ياسر رافع
القرن العشرين سيظل لقرون متعدده قادمه علامة فارقة فى التاريخ الإنسانى ، فهو قرن الأيدولوجيا والأفكار العظيمة ، ولكن ما أن شارف على الإنتهاء فإذا ما تبقى منه لا يعدوا أفكارا وبقايا أفكار متناثره هنا وهناك لعل أشهرها فكرة الديموقراطيه والدوله الوطنيه واللتان تعانيان سكرات الموت مع بدايات القرن الحادى عشر ، والذى فيما يبدوا سيكون مغايرا تماما للقرن العشرين .
ففى إمارة دبى عقدت الدورة السادسه من ” القمه العالميه للحكومات ” ، وعلى هامش تلك الدورة عقدت ندوة إستضافت الكاتب الأمريكى الشهير ” فارنسيس فوكوياما ” الذى تحدث عن الديموقراطية ومأزقها فى العالم المتحضر صاحب تواجدها وإنتشارها قائلا :
” أنا برأيى أن إحدى التحديات الكبرى للنظام العالمى الحر يأتى من داخل الدول الديموقراطية فى أوروبا والولايات المتحده فكان هناك حركه شعبوية ضد العولمة ، الجميع لا يستفيد من التجارة الحرة ، هناك فئات إجتماعية تخسر وظائفها أيضا هناك مشكلة الهجرة وهى مشكلة هوية ، رأينا موجات هجرة غير مسبوقه وهناك رغبة فى الحفاظ على الهوية الوطنية وبالتالى فإن الدول التى بنت هذا النظام بدأت تنقلب عليه مما يؤدى إلى خطر يحدونا “
صرخة أطلقها كاتب يرصد ويحلل مأزق آخرالأفكار العظيمة والتى تعانى سكرات الموت فى معقلها تحت وقع المأزق الإقتصادى الرأسمالى العالمى الذى إختطفته مجموعة ” الليبراليون الجدد ” أسياد العالم الجدد ، الأمر الذى أدى إلى مشكلات إقتصاديه أعقبت دوله ” الرفاه ” فى أوروبا مما أدى إلى ظهور نعرات الوطنيه الشعبويه يتزعمها اليمين المتطرف الذى رأى فى الشكل الديموقراطى الحالى ذوبانا وتلاشيا فى الأخر الفقير وخاصة بعد عجز الديموقراطيه فى نظرهم عن التصدى لظاهرة الهجرة الغير شرعيه التى أوجدت أوضاعا جديدة وأفكارا جديده تطال الهوية الأوروبية الثقافية والدينية ، وهو ما أدى إلى تغييرات حادة وقوية فى مسار النظام الديموقراطى وأوجد واقعا معاشا لا يقبل الشك فى أن الديموقراطيه بشكلها القديم فى طريقه للزوال ، نلحظ بدايتة مع صعود الرئيس الروسى ” بوتين ” والذى تحايل على النظام الديموقراطى كرئيس دوله ثم رئيس وزراء ثم رئيس دوله مرة أخرى ، وصولا لصعود تيارات اليمين السياسى والدينى فى أوروبا وتوليه رئاسة الحكومات ، حتى بلغت الأزمه أوجها مع تولى الرئيس الأمريكى ” ترامب ” الذى إعتمد على إثارة النعرة الوطنيه الشعبويه للوصول للبيت الأبيض تحت ضغط المأزق الإقتصادى الذى يعانيه المواطن الأمريكى .. وبذلك كانت النتيجه الطبيعيه أن تصدر الصين قانونا يتيح للرئيس الصينى تولى الرئاسه مدى الحياة وهى التى كانت تهيأ نفسها للدخول لعالم الديموقراطيه للتو مما قطع الشك باليقين بأن النظام الديموقراطى العالمى على وشك التغييرات الحادة وربما الإندثار كغيره من أفكار القرون السابقه .
ولم تسلم من بوادر الإنهيار درة تاج القرن العشرين ” الدوله الوطنيه ” والتى عبرت عن حلم الشعوب الفقيرة والمضطهده فى الإستقلال من نير الإستعمار الذى جثم على صدورها مئات السنين ، والتى حلمت بالتنميه والمستقبل المشرق ، ولكن على الرغم من قطع تلك الشعوب ودولها الوطنيه لأشواط فى التنميه بدرجات مختلفه إلا أنه مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين فقد بدا أن مفهوم الدوله الوطنيه يعانى السقوط وربما سكرات الموت وينتظر تشييعه بين الحين والأخر بعدما فشلت أنظمة الحكم والحكومات المختلفه لتلك الدول منذ منتصف القرن العشرين وحتى الأن فى تحقيق أحلام شعوبها والتى تعانى الفقر والبطاله ومأزق إقتصادى متدهور وهو ما دعى إلى صك مصطلح جديد ” ما بعد الدوله الوطنيه ” يوضح مأزق الدوله
Financializationالوطنيه التى أصبحت تحت سيادة ما عرف إصطلاحا
والذى يعبر عن الظاهره الماليه العالميه الجديده العابره للحدود والتى تعبر عن تفكير الليبراليون الجدد الذين يحكمون العالم بأفكارهم وأدواتهم الآن والتى لم تعد حدود الدول عائقا حقيقيا أمام تمددها ، وأصبحت فكرة الدوله الوطنيه على المحك بمفهومها القديم والتى أصبح لزاما عليها أن تتغير لتواكب التغيرات الكبرى فى النظام العالمى الذى يتشكل فى غياب الأيدولوجيا والأفكار الواضحة المعالم ، وما أسلوب المناطق الحره فى الدول إلا بدايه أعقبها ظهور المشاريع الكبرى على مساحات تطال أجزاءا من دول متجاوره ومجتمعه
هنا يثور التساؤل ماذا على مصر أن تفعله وسط هذا التغيير الحادث الذى نحن لا محالة سنتماهى معه شئنا أم أبينا ؟
الإجابه حتما صعبه ولن تكون الإجابه سهله ويسيره لأنها تتطلب أن تكون هناك رؤيه شامله وواضحه للدور المصرى فى الإقليم وفى العالم نابعه من توافق مجتمعى على شكل التعامل مع القادم فى المستقبل يكون فيها الشعب والنظام السياسى على درايه بأبعاد ما يحدث من حولنا ، قبل أن نصحوا على ما كنا عليه قبل الإستقلال الوطنى .. شكل ديموقراطى وإستعمار خارجى ..