مقالات

معوقات الإصلاح السياسي في الأردن

 
د . محمد تركي بني سلامة
مثلما للإصلاح أنصار ودعاة، فانه له أعداء ومناوئون وهم وان كانوا أحيانا قلة في المجتمع، إلا أنهم يمتلكون أسباب القوة ووسائل التأثير التي تجعلهم قادرين على وقف مسيرة الإصلاح، ولا سميا عندما يهدد الإصلاح امتيازاتهم ومكاسبهم، وبشكل عام فان معيقات وتحديات الإصلاح كثيرة ومتنوعة، وفي الحالة الأردنية، فان يمكن تلخيص ابرز المعيقات التي تحد من حركة الإصلاح على النحو التالي :
غياب الإرادة السياسية : فالإصلاح يحتاج إلى إرادة سياسية جادة في الإصلاح، وإحداث تغييرات سياسية عميقة وشاملة، إن ضعف أو غياب الإرادة السياسية يعني أن النظام لا يريد الإصلاح ولا سيما إذا وصل إلى درجة كبيرة من الانغلاق والتحجر و والاستبداد والفساد.
عدم اكتمال بناء الدولة الوطنية : لا زال الأردن شانه في ذلك شان الكثير من الدول العربية في مرحلة التشكيل أو بناء الدولة، فإنشاء الدولة في الأردن سبق إنشاء المجتمع، وفي ظل غياب رؤية واضحة للنخبة الحاكمة حول كيفية بناء الدولة الوطنية وإدارتها، تتجلى مظاهر عدم اكتمال بناء الدولة باستمرار قوة وتأثير الولاءات الفرعية من قبلية وطائفية وإقليمية وغيرها حيث تتفوق على الولاء للدولة، ويبدو ذالك واضحا في استمرار ممارسات مرحلة ما قبل نشوء الدولة حتى الوقت الحاضر مثل السلب والنهب وغيرها، مما يسهم في تكريس حالة من الشد والجذب بين الدولة والمجتمع ، ويعيق عملية الإصلاح وإنشاء المؤسسات الحديثة ولا سيما مؤسسات المجتمع المدني.
عدم حسم مسالة الهوية الوطنية : أدى استمرار تغيير الهوية الوطنية الأردنية ما بين هويات دينية وقومية وإقليمية وقطرية وقبلية متصارعة وغير مستقرة ، إلى فشل الدولة في تحقيق الاندماج الاجتماعي، وخلق هوية وطنية جامعة للمواطنين، وفي ضوء هشاشة الهوية الوطنية تبرز مفاهيم الأمن والاستقرار على حساب مفاهيم المواطنة والديمقراطية والإصلاح السياسي، لقد أصبحت ورقة الهوية الوطنية احد الأوراق التي يستخدمها النظام السياسي بما يتلائم ومصالحه، حيث يتم تفتيت المجتمع على أسس جغرافية وعشائرية وجهوية، وإعادة إنتاج النظام القبلي، مما يعكس أزمة في الهوية ويعيق فرص التقدم وتحقيق الإصلاح السياسي .
ضعف الثقافة الديمقراطية : إن الثقافة تلعب دورا يفوق دور السياسة في التأثير على الأفكار والسلوك الإنساني، وبالتالي فانه من الصعوبة بمكان تحقيق إصلاح سياسي بدون ثقافة ديمقراطية في الأسرة والمدرسة والجامعة والحزب السياسي والبرلمان والحكومة وغيرها من مؤسسات الدولة، والثقافة الديمقراطية أو الثقافة المدنية المطلوبة هي تلك التي تجسد قيم التعددية واحترام سيادة حكم القانون، والتداول السلمي للسلطة وخلق روح المواطنة، والانتماء للدولة، والحوار والتسامح، ونبذ الاستبداد بالرأي والقرار، ورفض العنف والتطرف، إن أنماط الثقافة السائدة في المجتمعات العربية، ومنها المجتمع الأردني، تقوم على تكريس الانقياد والخضوع والإذعان، وترك الحقوق وتسول المنح والأعطيات، وعدم قبول الآخر المختلف، وتغليب لغة القوة على لغة العقل والحوار، والمصالح الشخصية والضيقة على المصلحة الوطنية والاعتبارات العامة، والمثير للاستغراب أن النظام السياسي، وان ادعى ميله للتحديث والإصلاح إلا انه يشجع الممارسات القبلية .
الظروف الاقتصادية : في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد وارتفاع حجم المديونية الخارجية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانتشار الفساد في كافة مفاصل الدولة، واختفاء الطبقة الوسطى، وغيرها من الاختلالات الاقتصادية ، تراجعت أولوية الإصلاحات السياسية لدى فئات كبيرة من المجتمع من اجل توفير الحاجات الأساسية من غذاء ودواء وسكن وغيرها، انطلاقا من مقولة الخبز أولا والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي وغيرها ثانيا، ولكن الذي يحصل أن التضحية بالحرية من اجل الخبز قد يترتب عليه فقدان الاثنتين معا.
