إسلام المنسي
خلافاً للموقف الذي أبدته غالبية دول العالم من النظام الفنزويلي المأزوم، وقف نظام الملالي مؤيداً وداعماً لاستكمال نيكولاس مادورو فترته الرئاسية حتى عام 2025، وتحدثت تقارير عن جسر جوي ينقل يومياً شحنات مجهولة بين طهران وكاراكاس منذ اشتعال الاحتجاجات في الشارع الفنزويلي. وبعيداً عن التباين الأيديولوجي بين النظام الثيوقراطي في طهران، ونظام مادورو الاشتراكي، فإن الأزمة الأخيرة كشفت مزيداً من جوانب تلك العلاقة البراغماتية، وفضحت دور الأذرع الإيرانية المسلحة التي تعبث بأمن دول أميركا اللاتينية، وتتخذ منها منطلقًا لعملياتها الإرهابية حول العالم. إذ تخشى إيران بشدة من سقوط نظام مادورو، بعدما استطاعت في عهده الحصول على تسهيلات كبيرة في الأراضي الفنزويلية، واصطناع عملاء لها في أروقة السلطة في كراكاس، أبرزهم الوزير طارق العيسمي، الذي ينتمي لأسرة سورية درزية، والذي ظل مسؤول التنسيق بين النظامين لفترة طويلة، حصل خلالها الآلاف من عناصر حزب الله والميليشيات الشيعية على جواز السفر الفنزويلي، الذي أتاح لهم مد شبكاتهم الإرهابية في أنحاء العالم عبر تلك الهويات الزائفة.
كما تورط فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وحزب الله اللبناني في علاقة محرمة مع عصابات المخدرات والجريمة المنظمة في كولومبيا، والمكسيك، وانخرطت كل تلك الأطراف في شبكات مصالح سرية، وحدث بينهم تعاون في عمليات غسيل الأموال، انطلاقاً من فنزويلا، وأصبحت الميليشيات الشيعية تسيطر على مشاريع اقتصادية كبرى هناك، في الوقت الذي يئن فيه عشرات الملايين من الفنزويليين بل والإيرانيين تحت وطأة الجوع والفقر.
وتخشى طهران مصيراً مشابهاً لكراكاس حال نجحت المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة في إسقاط مادورو، وهذا ما عبر عنه المستشار العسكري الأعلى للمرشد الإيراني، يحيى رحيم صفوي، منذ عدة أيام، حين قَـَرن بين أزمتي البلدين باعتبارهما تواجهان نفس التحديات والمخاطر. فالشارع الإيراني يغلي منذ ما يزيد على عام كامل، والعملة في الحضيض، وشعبية النظام في أدنى مستوياتها، على خلفية فشله في توفير الاحتياجات الأساسية لشعبه، وتبديد أموال الدولة في خدمة مشاريع طائفية توسعية لا يستفيد المواطن العادي منها شيئاً، بل يدفع ثمنها يومياً من قوته وقوت أطفاله، فيما تحافظ نخبة الملالي الحاكمة على امتيازاتها المادية.
ويرى ساسة طهران في الاضطرابات الفنزويلية مرآة لحالهم البائس، فالمظاهرات اليومية تشتعل في شوارع كاراكاس بعد فشل الاشتراكيين في تحقيق العدالة الاجتماعية رغم سيطرتهم على مقاليد السلطة، كما هو الحال في طهران التي تشهد احتجاجات شعبية متواصلة بالتزامن مع ذكرى مرور أربعين عام على ثورة لم تنجح في تنفيذ أهدافها ومطالبها المتمثلة في الحرية والرخاء والعدالة الاجتماعية، التي وعدهم بها الخميني سابقًا قبل أن ينقلب على تلك الشعارات بمجرد قبضه على زمام الحكم.
ولذا اتخذت وسائل الإعلام التابعة لإيران وحزب الله موقفًا شديد التأييد لمادورو ونظامه، ليس من أجل سواد عيون الرجل أو دفاعًا عن شرعيته الدستورية، بل حرصًا على مصالحهم في ذلك البلد اللاتيني الذي يتعاون معهم في عمليات مراوغة العقوبات الأمريكية، والذي كان الحرس الثوري يعد العدة لتحويله إلى قاعدة متقدمة له في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، ونقطة انطلاق لنشر التشيع في منطقة أمريكا الجنوبية والكاريبي، وهي المخططات التي ستنهار بصعود المعارضة الفنزويلية التي أعلن أقطابها رفضهم للحلف غير المقدس بين بلادهم وطهران.
* كاتب مصري