مقالات

لماذا تهتم الإمارات بتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي؟

إيهاب خليفة

تسير دولة الإمارات العربية المتحدة نحو المستقبل بخطى ثابتة ومتسارعة، مدركة تمامًا للمتغيرات التي سوف تحكم الحياة البشرية في المستقبل القريب، ومستعدة لها ليس فقط بالعلوم والتكنولوجيا بل أيضًا بالقرارات والسياسات، فمن دخول مضمار صناعات الطاقة المتجددة إلى غزو الفضاء إلى التحول نحو مفهوم “الدولة الذكية”. وفي هذا الإطار أعلن صاحب السمو الشيخ “محمد بن راشد” -نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة دبي- عن تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي لكي يضيف خطوة جديدة في مجال صناعات المستقبل.

وليس هذا غريبًا، فقد جاء القرار بعد أن أصبح المجتمع الإماراتي معتمدًا على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في حياته اليومية بصورة كبيرة، حيث أظهرت نتائج دراسة “المستهلك الرقمي” -الصادرة عن “إكسنتشر” للاستشارات الإدارية والاستراتيجية في أغسطس 2017- والتي شملت 26 ألف شخص في 26 دولة، أن أكثر من ثلثي المجتمع الإماراتي، أي ما يعادل حوالي 68%، يعتمدون على تطبيقات ذكية، في مقابل 31% في الدول الأخرى التي شملتها الدراسة، فضلًا عن “ارتياح” أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين (76% في الدراسة من دولة الإمارات) لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي مقابل 44% فقط عالميًّا، كما أبدى 86% من المشاركين من الإمارات اهتمامهم باستخدام الأجهزة القائمة على الشرائح الإلكترونية الجديدة، مقابل 77% في سنغافورة، و63% في الولايات المتحدة الأمريكية، و52% في المملكة المتحدة.

دوافع الاهتمام:

يُعد الذكاء الاصطناعي قاطرة التطور البشري القادم، فلا يمكن إغفال المميزات التي يقدمها لخدمة البشر على كافة المستويات الشخصية والطبية والصناعية والتجارية، بل إن تطويره في كثيرٍ من المجالات يهدف في الأساس إلى حماية البشر، والحفاظ على أرواحهم، مثل استخدام الإنسان الآلي في الأعمال الشاقة والخطرة، وفي ميادين المعارك العسكرية.

كما أنه قادر على متابعة الحالة الصحية للمرضى، وإدارة كافة شئون المنزل من التعرف على الزوار واستقبالهم، إلى التنبيه بحالة وجود أي خطر داخل المنزل، مثل: حالة الحريق، أو تعرض طفل صغير للسقوط من أعلى، أو وجود محاولة سرقة للمنزل، فضلًا عن توفير المساعدة لذوي الهمم. وبنهاية هذا العام سوف نشهد الذكاء الاصطناعي يقود حركة النقل الداخلي بدولة الإمارات، وذلك من خلال السيارات ذاتية القيادة والسيارات الطائرة، في إطار استراتيجية الدولة الطموحة لتحويل قطاع النقل إلى قطاع ذاتي القيادة يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وقريبًا سيكون الذكاء الاصطناعي قادرًا على القيام بوظائف متعددة على المستوى الشخصي، فمثلًا يمكنه التعرف على حالتك المزاجية والتفاعل معها، وترشيح المنتجات في الأسواق التي تتناسب مع ذوقك، وتحديد أين يمكن أن تجدها، كما سيكون قادرًا أيضًا على إصلاح الآلات بنفسه دون تدخل بشري، من خلال معرفة الثغرات الموجودة بالأجهزة الذكية، واكتشافها، وإصلاحها، ورصد أي محاولة قرصنة، أو شن هجمات إلكترونية، والتنبيه لها، والتعامل الفوري معها.

ولكن على الجانب الآخر، توجد العديد من التداعيات السلبية التي تجعل عملية تقنين استخدام الذكاء الاصطناعي وإنشاء مؤسسات تتولى تجنيب المجتمع مخاطر خروج هذه التقنيات عن السيطرة أمرًا ضروريًّا. فمثلًا تؤثّر هذه التقنيات على حجم ونوعية الوظائف وفرص العمل المتاحة نتيجة إحلال الروبوت محل الإنسان في كثير من الوظائف، فضلًا عن التداعيات الخطرة لانتشار بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجتمع بين يدي الأفراد، ومن الأمثلة على ذلك الدرونز التجارية، التي قد يكون لها تهديد مباشر لحركة الملاحة الجوية، فضلًا عن انتهاك خصوصية الأفراد، أو الطابعات ثلاثية الأبعاد التي يمكن استخدامها في طباعة الأسلحة أو تزوير المنتجات.

