مقالات

كيف يمكن لترامب أن يعيد محادثات السلام في الشرق الأوسط إلى مسارها الصحيح

دينيس روس

في الأسبوع الماضي التقى الرئيس ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماعين منفصلين في نيويورك. وأعرب مجدداً عن تفاؤله بوجود “فرصة جيدة” لتحقيق ما يراه كـ”الصفقة النهائية”.

وكوني أحد المفاوضين القدامى حول الصراع العربي-الإسرائيلي، أُشيد بالجهود المبذولة لتحقيق السلام. إلّا أنني متنبّهٌ أيضاً بأن أي ضغط في هذا الاتجاه يجب أن يكون مترسّخاً في الاحتمالات الممكنة، لأنّ أي فشلٍ آخر لن يؤدي سوى إلى تعميق التهكّم الذي يشعر به الإسرائيليون والفلسطينيون.

وفي الوقت الحالي، قد تبدو أي مبادرة جديدة مهمة حمقاء. فنظراً إلى ظروفهما السياسية الراهنة، أي اعتماد نتنياهو على جناح اليمين في حكومته وابتعاد عباس عن جمهوره، ليس هناك استعداد من قبل أي من الزعيمين للنظر في تقديم تنازلات الواحد للآخر. ومع ذلك، لا يرغب أي منهما أن يُلام على عرقلة احتمال التوصل إلى سلام.

لذلك، يعتمد إحراز أي تقدّمٍ على امتلاك كل منهما تبرير لاتخاذ خطوة نحو الآخر. ولن تأتي التغطية من الولايات المتحدة، بل قد تأتي من الدول العربية. ويمكن لنتنياهو أن يبرر اتخاذ خطوةً نحو الفلسطينيين أمام جمهوره وحكومته إذا كان واضحاً أنه ينال شيئاً من الدول العربية في المقابل، وخصوصاً من المملكة العربية السعودية، يُظهر أنّ المنطقة تتجاوب مع إسرائيل. أمّا بالنسبة إلى عباس، فبإمكان الدول العربية أن تتحمل مسؤولية الخطوات التي يتخذها.

إلّا أن المشكلة تكمن في أنّ الدول العربية، والمملكة العربية السعودية بشكلٍ خاص، غير متحمسة للاضطلاع بهذا الدور. فخلافاً لما حدث في عام 2002، أي قبل حرب العراق وفي ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مع انفجار القنابل في إسرائيل وفرض هذه الأخيرة تدابير صارمة على الفلسطينيين رداً على ذلك، كان انتباه العالم منصب على هذا الصراع – [مما أدى] إلى قيام صاحب السمو الملكي، ولي العهد السعودي الأمير عبدالله، بعرض ما أصبح يُعرف بـ”مبادرة السلام العربية”.

أمّا اليوم فقد أصبح تركيز العالم والسعودية على تهديدات أخرى. فالسعودية ترى إيران واستخدامها للميليشيات الشيعية كتهديدٍ وجودي. إذ تراها تتقدّم [نحوها]، مروّجةً للأعمال الإرهابية في المحافظة الشرقية، وتبني ممراً برياً من إيران إلى لبنان، وتؤجج الحرب في اليمن.

وفي ما يمكن أن يُطلق عليه “الربط المعاكس”، فإنها لا تتعامل مع المسألة الفلسطينية التي سوف تقرّب بين السعودية والولايات المتحدة، بل إن الولايات المتحدة هي التي تظهر أنها سوف تتصدى للتهديد الإيراني في المنطقة، حتى وإن كانت تتوقع من السعودية أن تتخذ خطوات ملموسة في قضية السلام يمكن أن تستقطب إجراءات فاعلة دعماً لجهود إدارة ترامب. وبالطبع، سوف تحتاج المملكة إلى خطوات إسرائيلية تجاه الفلسطينيين لتبرير مد يدها لإسرائيل أمام الجمهور السعودي والعربي ككل. لكنّ المحفّز بالنسبة لهم يكمن في رؤية أنّ الولايات المتحدة جادة بالفعل على المستوى العملي، وليس البلاغي فقط، في الحد من أعمال إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة.

وفي هذا المعنى، يبقى أمام إدارة ترامب الكثير من العمل للقيام به. ففي الوقت الحاضر، يبقى تركيزها الكامل منصبّ على تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، في حين تهيئ إيران نفسها لملء الفراغ الذي سيظهر بعد هزيمة «داعش». وإذا كانت السياسة الأمريكية على استعداد للقبول بهذا الواقع، وأن الولايات المتحدة لا تمنع حدوثه الآن بأي شكل، فيتعين عليها أن تفهم أيضاً أنّ السعوديين والإماراتيين وغيرهم لن يصدروا سوى بيانات عامة وجميلة حول السلام الإسرائيلي-الفلسطيني.

ولنكون منصفين، فحتى لو قررت إدارة ترامب أن تُبلغ أنها سوف تلجأ إلى استخدام قوتها الجوية المتفوقة لمنع إيران والميليشيات الشيعية من التوسع في سوريا بشكلٍ أكبر، فإن السعوديين والإماراتيين وغيرهم لن يعمدوا إلى تطبيع علاقتهم مع إسرائيل. ومن أجل ذلك، سيكون من الضروري حل المسائل النهائية مثل قضية القدس. وبالتأكيد في هذه المرحلة، إن القادة الإسرائيليين غير مستعدين لوضع قضية القدس على الطاولة.

بيد أنّه لا يزال بالإمكان العمل في هذا الصدد. فيمكن أن يُطلب من السعوديين أن يعلنوا أنهم سيرسلون وفداً إلى إسرائيل لمناقشة التهديدات المشتركة في المنطقة والضمانات الأمنية تحت عنوان “مبادرة السلام العربية”. وفي المقابل، بإمكان إسرائيل أن تعلن أنه نظراً لالتزامها بحل الدولتين، فإنها لن تقدم على بناء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية وتتنازل عن السيادة في المناطق التي تقع شرق الحاجز الأمني​​ – أو ما يصل إلى 92 في المائة من الضفة الغربية.

وهنا، سوف يؤدي السعوديون وغيرهم دوراً منتجاً للفلسطينيين ويمكنهم الانضمام إلى الولايات المتحدة في الضغط على الفلسطينيين لوقف سعيهم إلى نزع الشرعية عن إسرائيل في المحافل الدولية، وإنهاء المساعدات الاجتماعية التفضيلية المقدمة لعائلات الأشخاص المنخرطين في أعمال العنف ضد إسرائيل، والاعتراف بوجود حركتين وطنيتين وهويتين وطنيتين – يهودية وفلسطينية – وهو السبب وراء قبول إسرائيل بحل الدولتين.

ولن يحدث أي من المذكور أعلاه من تلقاء نفسه. فمن الضروري استخدام الدبلوماسية الهادئة من أجل تسيير هذه التفاهمات وإعلانها في وقت واحد – ربما عند استئناف المفاوضات. وقد لا تكون هذه “الصفقة النهائية” التي يروج لها الرئيس ترامب ممكنة، بيد أنها قد تكسر الجمود الحالي وتُظهر أن إدارة ترامب قد أحرزت تقدماً لم تتمكن من تحقيقه الإدارة الأمريكية السابقة.