مقالات

ماذا باستطاعة القيادة الهاشمية فعله للخروج من الورطه.. هذا هو السؤال هناك محددات لسلوكها ولتحالفاتها وقراراتها ولن تقدم على الانتحار وعلى النخب الوصولية أن تحترم عقول الناس ومهابة الظرف

فؤاد البطاينة
الأردن هو الحصان الوحيد من بين أحصنة النظام الرسمي العربي المتحالف مع امريكا ومعسكرها الذي أصبح الان في ورطة، وإن الإشادة بموقفه من الأزمة التي اثارها ترمب ليست على خلفية تصويته في الجمعية العامة مع قرار القدس، فكل الدول العربية المتحالفة معامريكا صوتت نفس تصويته ، بل إن الاشادة استحقها لأنه كان الأكثر من بين هذه الدول صدقا بتصويته والوحيد الذي كان تصويته فيه تعبير عن صدمة واحراج كبيرين .
وصدمة الملك ليست في طبيعة الموقف الامريكي من القدس والمشروع الصهيوني ، . بل لأن القيادة الهاشمية التي تميزت بتاريخ من المفاوضات بدءا مع الوكالة اليهودية وواصلت التفاوض مع اسرائيل للنهاية ، وتميزت أيضا بعلاقة تاريخية مع امريكا كضامن لها ولسياستها ، ومعطية لها الوعود . وتميزت بنفس الوقت بعلاقة وطيدة مع تاريخ القضية الفلسطينية وإعطاء الوعود بقدرتها الدبلوماسية على تسوية تضمن حقوق الفلسطينيين في القدس وفلسطين ، وجد الملك عبدالله الثاني نفسه بعد كل هذا يتحمل المسئولية والعبء الكبير عن القيادة الهاشمية التاريخية حين تفاجأ بأمريكا تقول له علنا ” لقد كنا نضحك عليكم واللعبة انتهت”.
هنا اصبح الملك في ورطة كبيرة لها خصوصيتها التي لا يحسب حسابها الكثيرون، وهي الخصوصيات التي تفرض على الملك الطريق الممكن سلوكه للخروج من الورطة . فهو يعرف خذلان اسرائيل له وتخليها عن شراكتها له وعن اتفاقية وادي عربه منذ سنين، ونتنياهو يعطيه الاشارة تلو الأخرى بذلك وبأنه أصبح عدوا مستهدفا على سبيل الأولويه ، ومع ذلك اصر الملك على تجاهل هذه الاشارات لفقدان البديل الأفضل والممكن معتمدا على الموقف والوقوف الأمريكي معه، الى أن جاء ترمب رئيسا امريكيا”مجنونا كان ام برجماتيا خالصا لا يهم ،ليقول له “لقد انتهت لعبة اسلافي معكم ، وعليك أن تختار المضي معنا على اجندتنا التي كانت تحت الطاوله أو انك ستواجه مصيرك.
الملك الأن يعلم بأن ترمب (واعذروني على هذا الاصطلاح العامي المعبر ) “شلح البنطلون” وعازم على تكريس مدة ولايته لأخذ مستحقات السقوط العربي لنفسه ولاسرائيل ، والدليل أنه لا يستهدف فعليا الا اصدقاء امريكا وحلفائها من العرب ويترك أعداءها للمشاغله . ومن يعرف تاريخ نتنياهو ، وعاصره عن قرب عندما كان مندوبا لاسرائيل في الامم المتحدة يعلم بأنه ” أزعر ” ولا يختلف في سلوكه وتصرفاته عن ترمب . إضافة لكونه ” أخر الرجال المحترمين “من الرعيل الصهيوني ، وكان عليه ليبقى في كرسيه ان ينضم للجيل الجديد من صهاينة الروس ومافياتها وقطاع الطرق وزعرانها الذين سيتابعون الحكم في فلسطين وتنفيذ المشروع الصهيوني.
المهم هنا ، أن سؤالا مبسطا تكرر في أكثر من مقال لي ولغيري مفاده ، هل بوادر التغيير عند الملك التى نتلمسها هي استراتيجية ام تكتيكيه . الإجابة على ذلك هي من خلال طرح السؤال البديل والأكثر واقعية ووضوحاوهو ، ماذا باستطاعة القيادة الهاشمية فعله او اتخاذه من موقف بعد أن فقدت أية شرعية اومصداقية لصداقتها لأمريكا ، ولعقود من المفاوضات والوعود، واتفاقية وادي عربه، إنها قيادة اصبحت الان تجد نفسها مطالبة بموقف جديد دون أن تقدم على الانتحار.
