المصدر: النهار العربي رستم محمود
اجتماع سابق لـ”تحالف إدارة الدولة”. (أرشيف)
بعد إقصاء رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، تتخوّف حكومة إقليم كردستان العراق من انهيار “تحالف إدارة الدولة” البرلماني – السياسي في العراق، أو تعطّله عملياً، وتالياً التخلّي عن الالتزامات السياسية والاقتصادية المُتفق عليها ضمن التحالف، التي حدّدت استراتيجية الحكومة المركزية حيال إقليم كردستان.
المؤشر الأول إلى إمكان تعطّل التحالف ظهر مع تأجيل الاجتماع الاعتيادي له، بسبب ملاحظات من حزب رئيس البرلمان، وتحفّظات أبدتها باقي القوى السُنّية، تُضاف إلى التحفّظات الكردية الشديدة تجاه سياسات الحكومة في الملف الأمني مع إقليم كردستان، وتالياً بقاء التحالف حكراً على “الإطار التنسيقي” الشيعي، وهو أمر قد يزداد تعقيداً بحسب مراقبين، في حال عدم الاتفاق على رئيس جديد للبرلمان بأسرع وقت. تحالف يتفكك؟فالتحالف البرلماني الذي تأسّس قبيل تشكيل الحكومة العراقية الحالية، تألّف بالأساس من قوى “الإطار التنسيقي” مع الحزبين الكرديين الرئيسيين، الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني، ومعهما حزبا “تقدّم”، بقيادة رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، وحركة “عزم” بقيادة خميس الخنجر. الطرف الكردي دخل التحالف بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، وتالياً تفكّك تحالف “إنقاذ وطن”، الذي كان يجمعه مع حزب “تقدّم” والحزب الديموقراطي الكردستاني، وامتلاك “الإطار التنسيقي” الأغلبية البرلمانية، وقدرته على تشكيل الحكومة المركزية، فانضوى الحزبان الكرديان في هذا التحالف، لكن بحسب مجموعة من الشروط والسياسات التي من المفترض أن تتبعها الحكومة المركزية المدعومة من التحالف، وبحسب جدول زمني محدّد، واتفاق مكتوب وموقّع من أطراف التحالف. التزامات في مهبّ الريح؟بحسب الاتفاق، فإنّ الحكومة المركزية ملزَمة بتقديم “القانون الوطني للنفط والغاز” إلى البرلمان العراقي، في مُدّة أقصاها 6 أشهر من تشكيل الحكومة، كذلك أن تفعّل اللجنة العليا لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي، المعطّلة منذ العام 2014، وأن تُيسّر الحكومة المركزية العلاقة المالية مع إقليم كردستان، إلى حين إيجاد حلول نهائية لملف النفط والغاز، ومعها تطبيع الأوضاع الأمنية في المناطق المتنازع عليها، عبر سحب فصائل الحشد الشعبي من المدن والسماح للأحزاب الكردية بالعودة إلى مقارها وتشكيل ألوية مشتركة من الجيش وقوات البيشمركة لإدارتها.
ويقول مراقبون للشأن العراقي إنه وبعد مرور عام على تشكيل الحكومة، فإنّها لم تلتزم مضامين الاتفاق، إلا نسبياً. فقانون النفط والغاز لم يُقدّم إلى البرلمان، لكن الحكومة شكّلت لجاناً مشتركة مع الإقليم للتفاوض عليها. ولجنة المادة 140 تمّ تفعيلها، لكنها لم تتخذ أي إجراءات عملية لتطبيق مخرجاتها. كذلك أبقت فصائل الحشد في المناطق المتنازع عليها، ولم تمنع القوى المقرّبة منها من شنّ هجمات على قواعد قوات التحالف في إقليم كردستان، فيما التعاون المالي مع الإقليم بعد منع تصدير نفطه عبر تركيا هو بحدّه الأدنى. نحو استقطاب سياسي مجدداً؟مصدر سياسي كردي شرح في حديث إلى “النهار العربي” مخاوف الإقليم من المسار الذي قد ينتهجه العراق خلال أكثر من عامين مقبلين، إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة وتشكيل حكومة جديدة. ويقول: “في حال عدم اتخاذ تحالف إدارة الدولة أي خطوة سياسية تجاه الحلبوسي، وهو غالباً ما لن تفعله تحججاً بالالتزام التام بقرارات المحكمة الاتحادية، فإن الحلبوسي قد ينسحب من التحالف، ومعه الكثير من الأطراف السُنّية؛ وتالياً يصبح التحالف بأغلبية مطلقة من الإطار التنسيقي، والحكومة موجودة بحكم الأمر الواقع، من دون التزام بالاتفاقات السابقة، أو حاجة للتوافق الفعّال مع باقي القوى السياسية العراقية، وتالياً الغرق في عامين من الاستقطاب السياسي التام”. وكان الحزب الديموقراطي الكردستاني قد دعا “تحالف إدارة الدولة” إلى “إجراء تقييم دقيق لقرار المحكمة الاتحادية العليا” بشأن قرار إلغاء عضوية الحلبوسي، في إشارة إلى هواجس الحزب الرئيسي في الإقليم من الحدث. وقال المتحدث باسم الحزب محمود محمد في بيان رسمي “إنّ أوضاع العراق والمنطقة مرتبكة لدرجة وجود احتمال حدوث اهتزاز كبير، وهذه الأوضاع تقع مسؤوليتها على عاتق جميع الأطراف السياسية بشكل عام والقوى المُشكِّلة لائتلاف ادارة الدولة بشكل خاص”. الباحث والكاتب آكو سرابي شرح في حديث إلى “النهار العربي” الآليات المتاحة لإقليم كردستان في حال التوقف الفعلي للتحالف عن أداء مهامه وتعهداته السياسية. وقال: “في ملاحظة سياق الحياة السياسية في العراق خلال عامين ماضيين، منذ أن حدثت الانتخابات البرلمانية في أواخر العام 2021، استمرت الأزمة السياسية لمدة عام إلى أن خرج التيار الصدري من المشهد وتشكّلت الحكومة، وهذه الأخيرة لم تطل أكثر من عام حتى ظهرت ملامح توقفها عملياً، في تشابه شبه مطلق مع حكومتي مصطفى الكاظمي وعادل عبد المهدي من قبل. فالمشكلة السياسية الجوهرية في العراق كامنة في عدم قدرة الحكومات العراقية على اتخاذ قرارات استراتيجية، ودخولها في مراحل الموات في مدة تزيد عن نصف عمرها العادي”. وتابع سرابي: “من هنا تبرز مشكلة الإقليم، لأنّ كل ما يحتاجه هو قرارات استراتيجية، من حكومة مستقرة وذات دعم برلماني واضح. تكرار ذلك يدفع الأكراد إلى واحدة من حالتين استقطابيتين: إما الاندماج التام في الإطار التنسيقي، وتالياً القبول بشروط اندماجه، أو الذهاب إلى الاستقطاب بأعلى مستوياته، وملاقاة التيار الصدري، وربما حزب “تقدّم”، الشريكين السابقين في تحالف “إنقاذ وطن”، ما يعني قطيعة مع الأحزاب المقرّبة من إيران”.