مقالات

مرجحات انفراد ابن سلمان بالحكم دون أقرانه من الجيل الثاني في البيت السعودي

المهدي شبو
في 01 أغسطس 2005 توفي الملك فهد بن عبد العزيز أكثر ملوك أسرة آل سعود تعميرا في الحكم ؛ فقد قضى 23 سنة في الملك متقدما حتى على الملك المؤسس عبد العزيز الذي امتد حكمه ل 21 سنة ، حينها سادت قناعة خارج السعودية وداخلها بقرب نقل السلطة إلى الجيل الثاني من الأسرة ممثلا في أحفاد الملك عبد العزيز ، فالعرف الدستوري الذي ساد المملكة بتداول السلطة بين أبناء الملك المؤسس كان على وشك أن يضع الزمن نهايته خصوصا أن اغلب أبناء الملك عبد العزيز الذين دخلوا دائرة السلطة كانوا قد جاوزوا السبعين .
ولقد شابهت الوضعية السعودية هاته ، وضعية مماثلة في الاتحاد السوفياتي المنهار بعيد وفاة ليونيد بريجنيف في 10 نوفمبر 1982 ، فقد حَتَّم هرم الجيل الثاني من قادة الحزب السيوعي السوفياتي نقل السلطة إلى جيل جديد بعد فترة انتقالية قصيرة قادت مُسنين هما يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرنينكو إلى رأس هرم السلطة ، لكنهما قاضيا فترة حكمهما على أسرة المستشفيات عوض أرائك الحكم ، ليأتي بعدهما ميخائيل غورباتشوف ويقود البيرسترويكا والغلاسنوست والبقية معروفة .
في الحالة السعودية بدأ التفكير في نقل السلطة إلى الجيل الثاني في حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز نفسه ، وقد رأى كثيرون في إنشاء هيئة البيعة في العام 2006 محاولة لتعبيد طريق العرش أمام الأمير متعب بن عبد الله ، وهو ما تعزز بتقليده مهام رئاسة الحرس الوطني في 2010 في أول تخصيص للملك الممارس أحد أبنائه بأحد المناصب التي كانت حكرا على أبناء الملك المؤسس ، لكن الملك عبد الله لم يستطع أن يذهب بعيدا في مسلسل التوريث الذي كان يطبخ على نار هادئة من طرف مدير ديوانه خالد التويجري ، فقد كان من الصعب عليه حينها إقصاء السديريين الثلاثة الأقوياء سلطان (وزير الدفاع ) نايف (وزير الداخلية ) ثم سلمان ( أمير منطقة الرياض ) .
ونستطيع اليوم أن نجزم بأن الحظ خدم ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان في ثلاث مناسبات ؛ أولها حين توفي ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز في حياة الملك عبد الله ، فلو امتد به العمر حتى يتسلم مقاليد الحكم لتعرض لضغط توريث المُلك لابنه بندر الذي كتب أكثر من مصدر عن طموحه لاعتلاء عرش المملكة ، بل إن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش رشحه يوما لهذا المنصب في أحد أحاديثه عن التغيير في المملكة العربية السعودية ، أما المناسبة الثانية التي خدمت طموحات الأمير الشاب فتتمثل في وفاة عمه الأمير نايف بن عبد العزيز في حياة الملك عبد الله أيضا ، فلم يكن مستبعدا أن يٌورث العرش لابنه ومساعده القوي في وزارة الداخلية الأمير محمد بن نايف الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل الأسرة ، ويحظى بدعم كثير من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية بسبب جهوده في التنسيق الأمني والمخابراتي .
على أن العامل الثالث المرجح الذي خدم الأمير محمد بن سلمان يبقى وصول والده سلمان بن عبد العزيز إلى سُدّة الحكم ، فقد مكنه من الانتقال إلى السرعة القصوى في سباقه نحو العرش مع أعمامه وأقرانه من أبناء عمومته من الجيل الثاني داخل الأسرة .
كانت خطته الأولى إنهاء تداول ولاية العهد بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز ، وإقناع هيئة البيعة وكبار الأسرة بالقبول بنقل ولاية العهد للجيل الثاني من أحفاد الملك عبد العزيز ، كانت الخطوة مفصلية بالنسبة لمساره لأنه لو سمح باستمرار التقليد القديم في تداول السلطة بين أبناء الملك المؤسس لفقد أي أمل في معانقة الملك الذي قد يذهب إلى ابن الملك اللاحق أو حتى إلى أي فرد آخر من الأسرة قد يزكيه ، فكان تحييد الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي قيل إنه تنحى طواعية عن مهمة كان هو نفسه قد قبلها عن طواعية وإصرار في عهد الملك عبد الله .
