شمس الدين النقاز
فجأة ودون سابق إعلام، منعت شركات الطيران المملوكة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التونسيات والرضع من السفر عبر خطوطها ولو “ترانزيت” من دون توضيح الأسباب، وهو ما خلف حالة من الفوضى في مطار تونس قرطاج الدولي وجدلاً واسعًا في صفوف الرأي العام المحلي على مدى الأيام الثلاث الماضية.
القرار الأخير الذي خلف حالة من الصدمة حتى داخل وسائل الإعلام والشخصيات السياسية التونسية المقربة من الإمارات، لم يكن اعتباطيًا، وإنما جاء في سياق تواصل التخبط الإماراتي في التعامل مع الشأن التونسي وسط حديث عن فشل محاولات جديدة يقودها محمد دحلان لجر تونس نحو مستنقع الفوضى.
الصدمة التونسية من هذا القرار المفاجئ لدولة الإمارات رافقته صدمة إماراتية أقوى بعد أن سارعت السلطات إلى استدعاء السفير الإماراتي بتونس سالم الزعابي في مناسبتين للاستفسار عن أسباب هذا القرار غير المفهوم
دحلان القيادي الفتحاوي المفصول والهارب من فلسطين الذي كرمه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بأن جعله مستشاره الخاص، جدد محاولاته لشراء ذمم السياسيين و”فرقعة” الساحة السياسية قبل أسابيع قليلة، عندما اجتمع برئيس حزب آفاق تونس الذي أعلن لاحقًا خروجه من حكومة التوافق الوطني، وبعد أن كان قد التقى في وقت سابق، بأمين عام حركة مشروع تونس محسن مرزوق في صربيا.
شخصيًا، لم أكن أستبعد أن يكون هناك تصعيد إماراتي خطير ضد تونس التي رفضت الانحياز إلى صفها خلال أزمة حصار قطر، فالمعلومات التي وصلتني تؤكد تذمر وزير الخارجية خميس الجهيناوي للمقربين منه من الضغوط السعودية والإماراتية على تونس وإغرائها بمئات الملايين من الدولارات إذا أعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وهو ما لم يحدث بسبب متانة العلاقات التونسية القطرية التي نسجتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.
الصدمة التونسية من هذا القرار المفاجئ لدولة الإمارات رافقته صدمة إماراتية أقوى بعد أن سارعت السلطات إلى استدعاء السفير الإماراتي بتونس سالم الزعابي في مناسبتين للاستفسار عن أسباب هذا القرار غير المفهوم، لتعلن بعدها تعليق رحلات الخطوط الإماراتية في المطارات التونسية إلى حين تمكن الشركة من إيجاد الحل المناسب لتشغيل رحلاتها طبقًا للقوانين والمعاهدات الدولية.
على إثر القرار الإماراتي، ولد ضغط شعبي كبير على الحكومة التونسية لاتخاذ رد مناسب على” أهانة المرأة التونسية”
الرد التونسي الذي حظي باحتفالات عارمة على مواقع التواصل الاجتماعي كان مفاجئًا للسلطات الإماراتية التي ظنت أن بإمكانها التحكم بالمسؤولين التونسيين بفضل إمبراطوريتها المالية الضخمة وبعض السياسيين المعروفين بعلاقاتهم مع صناع القرار في أبو ظبي، فهي المرة الأولى التي تتخذ فيه تونس موقفًا واضحًا من التدخل الإماراتي غير المقبول في شؤونها الداخلية.
الموقف الرسمي لم يكن متسرعًا وإنما جاء بعد طلب توضيحات من الجانب الإماراتي بخصوص هذا القرار الذي استهدف المرأة التونسية دون غيرها من نساء العالمين، بل جاء نتيجة ضغط شعبي رهيب أجمع فيه الجميع على ضرورة اتخاذ موقف واضح ورد مناسب على هذه الإهانة والاعتداء الصارخ على المرأة التونسية.
ربما لا يجهل المسؤولون الإماراتيون أن المرأة التونسية معروفة بمكانتها على المستوى العالمي، فهي التي تشغل المناصب العليا في كبريات الشركات العالمية وهي المعروفة بعلمها ورصانتها وتميزها في شتى المجالات، وليست “إرهابية” أو “عاهرة” مثلما أرادت وسائل الإعلام الإماراتية واللجان الإلكترونية تصويرها.
حاولت الإمارات وها هي تحاول مجددًا ومن المرجح أنها ستحاول مستقبلاً بطرق أخرى التدخل في الشأن التونسي الداخلي، ولكن الفشل سيكون مصيرهم وقدرهم المحتوم، لأن تونس التي فجرت ثورات الربيع العربي سيكون لهيبها حارقًا وقد يصل في المستقبل القريب قصور أبو ظبي ودبي وإن غدًا لناظره قريب.