مقالات

عودة الحريري الى لبنان لها مفهوم واحد للسعودية ولايران.. وهو التوطئه لعمل يقضي على سلاح حزب الله.. وبتنا في موقع أقرب لخيار الحرب والتمهيد لها.. والباقي تفاصيل.. والحوار أطرش وكذبه

فؤاد البطاينة
أفلحت المراهنة على وعي اللبانيين لاسقاط مشروع تسخير الفتنة في لبنان كخيار اسهل من الحرب المباشرة اعتمده العدو لتحقيق هدف التخلص من حزب الله ، بصفته اهم عائق أمام حركة اسرائيل وأمام فرض واقع سياسي جديد في المنطقه . وأصبح وراءنا القول بأن درهم وعي أثقل من قنطار تآمر ، فلا خذلان اسرائيل للسعودية ولا ضغوطا اوروبية كانت السبب في افشال مؤامرة بهذا الحجم شكلا ومضمونا ، وإنما عدم القدرة على تنفيذها بأيد لبنانية عانت من الحروب الأهلية سنينا ، فالحشود التي استقبلت الحريري نفسها ما كانت لتخرج للشارع في مظاهرات فتنه أهليه . ولكن ما أصبح أمامنا في المقابل أننا بتنا في موقع أقرب لخيار الحرب .
لا شك أن عودة الحريري الى لبنان ومسكه عصى الاستقالة من الوسط يترتب عليه عمل سياسي نتساءل عن مدى جديته أو خطورته ، وهل هو في سياق استحقاق هزيمة مشروع الفتنه ، ونقطه ، أم في سياق التوطئة لعمل يهيء لتدخل سياسي في لبنان يتلوه عسكري . فالرجل قد عُمِّد أو بُرمج ليكون سعوديا خالصا . وإذا ما أردنا قراءته فالكتاب في السعودية تماما كما هو كتاب حزب الله في ايران ، مع فارق كبير هو أن كتاب السعودية نشر في اسرائيل . فلبنان في الواقع لا يتمتع بمظلة حماية دولية ولا نظامه السياسي مؤهل لمظلة حماية داخلية ولا اتفاقية الطائف أسهمت في استقرار سياسي في لبنان ، وما زالت هويته طائفية أولا ووطنية آخرا وكل مكوناته الطائفية تنشد العيش بسلام تحت علم واحد نجومه بعدد طوائفه.
لو افترضنا أولا أن عودة الحريري جاءت كمستحق لهزيمة الفتنة الداخلية واسقاط فكرة القضاء على حزب الله من الداخل ، فماذا سيترتب على عودته عن الاستقالة من عمل سياسي في ضوء الأزمه ؟ ونستحضر هنا بين هلالين التالي دون أن نضع نقطة سعودية بعد هذا التالي وهو ((إن الجهة التي أقالته هي نفسها التي أعادته بعد فشل خياراتها الثلاثه على أمل خادع ومدسوس صهيونيا في احداث تغيير في الميزان العسكري في اليمن . ففشل خيار الثورة الشعبية على حزب الله وفشل خيار حاستبدال الحريري برموز أخرى ، وفشل الرهان على تجرؤ اسرائيل في فتح معركة مع حزب الله او المشاركة بها . ولم يتبق امام هذا الفشل سهم صالح ، فأعادوه رئيسا لمهمة أخرى ((.
