اخبار سياسية الشرق الاوسط

مفاوضات فيينا بين الطموح الإيراني والمخاوف الإسرائيلية (مقال تحليلي)

أجمع المشاركون في مفاوضات الجولة الرابعة حول الملف النووي الإيراني بالعاصمة النمساوية فيينا في 7 مايو/أيار الجاري، على أن المفاوضات تسير بالاتجاه الصحيح.

17.05.2021

Istanbul

إسطنبول/ إحسان الفقيه/ الأناضوليعتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الإيرانيين “جادون بشأن التفاوض في فيينا، لكن من غير الواضح إلى أي مدى”.
تصر إيران على عدم التراجع عن نسب التخصيب أو التخلي عن معدات إنتاج الوقود النووي التي قامت بتركيبها بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات “الضغط الأقصى” على إيران.
تتخوف إسرائيل من أن تؤدي مفاوضات فيينا إلى اتفاق ترى فيه تخلي أمريكا عن أقوى حلفائها في الشرق الأوسط.
ليس من المستبعد انهيار مفاوضات فيينا والدخول في مرحلة شبيهة بالمرحلة السائدة في السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

أجمع المشاركون في مفاوضات الجولة الرابعة حول الملف النووي الإيراني بالعاصمة النمساوية فيينا في 7 مايو/أيار الجاري، على أن المفاوضات تسير بالاتجاه الصحيح.

وتبدو الإدارة الأمريكية على الرغم من عدم قبول إيران بمشاركتها الفعلية في المفاوضات، هي الأكثر تفاؤلا من غيرها من الدول المشاركة، بريطانيا وروسيا وفرنسا والصين، بالإضافة إلى ألمانيا.

ويعتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الإيرانيين “جادون بشأن التفاوض في فيينا، لكن من غير الواضح إلى أي مدى”.

وأوضح في مؤتمر صحفي عقده بالبيت الأبيض في 7 مايو الجاري، أن المباحثات لا تزال مستمرة، وأن جدية الطرف الإيراني تتوقف على مدى استعدادهم للقيام بما يلزم.

وأشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى أن بلاده “لا تعلم إذا كانت إيران مستعدة فعلا لاتخاذ القرارات المطلوبة للعودة إلى الاتفاق والالتزام به”.

وفي أكثر من مرة أكد بايدن على موقف بلاده برفع العقوبات إذا عادت إيران للامتثال إلى الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو ما ترفضه إيران التي تصر على رفع العقوبات أولا.

لكن الإدارة الأمريكية التي تريد العودة إلى الاتفاق القديم والتزام إيران به، تعد ذلك خطوة أولى تعقبها اتفاقيات جديدة تمنع إيران من إنتاج مواد انشطارية لعقود قادمة، والحد من برنامجها بتطوير الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والتخلي عن دعم الإرهاب الذي تمثله الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وترى صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن كلا من الولايات المتحدة وإيران متفقتان على العودة إلى الاتفاق النووي بعد أربع جولات من المفاوضات غير المباشرة خلال ستة أسابيع في فيينا، وأن العودة إلى صفقة عام 2015 لم تعد صالحة للطرفين.

ومنذ بداية أبريل/ نيسان الماضي، تتفاوض إيران مع الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة بوساطة الدول الموقعة على اتفاق الملف النووي لعام 2015، ويهدف إلى منع طهران من امتلاك أو تطوير أسلحة نووية.

وبموجب الاتفاق النووي لعام 2015، تلتزم إيران باتخاذ خطوات عملية بإشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتقييد برنامجها النووي، وعدم الحصول على المواد الانشطارية لصناعة الأسلحة النووية، مقابل تخفيف العقوبات الأوروبية والأمريكية، وعقوبات الأمم المتحدة.

وتصر إيران على الحفاظ على “مكاسبها” بعدم التراجع عن نسب التخصيب أو التخلي عن معدات إنتاج الوقود النووي التي قامت بتركيبها بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018 وفرض عقوبات “الضغط الأقصى” على إيران، التي تضع رفع هذه العقوبات ضمن أولويات قبولها بتوقيع اتفاق جديد أو العودة إلى الاتفاق القديم.

