مقالات

ما دلالة ثناء الرئيس بوتين على الرئيس كيم جونغ أون؟

أ.د. علي الهيل
أثنى الرئيس الروسي أمس على الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بأنه ربح الجولة الحالية ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وصف الرئيس بوتين إل رئيس كيم جونغ بأنه سياسي ناضج و داهية.
ما من شك في أن دلالة إطراء بوتين على كيم جونغ هي إنْ أمكن القول شماتة روسية واضحة عن عجز الدولة الموصوفة بالعظمى عن مجابهة دولة صغيرة هي كوريا الشمالية المحاصرة و المقاطعة عالمياًّ. كذلك عن أن الدولة العظمى لم تقدم أي تطمينات لحليفتيهما كوريا الجنوبية و اليابان المتضررتين من أنشطة بيونغ يانغ العسكرية سوى الكلام و المناورات العسكرية التي لا تعدو أن تكون سوى إستعراضية.
بعد سنتين من انهيار المفاوضات بين بيونغ يانغ و سول قررت بيونغ يانغ إستئناف المفاوضات مع جارتها الجنوبية التي تجمعها معها علاقات جيوبيولوطية و أواصر قربى. تعتبر خطوة بيونغ يانغ هذه تدشيناً لانتصارها الإستراتيجي على الدولة العظمى و صفعة على وجه الرئيس ترامب الذي يواجه مصاعب جمة داخل بلاده تنذر بعزله لا سيما بعد صدور كتاب مايكل وولف نار و غضب الذي فضح علاقاته مع السعودية و روسيا و كشف عن حقائق صادمة عن ما يسمى بصفقة القرن و قد تكون نهاية صفقة القرن هذه عزل ترامب نفسه كالغراب الي ظل يزن على خراب عشه. تزامن كل ذلك مع غضب الرأي العام الأمريكي أمس من تصريحاته العنصرية عن رفض المهاجرين الأفارقة و السلفادوريين و الهيتيين و الترحيب بالنرويجيين الذين ليسوا أصلاً محتاجين للهجرة على الإطلاق دعكم عن الهجرة إلى أمريكا.
الشاهد أن بيونغ يانغ فهمت أن الحديد لا يفله إلا الحديد و أن أمريكا لا تفهم سوى لغة القوة. بيونغ يانغ الآن تنضم من غير عضوية رسمية للنادي النووي و الهيدروجيني و لم تعد فحسب حققت توازن ال عب مع أمريكيا. جيرانها يعون ذلك. لذلك وافقت سول و طوكيو على الإجتماع مع الرئيس كيم جونغ أون الذي انتصر على حليفتهم الإستراتيجية و لو بمجرد التصريحات. لن يكون لأمريكا أي دور في مفاوضات الدول الثلاث الجارة و سيكون الصين و روسيا كما يرجح دور من نوع ما. الرئيس الحالي لحليفتهم أمريكا كشف عن صبينته مبكرا و بالتالي فقد مصداقيته لدى كل من طوكيو و سول و العالم. ردوده الخاصة بالزر على كيم جونغ أون كشفت عن ضحالة تفكيره و أثارت حوله موجة عارمة من التهكمات جعلته يُرى غير مؤهل لقيادة الدولة العظمى.
وجوده في الظاهر نقمة. بيد أنه في الباطن حكمة. أمس أوروبا تمسكت بالإنفاق النووي مع إيران و هي صفعة أخرى ستليها صفعات على وجه الرئيس ترامب. أكثر من ذلك، الرئيس الفرنسي ماكرون يمم شطر الصين للتنسيق حول مساعدة إفريقيا و دعم مؤتمر باريس للمناخ الذي انسحبت منه أمريكا نتيجة سياسات الرئيس ترامب المتخبطة. شراكة كبرى إستراتيجية تلوح في الأفق القريب بين الصين و أوروبا و الرئيس ماكرون يمثل أوروبا.
إيران إستوعبت الدرس الكوري الشمالي و تتبع خطواتها و هي التي كما يقال إستعانت بخبرات بيونغ يانغ النووية و الباليستية.
إعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة “لإسرائيل” حرك الإرهاصات الأولى لاحتمال عودة الكفاح المسلح في الضفة الغربية و القدس. إشعال أزمة الخليج نظير ٤٦٠ مليار دولار دفع تركيا الشريك الإستراتيجي لقطر في إتجاه روسيا لتصبح الدولة الوحيدة في الناتو التي تشق عصا الطاعة و تبتاع صواريخها إل س ٤٠٠ من روسيا و تفتح معها قنوات اتصال مفتوحة. يبدو أن أمريكا تتقلص على يد هذا الأهوج الذي يسير على نهجه أهوجات كثر هو من صنعهم و سيتقلصون معه و سيزولون قريباً. هكذا تنبىء المؤشرات من داخل أمريكا و خارجها.