مقالات

مصير فلسطين ما بين كوستاريكا وإقليم كردستان العراق

جلال سلمي

خريج علاقات دولية وعلوم سياسية جامعة توب بأنقرة، يعمل حاليًا في مركز الشرق للسياسات.

طفل فلسطيني يقف أمام سياج لقوات الاحتلال الإسرائيلي
تغرس المناهج الدراسية والحكاوي المجتمعية والمهرجانات الثقافية وغيرها، في نفس الفلسطيني منذ نشأته وحتى كهولته، مثالية الإيمان العميق بضرورة تحرير فلسطين كوحدة واحدة، غير أن الواقع الحاليّ يبيّن أن فلسطين أمام مصيرين هما كوستاريكا أو إقليم كردستان العراق.

في مقابلته الصحفية مع قناة البي بي سي البريطانية، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حل الدولتين يجب أن يضمن درء المخاطر عن المواطنين الإسرائيليين بعد تحقيقه، لذلك رأى أن طبيعة الدولة الثانية مهم جدًا، مشيرًا إلى أنه يقبل أن “تصبح فلسطين ككوستاريكا بعلم وعملة”.

لقد اتخذت كوستاريكا التي تقع في أمريكا الوسطى أو وسط أمريكا اللاتينية، قرار إلغاء الجيش عام 1949، ومرد ذلك، وفقًا لخوسيه إنريكي كاستيلو سفير كوستاريكا لدى الولايات المتحدة الأمريكية، عدم “حاجة” البلاد إلى جيش قوي لخوض حرب استقلال كما الحال مع الدول الأمريكية اللاتينية الأخرى، ونتيجة لاندلاع حرب أهلية عام 1948، حيث وجدت الثلة الحاكمة حينها أنه لا بد من فض الجيش لتفادي الحروب الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.

إذًا، نتيجة إلغاء الجيش عدم وجود “حرب استقلال”، وهنا يبدو أن نتنياهو يجهل تمامًا ما الدافع لذلك، وينظر إلى الحالة الظاهرة فقط، وانطلاقًا من ذلك، تصبح كوستاريكا حالة معاكسة تمامًا لوضع فلسطين التي ترزح تحت احتلال بشهادة الوثائق والمنظمات الدولية.

أيضًا، عند متابعة حالة كوستاريكا، يُلاحظ أنها تتمتع بسيادة وطنية كاملة، لا تحدها قوانين أو إملاءات أو شروط خارجية لنوعية تملكها القوة التي ترنو إليها.

يبدو أن الأطراف الراعية للسلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، لا سيما الولايات المتحدة، قد تنأى بنفسها عن هذه العملية، لجهة عدم تكرار سيناريو اتفاق أوسلو الذي يشابه هذه الحالة

من جديد، يرى رئيس وزراء الكيان الصهيوني في كيانه العظمة التي تؤهله “للمّن” على الفلسطينيين بدولة مقامة على جغرافيا هو من يحدد حدودها ونطاق سيادتها، بصفته “صاحب الفضل”، وبالطبع، لا يأبه بنطاق القواعد الآمرة.

التي تنقض أي اتفاق أو معاهدة تتنافى مع القيم القانونية المتعارف عليها، بمعنى أن اشتراط نتنياهو قيام دولة فلسطين بانتقاص عدد من حقوقها السيادية التي من ضمنها تأسيس الجيش، والتي تأتي ضمن القواعد الآمرة التي تأبى الانتقاص من الحقوق الأساسية، يعتبر غير قانوني.

وإن وُقع اتفاق في ضوء ذلك بين “إسرائيل” وطرف من الفلسطينيين، لا يحرم الفلسطينيون، بشكل عام، من نقضه، والاتجاه نحو مقاومته بالشكل الذي يرغبون، وبالطبع، القانون الدولي يحتاج دومًا إلى قوة هائلة تنفذه، فهو يحتكم إلى قوة وإرادة الدولة أو الجماعة التي تريد تطبيقه.

في سياق ذلك، يبدو أن الأطراف الراعية للسلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، لا سيما الولايات المتحدة، قد تنأى بنفسها عن هذه العملية، لجهة عدم تكرار سيناريو اتفاق أوسلو الذي يشابه هذه الحالة، حيث انتهى بحرمان الفلسطينيين حق تقرير المصير، من خلال التأكيد على عدم تأييده لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وبالتالي فقد قيمته العملية باندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وقد تتجه هذه الأطراف إلى طرح سيناريوهات أخرى لعملية الحل.

وباختلاف الجوهر والهدف والأساس، تُشبه المناطق التي تخضع لسيطرة الفلسطينيين النسبية، بوضعها الحاليّ، إقليم كردستان العراق.

من دون تغيير الهيكل الداخلي المتشظي، يصعب فرض أي طموح فلسطيني، ويظل نتنياهو يعرض علينا عروضه التي يراها مناسبة لكيانه

الأرجح أن قطاع غزة هي أربيل، حيث السيطرة البرية الأكبر وشبه الكاملة للفلسطينيين، بلفت الانتباه إلى انعدام السيطرة الجوية والبحرية، الضفة الغربية هي السليمانية، أربيل تتميز بالسيطرة الأوسع والاستقلال الأكبر عن بغداد مقارنة بالسليمانية التي تحابي بغداد وطهران، وكذلك الحال في غزة مقارنة بالضفة الغربية التي تقودها السلطة الفلسطينية، في الوقت الحاليّ على الأقل، تحت صيغة القبول بالسلام الذي يحابي الطموح الإسرائيلي والأمريكي إلى حدٍ بعيد.

وبتأكيدي على اختلاف الحالة الفلسطينية التي تسعى لاستعادة أرضها وطرد المحتل، عن الحالة الكردستانية التي ترمي إلى الانفصال عن وطنها الأم، لم يستطع الإقليم المنقسم على حاله تمرير مجرد استفتاء على الاستقلال، وفي ذلك رسالة واضحة للفلسطينيين، وهي ضرورة توحيد الصف من أجل تقرير المصير.

في المحصلة، لقد باتت القضية الفلسطينية من أقدم القضايا التاريخية السياسية العالقة في الساحة الدولية، وإن كان الذي سأطرحه ورديًا، إلا أنه يبقى أمرًا ضروريًا لا بد منه، ألا وهو ضرورة رص الصف الفلسطيني، كما نجح في ذلك الفيتناميون في القسم الشمالي من بلادهم على الأقل، ومحاربو العنصرية في جنوب إفريقيا، من أجل تأسيس هيكل بنيوي صلب يكسر أو يغير، على الأقل، موازين القوة، ويُرغم “إسرائيل” على المثول للطموح الفلسطيني في استرداد الحقوق المسلوبة، ومن دون تغيير الهيكل الداخلي المتشظي، يصعب فرض أي طموح فلسطيني، ويظل نتنياهو يعرض علينا عروضه التي يراها مناسبة لكيانه.