حلم مارتن لوثر وحلمنا
قال مارتن لوثر كينغ يوماً: «لا يمكن الظلام أن يطرد الظلام». بعد مرور خمسين سنة على اغتيال رائد الحقوق المدنية ما زال الظلام «الأبيض» يخيم على الولايات المتحدة وعلى العالم ، والحلم بالمساواة الذي كرِّس على الورق تمحوه الممارسات اليومية. النازيون الجدد وكلوكلوكس كلان والمحافظون الجدد يتحكمون بمفاصل الحياة السياسية داخلياً وخارجياً. العنصرية تتفشى بدءاً من البيت الأبيض وتنتشر في أصغر الأحياء. «أعطي الزنوج شيكاً من دون رصيد»، على ما قال كينغ. أما وصول أحدهم إلى البيت الأبيض فكان الخطأ الذي يثبت القاعدة. لم يجرؤ أوباما على تحدي أعراف الطبقة السياسية والدولة العميقة.
عام 1968 اغتيل مارتن لوثر عندما بدأت حركته تحقق بعض مطالبها، اغتيل وهو في طريقه إلى مخاطبة عمال مضربين يطالبون بحقوقهم، وقد ربط الفقر واللامساواة بحرب فيتنام. أي عندما كانت واشنطن تصرف بلايين الدولارات على تلك الحرب وتحرم شعبها من أبسط حقوقه في السكن والطبابة. وعندما كانت تنشر الحرية بقوة الحديد والنار على بعد آلاف الأميال وتزج أي معترض أو رافض للتجنيد في السجن، بينما مئات الجثث تصل تباعاً من أرض المعركة، والأفارقة الأميركيون يناضلون للاعتراف بهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.
بعد مرور هذا الوقت لم يتحقق حلم مارتن لوثر. صحيح أن بعض السود وصل إلى مراكز في السلطة والإدارة والوظائف الرفيعة. لكن العنصرية آخذة في التصاعد. ويوضح استقصاء أن التسامح قبل خمسين عاماً كان حاضراً أكثر منه اليوم، وأن أوضاع متحدات السود تراجعت في الوقت الحاضر، على ما يفيد عالم الاقتصاد فاليري ويلسون الذي يقول أن العنصرية «ما زالت العامل الأساس في تحديد مستوى حياة الأفارقة السود في عدد من الولايات». ويضيف أن «البطالة منذ ستينات القرن الماضي ما زالت كما هي في هذه المتحدات، تزيد الضعف عما هي عليه في متحدات البيض». ويلاحظ أن الفقر الذي كان منتشراً وسط السود (2,5 عام 1968) ما زال على ما هو. وبالإضافة إلى ذلك فعمليات القتل التي تقترفها قوات الأمن بحق السود تشكل اليوم قضية وطنية. وعنصرية القضاء تلحق ضرراً كبيراً بالأميركيين الأفارقة وتحولهم مجرمين بسبب لون بشرتهم».
ويفيد «مركز الفقر في الجنوب» أن هناك ستمئة جماعة عنصرية متطرفة تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وبدأ عددها يتصاعد منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بتشجيع من كبير مستشاريه ستيف بانون.
هذا بعض من المشهد الداخلي الأميركي، بعد خمسين سنة على اغتيال مارتن لوثر كينغ. أما عن السياسة الخارجية فحدث ولا حرج. تكفي نظرة بسيطة إلى الشرق الأوسط للتأكد من أن البيت الأبيض، على اختلاف العهود، ما زال يؤجج الحروب أو يشنها أو يحرض عليها. لا تعد إلى الوراء كثيراً. ولتبدأ من حرب أفغانستان في الثمانينات حين دمرت البلاد للتخلص من الشيوعية ثم دمرت مرة أخرى عام 2001 انتقاماً من «القاعدة»، كل الرؤساء الذين تولوا السلطة لم يحسموا الحرب. وما زالت الإدارات المتعاقبة مصرة على نشر القيم الأميركية في هذه البلاد التي لم تعد بلاداً. ثم لا ننسى حرب العراق التي شنت بناء على كذبة أسلحة الدمار الشامل التي لم يكن لها وجود في ما بين النهرين، ولم يكن لزعيم «القاعدة» أي اثر في البلاد. وبعد الاحتلال ازدهرت الديموقراطية والحريات وتعززت الطائفية والعرقية وانتشرت «القاعدة» و «داعش» وأخواتهما فيها. وأصبح لدى البيت الأبيض حجة مضافة للاستمرار في الحروب، في ظل حكم بوش الأب ثم كلينتون فبوش الابن وأوباما والآن في عهد ترامب.
وهل نتحدث عما حصل ويحصل في ليبيا وسورية وفلسطين التي أصبحت دولة يهودية باعتراف ترامب؟ أم نتحدث عن تريليونات الدولارات التي أنفقت على هذه الحروب وملاين القتلى والجرحى، والدمار الذي لحق بالمدن والقرى والأرياف وتقسيم المجتمعات والدول إلى موالية لواشنطن راضخة لإرادتها، ومعادية يجب إبادتها؟
كان لدى مارتن لوثر كينغ حلم بالمساواة. ولدينا حلم بالتحرر من الحروب الأميركية.