ثقافه عامه

معجزة تكنولوجية.. عن إحياء الموتى افتراضيًا

دالفين براون

منذ حوالي ثماني سنوات، انطلق عرض الموسم الثاني من مسلسل الخيال العلمي “المرآة السوداء” على شبكة نتفليكس بحلقة تجمع بين الأحداث الغريبة والحزن. في الوقت الحالي، أصبحت التكنولوجيا المستخدمة في ذلك المسلسل جزءا من واقعنا.ينطلق المسلسل بتعريف المشاهد بشخصية مارثا، وهي إمرأة شابة تعيش حالة من الحزن بسبب فقدان شريكها آش الذي توفي في حادث سيارة. خلال الجنازة، تكتشف مارثا خدمة رقمية تمكنها من التواصل مع روبوت دردشة يمثّل شريكها الراحل. شاركت مارثا في العملية على مضض، وقالت لـ آش المزيف: “جئت إلى هنا لأقول لك شيئا واحدا فقط. أنا حامل”. يرد عليها الروبوت: “رائع. إذا، سأصبح أبا؟ تمنيت لو كنت معك”.كانت هذه الحلقة المؤلمة تستند إلى فرضية ليست بعيدة المنال حاليا، حيث تتسابق الشركات لإنتاج نسخ بشرية رقمية قادرة على التفاعل مع أشخاص في العالم الحقيقي. في الشهر الماضي، تحدثت أنباء عن حصول مايكروسوفت على براءة اختراع لبرمجيات يمكنها أن تجسد الناس في شكل روبوتات دردشة. حصل عملاق برامج الكمبيوتر على براءة اختراع روبوتات دردشة تفاعلية تحاكي الأشخاص، سواء كانوا أحياء أو أمواتا. ومن المقرر أن يعمل البرنامج عن طريق استخدام بيانات الشخص من منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل النصية، تماما مثل البرنامج الذي ظهر في مسلسل “المرآة السوداء”.جاء في نص براءة الاختراع أنه “يمكن استخدام البيانات الاجتماعية لإنشاء أو تعديل معيار خاص فيما يتعلق بشخصية المعني بالأمر”. بعد ذلك، تستخدم مايكروسوفت هذه المعلومات لتدريب محركات التعلم الآلي، وستكون النتيجة برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه “التفكير” والرد مثل الشخص الذي تعرفه.تخيل أنك تكتب رسالة إلى صديق متوفى، ثم تتلقى ردا من روبوت دردشة يجسد شخصيته. أو تخيل أنك تجري مكالمة فيديو مع نسخة ثنائية الأبعاد لشخص ميت. هذه هي الإمكانات التي سيتيحها الابتكار الجديد من مايكروسوفت.في الواقع، قد يوفر هذا البرنامج بعض الراحة النفسية المؤقتة للأشخاص الذين يعانون من فقدان أحد الأحباء. ولكن خبراء علاج الحزن يرون أن عملية إحياء الموتى افتراضيا عبر روبوتات الدردشة قد يكون له تداعيات خطيرة على المدى الطويل.لا يوجد حاليا ما يمنع مايكروسوفت أو أي شركة أخرى من تطوير هذه البرامجتقول إليزابيث توليفر، الأستاذة المساعدة بجامعة نبراسكا أوماها، والتي تقوم بدراسات عن الحزن: “أخشى أن يتحول الأمر إلى ما يشبه الإدمان. أنا قلقة من أن يرغب الناس بالمزيد من التكنولوجيا ليشعروا بأنهم أقرب إلى الشخص الذي فقدوه، بدلا من أن يعيشوا ما تبقى من حياتهم”.ويتساءل آخرون عن المشروعية الأخلاقية وراء البحث عن ذكريات تركها الموتى على منصات التواصل الاجتماعي بهدف جني الأرباح. لم تذكر مايكروسوفت السبب الذي جعلها تتقدم بطلب للحصول على براءة الاختراع، لكنها أشارت إلى تغريدة سابقة نشرها المدير العام لبرامج الذكاء الاصطناعي بالشركة، قال فيها “لا توجد خطة لذلك”، قبل أن يصف هذه التكنولوجيا لاحقا بأنها “مزعجة”.وفقا لخبراء الذكاء الاصطناعي، لا يوجد حاليا ما يمنع مايكروسوفت أو أي شركة أخرى من تطوير هذه البرامج. في الواقع، نحن نعيش في عصر تميزه رأسمالية المراقبة، حيث أصبحت بياناتنا الشخصية معروضة للبيع. كما أننا نعيش ثورة ذكاء اصطناعي تفتح آفاقا جديدة لاستنساخ البشر، فيما تتسابق الشركات لتطوير نسخ تقدم مجموعة واسعة من الخيارات.تمتلك شركة غوغل براءة اختراع لنسخة رقمية تجسد “السمات العقلية” للأفراد، بينما تقوم شركة البرمجيات النيوزيلندية “يونيك” بتسويق نسخ بشرية رقمية تحاكي التفاعلات الإنسانية بدرجة عالية من الدقة. وتعمل شركة “بريون” لبرمجيات الذكاء الاصطناعي على تطوير تكنولوجيا تحاكي مشاعر الموظفين لتحسين جودة روبوتات الدردشة. تقوم التكنولوجيا على تخزين كل ما يعرفه الموظفون من معلومات وإنشاء مساعد افتراضي يمكنه الإجابة على الأسئلة بدرجة أعلى من الدقة.