وفي العودة لحديثنا عن العمل السياسي فإن الرئيس بري هوالمرجح أن يكون المنسق لعملية الحوار والتفاهم كونه عامل توازن مقبول للجميع تقريبا والأقدر والأكثر انتاجية بحكم موقعه الرسمي والشعبي وتأثيره من حيث الضمانات . ومن الطبيعي أن تكون بداية طرح الكلام من الحريري على شكل طلبات بتنازلات من حزب الله . فماذا ستكون طبيعتها ؟ . من الواضح أن سلاح حزب الله لن يكون مطروحا لنقاش . بل وجهته هي التي قد تكون . وأن وجهته نحو اسرائيل لن تكون مطلبا لأحد ولا مطروحة لنقاش . فتبقى وجهته في الواقع قائمة في سوريا والعراق . وهذه لن تكون عقبة الأن في الحوار حيث لم يعد هناك حاجة لسلاح حزب الله في البلدين أمام تلاشي ثقل الارهاب وبدء العملية السياسية، بل أن نصر الله مهد لعودة مقاتلي الحزب من هاتين الدولتين . وتصريحاته الناعمه هي في سياق تصريحات المنتصر غير المستفز ، على مؤامره .*
وبناء على هذا الطرح فقد تتمخض المسرحية المنتهيه في لبنان على مكاسب سياسية لبنانية لا سعودية وخلفها علامة استفهام ، وبعيدة عن المساس باتفاقية الطائف التي قبلها الجميع واصبحت لصيقة بالدستور . هذه المكاسب السياسية المطلوبة ستكون على الأغلب هيكلية وتصب من ناحية ثانية باتجاه التأثير في القواعد الانتخابية ونتائج الانتخابات وستكون إن حصلت على حساب مكتسبات حزب الله السياسيه وهذا شأن له ، ولحزب الله وحده أن يقرر إن كان شأنا حصريا له وبلا تداعيات عليه . فهو حزب مرتبط عقائديا وماليا وسلاحا بإيران ، رغم أن هذا الارتباط متعقل في سلوكه السياسي والاداري وفي مقومه الجهادي ضد اسرائيل بما يكفي لتهزيء السلوك السعودي اتجاه حليفه اللبناني . *
أضم صوتي لصوت القارئ بأن هذا السيناريو فيه تبسيط كبير للحاله وللأزمة كون خيوطها وأبطالها الحقيقين هم ليسوا لبنانيين ولا يقدمون مصلحة لبنان على مصالحهم. فالهدف لايران هو بقاء سلاح حزب الله والهدف للتحالف الاسرائيلي هو زوال سلاح حزب الله . ولن يقبل كلا الطرفين بأقل من ذلك . *
فعودة الحريري الى لبنان لها مفهوم واحد للسعودية ولايران ، وهو التوطئه لعمل يقضي على سلاح وشوكة حزب الله . وقد استبقت ايران وأعقبت هذا المفهوم بتصريحات لا لبس فيها بالاصرار على بقاء هذا السلاح وحمايته وتغذيته ، واكبها التلميح باستعداد حزب الله على تقديم تنازلات سياسية وترشيد وجهة المقاومة دون المساس بها . في حين فاجأتنا السعودية بتسويق عودة حرة للحريري عن الاستقالة وبأن الشأن خالص له وللاطراف اللبنانية . لكن ما لفت الانتباه هي زج العبارة الملتبسة مع عبارة اخرى كررهما الحريري في خطابه من بيت الوسط بحماس . فقد حرص على عبارة عروبة لبنان وهذا حق لا ننكره بل ندعمه لكنها عبارة موجهة لايران حصرا لا لإسرائيل ، ويراد بها الحرب ، خاصة عندما تزاوجت بقوة مع شعار لبنان أولا المستورد للدول العربية والمطبق في السعودية وفي كل الدول العربية بمفهومه ومضمونه المضللين باتجاه القضاء على عروبة الدول العربية ، فهذه العبارة وأقصد عروبة لبنان كانت استباقية وتخدم التلاعب بطبيعة الحوارات التي سيقبل عليها .
من هنا فإن عودة الحريري والحوارات اللبنانية المزمعه لن تخرج وجهتها حريريا عن اتجاهين هما إما وصول تلك الحوارات لطريق مسدود ومأزوم يمهد لتدخل خارجي ، أو لصنع تحالفات طائفية تطلب التدخل الخارجي وكلا الخيارين يعطي فرصة من الوقت لاستكمال المتطلبات الفنية العسكرية والسياسية لتشكيل حلف عسكري خارجي .
ومهما كنا متفائلين بدوام حزب الله ما دامت اسرائيل قائمة ، فإن المنطق الحسابي يقول بأنه سيواجه أجلا ام عاجلا صعوبات وستكون امريكا واسرائيل مستعدتين لدفع الثمن ومنشغلتين في تخفيفه ، وإيران المعاصره ما كانت يوما لاعبا سياسيا فاشلا . ولا أرى مصيرا للبنان غير المصير العربي . ولا أرى مطلبا يقوم على أسسه سوى الطف في قدر الله .