مقالات

لم أجد سواها يستحق أن يكون “الوطن”

 
 
تضاء اليوم الشمعة التاسعة والأربعون التي تعني مسيرة قرابة نصف قرن، وهو ما مضى من عمر جريدة “الوطن” صاحبة الريادة دائما على المستويين المحلي والعربي، وصاحبة بصيرة التنوير، وأحد المصادر الوطنية الموثوق في مصداقيتها، وأبرز قنوات الوعي الشعبي والمجتمعي التي نشأت على الحقيقة وتحري الدقة، وارتكزت على صرح ضخم من القيم الإنسانية والمفردات الصحفية والإعلامية، وآمنت بالحتمية التاريخية لنشأة النهضة في بلادنا المباركة.
استطاعت “الوطن” خلال سنوات عمرها أن تنال لقب “الأول” فهي أول وأقدم صحيفة في السلطنة صدرت عام 1971، وأول صحيفة تطلق موقعا إلكترونيا عام 1997، وفي عام 1999 أصبحت أول جريدة تغير طباعتها إلى ورق مصقول لامع، ناهيك عن أنها الأولى دائما في استطلاعات الرأي، سواء من الجمهور أومن الشركات المتخصصة، كما أنها أول جريدة يومية تتولى القضية الفلسطينية في رسالتها الإعلامية، وأول جريدة تنشر التقرير اليومي لسوق مسقط، وتعتبر أكثر صحف العالم كفاحا لإثبات وجودها وضمان استمراريتها، فقبل طباعتها من مسقط جالت 3 عواصم أخرى تمثل قارتين هي بيروت والقاهرة والكويت، وما زالت تواجه التقلبات الاقتصادية التي عصفت بكبريات أخرى من الصحف العربية والعالمية، ولولا إيمان مديرها العام رئيس تحريرها بأهمية دورها على المستوى المحلي والإقليمي لما بقيت مستمرة ولما بقيت في أول الصفوف ليظل دورها التنويري شمسا يسطع نورها كل صباح.
انطلقت “الوطن” من مرجعية المسؤولية، فكان اختيار اسمها معبرا عن الولاء والانتماء لوطننا الغالي، فوضعت في اعتبارها مسؤوليتها الإعلامية والمجتمعية، مع مرجعية الولاء والانتماء، فكانت قناة تنويرية تعكس تلاحم الشعب والمجتمع مع النهضة المباركة، فلم تخف الجهود الرشيدة لإرساء وبناء قواعد المجد والتي تضاعفت معها ترتيبات السلطنة في المؤشرات العالمية، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية، ورافقت كل المسؤولين وممثلي الدولة في حضور الفعاليات العالمية في كل دول العالم لنقل مجهودات الدولة وانطباعات الآخر تجاه تحركات السلطنة وتفاعلها مع القضايا المحورية عالميا.
وعطفا على مبدأ الانتقائية في خدمة رسالتها الإعلامية، وتكاملها مع محيط السلطنة الإقليمي، كونت الجريدة شبكة مكاتب ومراسلين في مختلف العواصم العربية والإقليمية والدولية، وهي شبكة إعلامية لم تؤت لصحيفة أخرى، ودعمت عقيدتي التنوع والانتشار في الحصول على المعلومة، ودعما لقضيتها تعددت مكاتبها وشبكة مراسليها داخل الأراضي المحتلة من القدس إلى رام الله إلى غزة إلى الخليل وغيرها.
وكما كانت انطلاقتها معبرة عن رأي الوطن بصفة عامة، كانت صفحات الرأي ممثلة لرسالتها وأحد مسارات أهدافها، فاستعانت بكبار الكتاب والمثقفين المختصين في كتابة مقالات الرأي والتحليلات المتنوعة، وأعادت نشر مقالات لأبرز المسؤولين العالميين بمن فيهم رؤساء دول عظمى كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرهم.
ولأن الوسائل الإعلامية تعتمد على التوثيق، كانت وما زالت “الوطن” أحد أهم المصادر صاحبة المصداقية في توثيق الأحداث والفعاليات السياسية والاقتصادية والفنية والثقافية والرياضية، وكانت دائما راعيا إعلاميا لمختلف الفعاليات الوطنية عبر دوراتها المتعددة.
وضمن رسائلها التوعوية المرتبطة بنشر الوعي والتثقيف بين فئات المجتمع، أصدرت “الوطن” عددا من المطبوعات الدورية المتخصصة والتي كانت توزع أسبوعيا أو شهريا، منها ما يتعلق بالتعريف بالعادات الصحية الخاطئة وطرق وسبل الوقاية من الأمراض، ومنها ما يتناول كل مستجدات الاقتصاد وسوق السفر السياحة عالميا وإقليميا، فضلا عن تخصيص جزء من مطبوعاتها كواحة للأدباء والمثقفين تتناول أبرز المستجدات والمطبوعات والإصدارات وما يدور في خلد مثقفين السلطنة، كما لا نغفل دورها الريادي حين فتحت صفحاتها لأبناء السلطنة في التعلم والنهل من مدرستها الصحفية، فتعلم في دورها الكثيرون من أبناء المهنة ومنهم من استمر يعمل داخل الصحيفة أو ذهب ليمد بما تعلمه إلى صحف أخرى أو أماكن ملتصقة بمهنة الإعلام.
وتفاعلا مع تنظيم كأس الخليج العربي عام 2009 أصدرت مطبوعة رياضية كانت فأل خير للفوز بأول بطولة رياضية للمنتخب العماني في كرة القدم، وأفردت صفحاتها اليومية لعلماء الدين من داخل وخارج السلطنة، لمناقشة القضايا الجدلية والشائكة التي تهم المجتمع ولكن دون إخلال بمبدأ وحقوق المواطنة، في حين لم تهمل المرأة ولم تتناسي الأطفال فخصصت لهم مساحات مناسبة إيمانا منها بأنهما عصب الأسرة ونبتة المستقبل.
حديثي لا يعدد ولا يحصي منجزات الجريدة، لأن ما قدمته أكبر بكثير من أن يحصى، ولكن لأنها نبتة من نباتات النهضة وبذرة من بذور الوطن، تأملت في تاريخها، وتلمست مجهوداتها، واستشعرت مسؤوليتها، وتعلمت رسالتها، وتفاعلت مع قضيتها، واستقيت مبادئها، فلم أجد سواها يستحق أن يكون “الوطن” فكل عام و”الوطن” ورئيس تحريرها والعاملين فيها وقرائها وهم على درب المعرفة متميزون وفي الطليعة راسخون.
 
جودة مرسي