ويحاول التيار “الإصلاحي” الذي يمثله الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، بث رسائل إلى الناخب الإيراني مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو/ حزيران المقبل، تفيد بأن اتفاقا على وشك التوقيع سيتضمن رفع جميع العقوبات الرئيسية تقريبا، وهو ما ينفيه رئيس الوفد الإيراني المفاوض عباس عراقجي الذي قال إن مفاوضات فيينا لا صلة لها بالانتخابات.

وصرح الرئيس روحاني، الأربعاء 12 مايو الجاري، بأن ما تحقق من مطالب إيران في الاتفاق المنجز في فيينا قد يصل إلى ما بين 85 إلى 90 بالمائة.

لكن التيار الإصلاحي لا يبدو أنه يمتلك ما يكفي من الإرادة لمواجهة تحدي التيار المتشدد الذي يمثله الحرس الثوري ومكتب المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يرى مراقبون أنه يمتلك “وحده” القرار، وأن المرشد لم يحسم أمره بالموافقة على التوصل إلى صفقة جديدة أو التوقيع على اتفاق جديد مع المجموعة الدولية.

ويراهن التيار المتشدد على قرب انتهاء مهلة الشهور الثلاثة بموجب الاتفاق بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن المراقبة المستمرة لأنشطة المنشآت النووية الإيرانية بحلول موعد 21 مايو، قبل اتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتخلي عن الإجراءات التي أقرتها الوكالة مثل رفع كاميرات المراقبة الخاضعة لإشرافها في المنشآت النووية الإيرانية.

وبحسب الاتفاقية بين إيران والطاقة الذرية الموقع بطهران في فبراير/ شباط الماضي، ستستمر كاميرات المراقبة بتسجيل الأنشطة في المنشآت الإيرانية لمدة ثلاثة أشهر، وسيتم حذف جميع المعلومات المسجلة إذا لم تثمر مفاوضات فيينا عن اتفاق بين إيران والمجموعة الدولية لرفع العقوبات قبل 21 مايو الجاري.

لكنْ دبلوماسيون غربيون يعتقدون أن هناك احتمالات راجحة لتمديد اتفاق المراقبة قبل انتهاء موعده، وهو ما تؤكده إيران على لسان المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده في حال مضت مفاوضات فيينا في مسارها الصحيح برفع العقوبات عن إيران.

وتسعى إيران إلى تخلي الولايات المتحدة عن تصنيف الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية منذ عام 2019، وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية التي ترى أن الموضوع لا صلة له بالاتفاق النووي لعام 2015.

ويواصل الجمهوريون الضغط على إدارة جو بايدن لإنهاء مفاوضات فيينا بذريعة دعم إيران لحركة “حماس” التي تطلق الصواريخ على إسرائيل.

وتتخوف إسرائيل من أن تؤدي مفاوضات فيينا إلى اتفاق ترى فيه تخلي أمريكا عن أقوى حلفائها في الشرق الأوسط.

وحاول رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين في زيارته إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي إقناع الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ومستشار الأمن القومي بالتخلي عن العودة إلى الاتفاق النووي، بعد تقارير إعلامية عن نية الرئيس الأمريكي تخفيف العقوبات على إيران لحثها على العودة إلى الاتفاق.

وتواجه المجموعة الدولية ومعها الولايات المتحدة عقبات عدة تحول دون حسم المفاوضات والتوصل إلى اتفاق في المدى القريب.

ومن بين أهم تلك العقبات، ما يتعلق بمصير أجهزة الطرد المركزي التي رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ما يصل 60 بالمائة بعد تخلي إيران عن التزامها باتفاق 2015 منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.

وتحاول المجموعة الدولية الالتفاف على المناورة الإيرانية بإطالة أمد مفاوضات فيينا الذي تسعى من خلاله إلى رفع كامل للعقوبات قبل إعلانها الامتثال لاتفاق 2015، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة حتى الآن، على اعتبار أن بعض العقوبات لا صلة لها بالملف النووي، مثل العقوبات المفروضة جراء الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان ودعم وتمويل الإرهاب، وهو ما تنفيه طهران.

وليس من المستبعد انهيار مفاوضات فيينا والدخول في مرحلة شبيهة بالمرحلة التي كانت سائدة في السنوات الأخيرة من إدارة ترامب.

لكن على الأرجح، سيكون أي حسم قريب للمفاوضات بعيد المنال في المرحلة المقبلة، وأن هناك حاجة إيرانية لإطالة أمد مفاوضات فيينا إلى فترات لاحقة قد تطول لشهور أو سنوات.