
عام 1890، أسس نجيب متري وجرجي زيدان ( وهما لبنانيان ماسونيان) مطبعة ودار المعارف. ولكن زيدان اختلف مع متري وانفصل عنه ليؤسس مطبعة ودار الهلال عام 1892 وعقب وفاته، طوّر إميل وشكري زيدان الدار بإصدار مجلة المصور ومجلة سمير المتخصصة للاطفال.
أما مجلة روز اليوسف فأصدرتها اللبنانية روز اليوسف التي تمّ تبنيها من عائلة مسيحية لبنانية ولم تعرف أنها مسلمة الا في سن العاشرة حيث هربت الى الاسكندرية وعملت في الفن.
أما صناعة الفن فكان ابطالها في البداية من اليهود والاقليات من بلاد الشام . كانت ام كلثوم فتاة صغيرة تعمل في حقول القطن وتغني وسمعها افراد من اصحاب مزارع القطن اليهود ومنهم ليتو باروخ والذي اخذها وسجل لها اغاني في استوديو اوديو . كان من اشهر ملحنيها داوود حسني واسمه الحقيقي داوود حاييم ليفي . كانت من اوائل اغانيها التي يمكن سماعها على اليوتيوب اسمها ( الدلاعة والخلاعة مذهبي.) وفي واقع الحال كان الهدف مما تم تسميته الفن بإدارة هذه الاقليات هو تماماً نشر الدلاعة والخلاعة لتصبح مذهب الامة . وتم ادخال ام كلثوم الى عالم السينما من المخرج اليهودي توغو مزراحي . والجدير ذكره أن رئيس بلدية القدس في دولة الاحتلال دشن مؤخراً شارعاً باسم أم كلثوم بالقدس. وفي سلسلة من الاغاني الهابطة اغاني مثل ( الدنيا سيجارة وكاس) لمحمد عبد الوهاب . كذلك كان فريد الاطرش واخته اسمهان من الطائفة الدرزية من بلاد الشام .

admin