مقالات

منظومة التعليم في بلدان المغرب العربي كما رأيتها في الملتقي المغاربي الثالث

 
أ.د. حسين سالم مرجين
عُقدت بالعاصمة التونسية ملتقي مغاربي الثالث بعنوان “راهنُ جودة الأداء التدريسي للمدرس في بلدان المغرب العربي وإمكانات التطوير”، خلال الفترة من 14 إلى 15 مارس 2018م ، بتنظيم متميز من جمعية البحوث والدراسات من أجل اتحاد المغرب العربي، حيث شارك في فعاليات الملتقي ثلة من الأساتذة والبحاث من جامعات بلدان المغرب العربي، كما تم عرض حوالي (26) ورقة علمية، إضافة إلى العشرات من المداخلات التي تناولت موضوعات جودة الأداء التدريسي بالنسبة للأستاذ في التعليم الجامعي، والتعليم الأساسي والثانوي، واستعرضت تلك البحوث العلمية تقييم وتقويم أداء المنظومة الأكاديمية، والتربوية، والأخلاقية في التعليم المغاربي، وذلك انطلاقًا من كون جودة التعليم هي الطريق نحو تحقيق التنمية المجتمعية في المنطقة المغاربية، وفي الحقيقة لفتت انتباهي في هذا الملتقي عدد من الملاحظات، أهمها :
هناك أزمة وانحدار في المستوى التعليمي في جل دول المغرب العربي، بالتالي تبرز الحاجة إلى وجود استراتيجيات وطنية ورؤية مغاربية لمنظومة التعليم، مرتبطة بوجود إرادة سياسية حقيقية كونها تشكل القاطرة التي تقود نحو تطبيق المشروع المجتمعي للتعليم، كما قد يتطلب الأمر الاستئناس ببعض النماذج الناجحة في التعليم : مثل النموذج الماليزي والفنلندي ، والابتعاد عن تسيس منظومة التعليم والنأي بها عن أي تجاذبات سياسية.
تكاد تكون التحديات ومواطن الضعف في منظومة التعليم لدول المغرب العربي واحدة، منها تحديات التوازن بين الكم والنوع، والحاجة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية، وتراجع مكانة الأستاذ الجامعي ، والاعتماد على أسلوب التلقين والحفظ دون الفهم والمعرفة، وإجبار الطلاب على التعليم وفق درجاتهم وليس وفق ميولهم ورغباتهم، بالتالي هناك الحاجة إلى البحث عن آليات جديدة لتقييم أداء الطلبة، كل ذلك يدعو إلى إعادة التجديد التربوي في العملية التعليمية من خلال تفعيل النظريات التربوية ذات العلاقة مثل: نظرية الذكاءات المتعددة، وبناء وتأصيل الكفايات والمهارات في المناهج التعليمية ، مثل مهارات التفكير النقدي، ومهارات التفكير الابداعي، والحاجة الماسة أيضًا إلى تأصيل الكفايات المهنية للأساتذة سواء أكانوا في التعليم الجامعي أم التعليم الأساسي والثانوي، والمدعومة بتقنيات المعلومات والاتصال، وانتقال الاستاذ من مجال التعليم، إلى مجال التعلم، بغية إعداد وبناء متعلمين مدى الحياة.
أن بعض البحاث والأساتذة في بلدان المغرب العربي لا يزال تركيزهم على التأطير الفكري لمفهوم الجودة، والبحث عن مقارباتها النظرية ومقاصدها وأهدافها ودلالاتها، ودراسة كيفية تفاعلها داخل المؤسسة التعليمية، في حين أن البعض الآخر انتقل إلى دراسة حالة الضغوطات والإكراهيات التي تواجه حركية ودينامية الجودة داخل المؤسسات التعليمية، وهذا يعني أن الجودة وضمانها في بلدان المغرب العربي لا تزال تعيش في حالة تأرجح بين حالتي التنظير، والتجريب، ولعل المؤسسات التعليمية في ليبيا تعتبر من المؤسسات المغاربية التي تعيش حاليًا حالات التجريب والتطبيق، بالرغم من كل حالات الضعف التي تمر بها الدولة الليبية، وهو ما حدا ببعض البحاث إلى القول بأن ليبيا بالرغم من كل ما تعانيه سيكون لها دور ريادي في المنطقة.
لا تزال تفتقر جل دول المغرب العربي إلى وجود هيئات فاعلة لضمان الجودة والاعتماد، كما أن الموجود منها لا يزال يتبع وزارات التعليم.
تواجه منظومة التعليم في ليبيا تحديات انعدام أو ضعف مؤسسات الدولة، في حين أن باقي دول المغرب العربي لديها مؤسسات وأجهزة وهيئات تتفاوت قوتها من دولة إلى دولة.
هناك فوضي في المفاهيم والمصطلحات المستخدمة من قبل بعض البحاث، مما أدي إلى إرباكات مفاهيمية كثيرة ، بالتالي تبرز الحاجة إلى أهمية توحيد المفاهيم والمصطلحات وربطها بالواقع أو التجربة فمثلاً: لا يزال البعض يستخدم مفهومي الكفايات والكفاءات بالنفس المعني، وكذلك الأمر بالنسبة للتقييم والتقويم، والجودة في التعليم والجودة الشاملة.
هناك الحاجة إلى استعمال اللغة العربية كونها تشكل لغة تفكير، وهي أيضًا وعاءُ المعرفة، في حين تمثل اللغات الاجنبية، مثل: الفرنسية أو الانجليزية لغة تواصل والحوار مع الآخر، فالتلاقح الفكري الإيجابي لا يحصل إلا بشرط امتلاء الأستاذ في المقام الأول من لغته الوطنية، وهنا تبرز الحاجة إلى تحرير العقول من التبعية القديمة والخروج من عباءة الآخر.
أن المؤسسات التعليمية تمثل الجسم لمنظومة التعليم، في حين يُشكل الأساتذة العقل لهذه المؤسسات، بالتالي يتوجب دعم هذه المؤسسات بالإمكانات المادية من أجهزة ومعدات ومختبرات ومكتبات لتقوم بالدور المناط بها، كما تبرز الحاجة أيضًا كما سبق وذكرنا آنفا إلى تحديد المهارات والكفايات الضرورية للأساتذة ليكونوا أكثر فعالية مع طلابهم، فالجسم السليم في العقل السليم
وبشكل عام فأن فعاليات الملتقي المغاربي أكدت الحاجة إلى الاتجاه نحو حل المشاكل، وليس الهروب منها، والبحث من ثم عن الحلول والمعالجات الناجعة، وهذا يدفع نحو الحاجة إلى وجود عقيلة العزم التي تعني أن نبدأ الآن وبالمتاح الممكن ولكن بصورة متميزة