تغريد الطاسان
من سنن الله الكونية التحول والتغير، لأجل البحث عن الأفضل، أو للخروج من الأزمات والمشكلات بحثاً عن منطقة للراحة.
من نعم الله علينا أننا نشهد استقراراً سياسياً يكفل لنا ألا نخاف، بأمره تعالى، لأننا نعيش الأمن والأمان الذي تنشده المجتمعات، ولكن هذا لا يعني أن حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، التي كانت حائطاً قوياً متيناً استندنا إليه فترة طويلة من الزمن، تحتاج إلى تحديث مدروس وتغير متزن يواكب المتغيرات العالمية والمحلية المستجدة، والتفاعل مع الأحداث المتسارعة حوالينا.
وما نشهده في الآونة الأخيرة من تصحيح لبعض الأوضاع الاقتصادية رغبة في عدم تحميل الأجيال المقبلة تبعات ما يحدث الآن، ولأجل أن تستقيم الأمور الاقتصادية وفق المعايير الدولية، اضطرت الحكومة إلى تصحيح بعض الأسعار وفرض بعض الضرائب على بعض الخدمات، وفي المقابل سعت للتخفيف عن المواطنين في ذلك، من خلال فرض بدل لغلاء المعيشة وإنشاء «حساب المواطن» الذي يساعده عفي تحمل تبعات هذه المتغيرات عليه.
ونحن مع هذه التحولات أمام مسارين، المسار الأول: لا بد أن يقتنع المواطن بأن هذه الأمور ما فرضت إلا لمصلحته، فيرى تحسناً في الخدمات والمرافق، ويلمس متغيرات في البنية التحتية تجعله يشعر بأن ما أخذ منه تم استثماره لأجله وتنميته له وللأجيال التي بعده، فنحن لا نعيش الحاضر وحده، بل لا بد من التفكير في الغد والذهاب إليه، ونحن أقوى في كل شيء.
المسار الثاني، هو تصحيح حياة المواطن بتعلمه ثقافات مهمة في الاقتصاد والترشيد والتدبير وحسن إدارة الحياة، وفق المتاح والمسموح، نبتعد فيها عما لا يهم ونبحث عن الأهم، ونزن الأمور في موازينها، ونكون يقظين لكل ريال يذهب ولكل ريال يأتي.
مهم جداً أن نعرف كيف نسير حياتنا كما يجب، وأن نعرف كيف نتخطى الصعاب بلا تبعات مرهقة، الحمد لله لم يصل بنا الوضع إلى أمور نخاف منها أو نرتبك بسببها، لازال كل شيء تحت السيطرة، وبالإمكان العيش بسلام واعتزاز، من دون الحاجة إلى حلول صعبة. يهمنا في المرحلة المقبلة أن نعرف كيف نتحول إلى الأفضل، وكيف نعود أنفسنا على عادات إيجابية، ليس عيباً الترشيد ووضع سقف معين للمصروفات، ليس عيباً البحث عن أسعار أقل وعروض أرخص، لا بد من ثقافة اقتصادية واستهلاكية جديدة لنا، تجعل التاجر ينزل من برجه العاجي ويقدم لنا الجودة المطلوبة بالسعر المناسب، وإلا كسدت بضاعته وتكبد خسائر أكثر، فيبحث عن ربح معقول ويتجنب طمعه المبالغ فيه.
ليس عيباً التعامل مع الكهرباء والهاتف والبنزين وفق منهجية جديدة، ارتفاع الأسعار كفيل بتنظيم نفقات وموازنات كثيرة، فكما حد «ساهر» من المخالفات، ها هي التسعيرات الجديدة كفيلة بالحد من تبذير لا داعي له ومن وضع اقتصادي مبالغ فيه.
لا بد لنا، صغاراً وكباراً، من تعامل جديد مع مغريات الترفيه والتسوق، لأجل أن نضبط أمور حياتنا، فلا نحرم أنفسنا ولا نتكلف مالا طاقة لنا به، ولا بد لنا من أمر مهم في ظل هذه المتغيرات الاقتصادية، وهي الوقوف مع وطننا، حكومة وقيادة، في ما قرروه ورأوا فيه مصلحة لاقتصادنا وحياتنا، وألا ننجرف خلف «وسوم» مغرضة ينشئها حاسدونا من خارج حدودنا، وألا نسمح بالتطاول علينا، من خلال قنوات إعلامية همها الوحيد أن يفقد مجتمعنا ثقته بقيادته، ويبدأ في النحيب والعويل.
هذا ليس مجتمعنا، وليست هذه عاداتنا، وما حدث ليس على فئة دون فئة، بل شمل الغني قبل الفقير، والأمير قبل المواطن، مساواة وعدل بين كل الفئات، وكما تعودنا دائماً من حكومتنا، أنها متى رأت في الأمور استقامة ورفعة فاضت خزائنها على أفراد شعبها بكل الخير والسعادة.
ما نحن فيه نعيم يغبطنا عليه الكل، فلنتفاءل ولنمض معاً إلى مستقبل رغيد نصنعه ونعيشه ونحلم به.