الاجابة على السؤال وماذا سيفعل الملك أمر تحكمه حيثيتان كمحظورين ومحذورين لا يستطيع تجاهلهما ولا خرقهما.
الاؤلى، هي الظروف التاريخية وهويتها السياسة الثقافية المأرشفة ، والتي تجعل من القيادة الهاشمية غير قادره على تجاهلها وعن التخلي عن أمريكا والغرب عموما.
أما الثانية، فهي أن شعب الملك عبدالله يمثل اضافة للشرق اردنيين التجمع الأكبر للفلسطينيين من جانبي النهر والمتمسكين بفلسطين وفلسطينيتهم والمعتزين بمواطنيتهم الاردنية والمتاملين بجهود الملك ، وهؤلاء يمثلون ثقل الشارع السياسي والحراكي الاردني عندما يتعلق الامر بفلسطين . ولا يستطيع الملك تجاوز ثقلهم ومشاعرهم على الاطلاق ، سيما وأن الكثيرينمن الشرق اردنيين ينضمون اليهم كجمهور وكقادة غيوريين ايضا.
من هنا فإن الملك الذي لا يجد بالاضافة لما تقدم الحليف الاستراتيجي الدولي اوالاقليمي القادر على مواجهة امريكا واسرائيل في المحصلة ، ولا على تأمين الحماية الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية للنظام وللاردن رغم ما في ذلك من مغامرة قد تكون خطيرة عليه ، فإنه أي الملك وبالمنطق التحليلي سيتخذ ، سياسة تكتيكية معتدلة هدفها الحفاظ على هدوء اعصاب الشعب وترمب معا لحين تغيير ادارته أو انتهاء فترتها ، للدخول بعدها مباشرة بمفاوضات مع ادارة جديدة متفهمة وعقلانية في برجماتيتها . على أن يكون معلوما هنا بأن صفقة القرن الترمبيه لم يعكر طرحها العلني والتفاوض بشأنها سوى الموقفين الفلسطيني والاردني الرافضين تماما للتخلي عن القدس ، فجاء القرار الامريكي على سبيل الاصرار والضغط عليهما.
وقد باشر الملك بارسال رسائل المشاغلة غير المباشره الى شعبه بالداخل توحي أو توهم بتغيير في تحالفاته الخارجية من ناحيه ، ورسائل ضغط وتحذيرات مبطنه الى امريكا واسرائيل من ناحية أخرى من خلال طرف او اطراف غير حكومية مثل مجلس النواب والوفود واتصالات شكلية . كي توحي لأمريكا بضغوط داخلية على الملك . والملك في هذا يراهن على الوقت في استقرار ونجاح سياسته هذه بدرء أية قرارات سياسية وامنية واقتصادية قد يتخذها ترمب ضد الاردن قبل انتها فترته.
وهذا لا يعني ان الدول العربية الاخرى ستكون في مأمن بل ستطالها الضغوطات بشكل متفاوت ، وإذا ما تطورت هذه الضغوطات فسيخلق هذا محورا عربيا معينا لا يتعدى مداه الاقليمي تركيا كحليفة ، ولا يتجاوز أكثر من مهادنة ايران، حتى لا يبدو هذا المحور معاديا لامريكا واسرايل ..ومن هنا فقد يستخدم ترمب ونتنياهو بعض الكوابح.
وكلمة اخيرة أقولها في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر فيها الأردن والأمة ، بأننا نشهد نخبا رجالها من اقرب المقربين للنظام وسياسته التقليدية تطل برؤوسها لتخدع الناس البسطاء بهدف غسل ماضيها أو لاقتناص فرصة جديدة . فيتجاهلون الواقع السياسي المستجد على الاردن والقيادة ، ويتجاهلون علكهم للمعلوك من الكلام الذي لا يتحقق بل ولا يُطلب دون تغيير النهج السياسي القائم ابتداء ، ويتكلمون عن انشاء احزاب وتيارات واحلام وردية ويغازلون الملك بانهم سيبعتمدون على تفعيل اوراقه وكأنهم لا يعلمون بأن الملك لو كان قادرا” حتى لا اقول راغبا” ، على تفعيلها لفعلها قبل أن يكتبها . فهم في الواقع يمارسون مفهوم شعار”عاش الملك وتسقط حكوماته ” إمعانا بالوصولية والاستهتار بمصالح الاردن وبمستقبله .ونامل من هذه النخبة المستهلكه أن توقف خطابها او تلاعبها بالساحة الوطنية ، وتغيره باتجاه ما يواجه الاردن وقضيتنا من مخاطر.
ويبقى الأمل معقود على الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية . فضعفنا وقوة عدونا وقدرته علينا كله نابع من اختراق انظمتنا العربية وتغييب سلطة الشعب.