كما أن الذكاء الاصطناعي يُثير بعض الإشكاليات الأخلاقية أيضًا، فهو مصمم للقيام بوظائف مفيدة للبشرية، بغض النظر عن الظروف المحيطة أو المستجدة، فمثلًا إذا قام أحد الأطفال في المنزل بمحاولة إعاقة الروبوت عن القيام بوظائفه في تنظيف المنزل على سبيل الدعابة، فإن الروبوت سيتعامل مع هذا الموقف باعتباره تهديدًا يعوقه عن القيام بوظيفته، وقد يتسبب في مقتل هذا الطفل من أجل القيام بوظيفته التي صُمِّم من أجلها. ليس هذا فحسب، بل إن كُلًّا من “ستيفن هوكينغ” عالم الفيزياء الكبير، و”بيل جيتس” مؤسس مايكروسوفت، و”إيلون موسك” مؤسس شركة تيسلا للسيارات الذكية؛ حذروا جميعًا من قدرة الذكاء الاصطناعي على تدمير الحياة البشرية.

وبالتالي، فهناك تحديات وتهديدات أمنية وأخلاقية كثيرة يطرحها تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الحياة البشرية، مما يجعل من عملية تقنين وتنظيم استخدمه أمرًا لا غنى عنه للمجتمعات التي ترغب في دخول المستقبل، والاستفادة من المميزات التي تقدمها التطورات التكنولوجية يومًا بعد يوم، وتلافي التهديدات والمخاطر الناجمة عنها في التوقيت نفسه.

وزارات ذكية:

قديمًا، كانت هناك وزارة واحدة تشمل قطاعي التجارة والصناعة معًا، ومع تزايد التعقيدات الفنية الخاصة بكل قطاع، واتساع قاعدة المتعاملين معه والمستفيدين منه، بدأت عملية التخصص، فأصبح قطاع التجارة مستقلًّا عن الصناعة، وازداد التخصص أكثر، فأصبح هناك وزير للتجارة الخارجية وآخر للداخلية، وأصبحت هناك وزارة للصناعة وأخرى للطاقة، وتغيرت المسميات حسب الهدف المرجو تحقيقه في كل مرحلة.

ومع الثورة التي أحدثتها التطورات التكنولوجية في مختلف المجالات البشرية، بدايةً من الإنترنت، ثم الهواتف الذكية، ومنها إلى الروبوتكس، وإنترنت الأشياء، والدرونز، والسيارات ذاتية القيادة، والنقود الرقمية، والذكاء الاصطناعي؛ تغيرت أيضًا معها أشكال الحكومات ومسميات الوزارات، فظهرت مفاهيم سياسية مثل الديمقراطية الرقمية، وإلى جانب الحكومة التقليدية ظهر مفهوم الحكومة الإلكترونية، ثم تطورت لكي تصبح حكومة ذكية بعد الاعتماد على تطبيقات الهواتف المحمولة، وانتشار خدمات الإنترنت اللا سلكي على نطاق واسع.

وقد انعكست أيضًا هذه التغيرات على تسميات ووظائف الوزارات أيضًا، فإلى جانب وزارة الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات، تم تعيين وزيرة دولة لتكون مسئولة عن ملف العلوم المتقدمة، مهمتها البحث والتطوير وصناعة الكفاءات العلمية، ومسئولة أيضًا عن مجلس علماء الإمارات، وتقود باقتدار مهمة الإمارات للوصول للمريخ.

ويبدو أن هذا التوجُّه أصبح عامًّا لدى العديد من الدول، فعلى سبيل المثال أعلن رئيس زيمبابوي “روبرت موجابي” في أكتوبر الجاري عن إنشاء وزارة للأمن الإلكتروني، وذلك بسبب التهديدات الأمنية المتزايدة القادمة من الفضاء الإلكتروني، فضلًا عن إنشاء العديد من المجالس العليا المعنية بإدارة الأمن الإلكتروني في دول مختلفة حول العالم. ومع توجه العديد من الدول حول العالم لإنشاء المدن الذكية، فقريبًا قد نجد وزيرًا لشئون المدن الذكية.