كانت الخطوة الثانية أن لا يقذف نفسه في معترك ولاية العهد مباشرة ، وإنما أن يبدأ في ظل شخصية قيادية متوافق عليها بين أفراد الأسرة وتتمتع بشعبية كبيرة في الداخل والخارج ، للحساسية الكبيرة التي يحملها تعيين ملك ممارس لابنه وليا للعهد في ظل نظام سياسي يعتمد انتقال السلطة بشكل أفقي بين الحواشي لا بشكل عمودي من الأصول إلى الفروع ، فكان اختيار الأمير محمد بن نايف وليا للعهد ، وخٌص محمد بن سلمان بمنصب ولي ولي العهد في سابقة شكل القبول بها من طرف الأسرة وفي هذا المنصب بالذات مكسبا للأمير الشاب في سعيه نحو وهج الملك.
فيما يتصل بالخطوة الأخيرة ، أثبت التاريخ السياسي في العالم كله وعبر الأزمنة ، أن انتقال الحكم بين الإخوة ممكن في حدود حيز زماني محدد وهو ما تحقق بين أولاد الملك عبد العزيز في غضون ستين سنة ، لكنه يستحيل أن يمتد بنفس الشكل بين فروعهم إلى ما لا نهاية ، ففي الحالة السعودية يصعب التوافق على طريقة للتداول على الحكم بين أحفاد الملك المؤسس ؛ فهل سيركن البيت السعودي إلى التداول بين أحفاد الملك المؤسس بترتيب مجيء أبائهم إلى الحياة ، أم باستحقاقهم واستعداد بعضهم لممارسة الحكم ، أما أن التداول سيكون روتينيا بانتظار الدور كما كان مع الآباء ، وهل سينحى أولاد الملوك السابقين (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله وسلمان) ليٌفسح المجال أمام الأحفاد ممن لم يكتب لآبائهم من أبناء الملك عبد العزيز الصعود إلى عرش المملكة ، وإذا وقع التسليم بكل ما تقدم ، ألا يمكن أن تسقط الأسرة في الصراع على العمادة داخل كل بيت من بيوت أبناء الملك عبد العزيز لاختيار مرشحها للحكم ، ثم ألا يمكن أن تسقط المملكة نفسها في ظاهرة سلبية عانت منها طويلا منذ الملك فيصل حتى الملك سلمان ألا وهي هرم القادة .
إن الحتمية التاريخية التي زكتها كل التجارب الإنسانية في الحكم العائلي ملكيا كان أم إمبراطوريا أو أميريا، فرضت دوما حتى يتسنى استقرار الحكم أن يأتي شخص ويحقق لنفسه الغلبة على الباقين إما بالحديد والنار وإما بالدهاء والمال وإما بهما معا ، وعلى يديه يتحقق الاستقرار بعد تحويل نظام الحكم إلى نظام وراثي ينتقل فيه العرش بشكل عمودي من الآباء إلى الأعقاب .
في صعوده إلى عرش المملكة العربية السعودية ، سلك الأمير محمد بن سلمان طريق الدهاء والمال في واقعتي تخلي مقرن بن عبد العزيز وعزل محمد بن نايف ، كما سلك طريق الحديد والنار في الإيقاع بالأمراء وكبار رجال المال والأعمال من مناوئيه ، وسيتضح موقفه من طريقة انتقال عرش المملكة في إجراءين أساسيين بعد توليه الحكم ؛ هما حل هيئة البيعة وعدم تعيين ولي العهد في المنظور القريب .
لكن قبل ذلك ، ثمة من يرى في الأمير محمد بن سلمان رجلا متعطشا للسلطة ومستعجلا للحكم ، وربما أقنع والده الملك سلمان – كما هو متوقع – بأن يتنازل له عن العرش ، لكن هكذا خطوة لن تكون في صالحه حسب اعتقادنا لسببين أولهما أن في بقاء الملك سلمان في الملك باعتباره عميدا للأسرة حماية للأمير الشاب في هذه المرحلة الحساسة بالذات من تاريخ المملكة ، وثانيهما أن ولي العهد في السعودية كان دوما يقوي سلطته من موقع ولاية العهد أكثر من موقعه كملك ، رأينا ذلك في تجربة الأمير فيصل مع الملك سعود ، وكذا تجربة الأمير فهد مع الملك خالد ، والأمير عبد الله مع الملك فهد .
وكما بدأنا حديثنا عن المقابلة بين التجربتين السوفياتية والسعودية في ظاهرة هرم القادة ، يجدر أن نتساءل فيما تصح المقارنة بين ميخائيل غورباتشوف ومحمد بن سلمان في القدرة على إحداث التغيير المنشود .
إن التحدي الأبرز الذي سيطرح أمام الأمير الشاب ، ليس تنفيذ نظرته لسنة 2030 وما تستتبعه من إعداد البلاد لما بعد مرحلة الاعتماد الكلي على النفط ولا تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد اللذين يسوق لهما من خلال ملاحقاته الأخيرة ، وإنما القطيعة المنتظرة هي تفكيك بنيات الدولة الدينية وزرع بذور الدولة المدنية ، آنذاك فقط سينقل المملكة المحافظة نقلة تشبه النقلة التاريخية للملك عبد العزيز منذ ما يفوق ثمانين سنة حين استطاع أن يوحد القبائل في شبه الجزيرة العربية في نطاق دولة مركزية موحدة .