أحد الأسباب الرئيسية لتسابق شركات التكنولوجيا على تطوير روبوتات الدردشة هو محاولة الاستفادة من قوة التنبؤ التي تقدمها هذه البرامج لزيادة معدلات الاستهلاك. والفكرة هو أن الشركات تستطيع من خلال التواصل معك عاطفيا والتعرف على أفكارك، مساعدة العلامات التجارية على تقديم منتجات أفضل.ظهرت روبوتات الدردشة التفاعلية منذ سنوات، وقد استُخدمت غالبا للإجابة عن أسئلة عامة عبر الهاتف أو على مواقع الويب. أصبحت هذه التقنيات أكثر ذكاءً مع مرور الوقت عبر إضافة تقنيات “الذكاء العاطفي” و” التزييف العميق” و”التوليف الصوتي”.يدعم هذا النوع من التكنولوجيا مشاهير منصات التواصل الاجتماعي مثل منسقة الموسيقى ميكيلا، التي يبلغ عدد متابعيها على إنستغرام 2.9 مليون شخص. وعلى مستوى الهواتف الجوالة، يتيح الذكاء الاصطناعي إمكانية الاستعانة بالمساعد الشخصي الافتراضي، على غرار “سيري”.وفقًا لمدير تجارب الذكاء الاصطناعي بشركة “إنتويت”، كيسي فيليبس، من الممكن تطوير روبوتات محادثة تتمتع بقدر كبير من الدقة مع استمرار الناس في عرض بياناتهم الشخصية على الإنترنت.ويوضح فيليبس: “بإمكاننا إنشاء روبوت محادثة شخصي إلى حد ما، لا سيما عندما نعتمد على بيانات شخص يعيش في عصرنا الحاضر. نحن نعرض باستمرار معطيات يمكن تخزينها. يمكنك أخذ هذه البيانات واستغلالها من خلال برنامج ذكاء اصطناعي للتنبؤ بكيفية استجابة هذا الشخص لعدد من الأشياء”.تثير فكرة روبوتات الدردشة الخاصة بالموتى العديد من الأسئلة الأخلاقية حول انتهاك الخصوصيةبالنسبة لروبوتات الدردشة التقليدية، تلجأ الشركات إلى الوكالات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتي قد تتقاضى مئات أو ربما آلاف الدولارات شهريًا لخدمة العملاء أو تشغيل روبوتات الدردشة على الويب القادرة على الإجابة على عدد محدد من الأسئلة. في المقابل، سيكون إنشاء برامج لتشغيل روبوتات المحادثة الشخصية مشروعا أكثر تكلفة. أوضح فيليبس أن ذلك قد يكلف عشرات الملايين من الدولارات كل عام لدعم فريق من علماء البيانات والمهندسين والمطورين ذوي المهارات العالية.أظهرت بعض التجارب السابقة أن هذا المشروع قابل للتطبيق. سنة 2016، طوّر الرئيس التنفيذي لشركة “هير آفتر”، جيمس فلاهوس، برنامج دردشة تفاعليًا أطلق عليه اسم “دات بوت”، وكان مبنيًا على شخصية والده الراحل. في السنة ذاتها، طورت البيلاروسية يوجينيا كويدا برنامجا رقميا يحاكي شخصية صديقها المتوفى باستخدام الرسائل النصية التي أرسلها إلى أصدقائه قبل وفاته في حادث سيارة.تثير فكرة روبوتات الدردشة الخاصة بالموتى العديد من الأسئلة الأخلاقية حول انتهاك الخصوصية، إذ يشبه الأمر سرقة الهوية، ولكن بطرق تقنية متطورة. وقد تظهر حدود لدقة تلك الروبوتات لأن الأفراد لا يشاركون سوى جوانب معينة من حياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لذا فإن الخوارزميات التي تعتمد على هذه البيانات لن تتمكن من محاكاة الشخص بدقة. تشير براءة اختراع مايكروسوفت إلى أنه بإمكان الشركة استخدام ما يُعرف بـ”التعهيد الجماعي” لسد أي ثغرات. بعبارة أخرى، يمكن أن يقول برنامج الدردشة أشياء لم ينطق بها الشخص المعني مطلقًا. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يحاول محاكاة شخص ما، إلا أنه يختلف تماما عن الإنسان في نهاية الأمر.في هذا الشأن، يقول الرئيس التنفيذي لشركة “بريون”، إيغور جابلوكوف، إن “من الصعب جمع المعلومات السابقة وفهم تلك التفاصيل الدقيقة التي تجعل الأفراد مميزين”. هذا يعني أن أقرب ما تستطيع الشركات الوصول إلى ذلك هو “المعطيات المدوّنة، أو النصوص التي كتبها الفرد، أو النصوص التي تم نسخها أثناء إجراء مكالمات عبر منصة زوم”.