ضعف مؤسسات المجتمع المدني : المجتمع المدني منبع الديمقراطية، وهو ركيزة أساسية من ركائز الإصلاح، إذ يمكن أن تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورا فاعلا في صياغة أجندة الإصلاح، والمشاركة في تفعيل الإصلاح، إذ لا يمكن تصور نجاح مشروع إصلاحي في ظل مجتمع مدني متخوف أو ضعيف وهش، وفي الحالة الأردنية تعاني مؤسسات المجتمع ألمدني من حقيقة أن الدولة تنظر إليها بعين الشك والريبة، وتستغل تهمة التمويل الأجنبي للتضييق عليها، ومن هنا فانه لا بد من أن يتم رفع قبضة النظام السياسي عن المجتمع المدني وتوفير الظروف المناسبة لنمو وتطور منظمات المجتمع المدني وتحقيق استقلاليتها عن الدولة ، وإلا فإنها تصبح امتداد للدولة وتفقد مبررات وجودها.
هيمنة الدولة العميقة : الدولة العميقة في العالم العربي والأردن ليس استثناء، أثبتت أنها عصية على الاختراق أو التغيير، وقد اخترقت كافة مؤسسات الدولة وابتلعت المجتمع، ووأدت كل محاولات الإصلاح، وهي ليست في وارد الوعي بالحاجة التاريخية إلى فتح المجال السياسي، وعقد هدنة أو صفقة تاريخية مع المجتمع لتحقيق الإصلاح والتنمية، وهي ذات سلطة مطلقة تواجه مجتمع عاجز وصامت ومسلوب الإرادة، وهكذا يسود الفضاء العام حالة من الاحتباس السياسي. وفي الحالة الأردنية تبدو معالم الدولة العميقة واضحة، فاستعراض المسار التاريخي الذي جاءت دعوات الإصلاح في سياقه، لا يحتوي على شواهد كافية لتبرئة الدولة العميقة من استبعاد الأردنيين من المشاركة في إدارة شؤون البلاد بطريقة تكفل لهم حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية، حيث فشلت فشلت البرلمانات في تمثيل الإرادة الشعبية، بعجزها عن تشكيل حكومات تعكس توجهات المجتمع ومصالحه، وتحول القضاء إلى ذراع من أذرع السلطة ومكبّل بأجندتها، وتمكّنت المؤسّسات الأمنيّة على حساب المؤسسات المدنية، وتقلّصت مساحات الحريّة، واستمرّ انتهاك حقوق الإنسان، وتردّت مؤسسات المجتمع المدني، وهذه كلّها ممارسات عَكَسَت ضعف المجتمع وقوّة وهيمنة السلطة. .
(8)الظروف الإقليمية المضطربة: المشهد الدموي لثورات سوريا وليبيا واليمن، وتعثر الانتقال الديمقراطي في اليمن ومصر، وعدم الاستقرار السياسي في العراق وفلسطين كدول محاذية للأردن، كل ذلك كان له تأثير على حركة ووتيرة الإصلاح السياسي في الأردن ، حيث يتراجع الحديث عن أولوية الإصلاح في ضوء الظروف الإقليمية المضطربة التي تهدد الأمن الوطني والاستقرار السياسي.
إن خروج الأردن من الأزمة التي يعاني منها يقتضي اعتبار الإصلاح ضرورة تاريخية ومصلحة وطنية، من اجل استعادة الثقة بين الشعب والقيادة ومؤسسات الدولة، وهذا يستلزم اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والأخلاقي من أجل إحداث التغيرات المطلوبة في الدولة والمجتمع على حد سواء ومواجهة التحديات السابقة .
وذلك من أجل تحقيق مصالح وتطلعات النظام السياسي والشعب الأردني، وبناء الأردن الديمقراطي القائم على مبدأ الأمة مصدر السلطات كحقيقة واقعة وليس مجرد شعار، والذي يشكل الركن الأساسي لثوابت الحكم الديمقراطي، ومشاركة جميع المواطنين في السلطة والثروة، وبناء المواطن الأردني الحر القادر على العمل والعطاء، وتحمل مسؤولياته الوطنية والفردية، وحمل رسالة الوطن والدفاع عنها، ومواجهة المصاعب والتحديات. والحق أنه ومن دون أدنى شك لا يمكن بناء الأردن الحديث، وضمان مستقبل أجياله، وتحقيق الاستقرار السياسي فيه بعيداً عن هذه الرؤية.